دينا إسفندياري وأريان طباطباي (مجلة فورين أفيرز الأمريكية)

في الشهر الماضي، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أولى زياراته الخارجية إلى الرياض. من هناك، أرسلت الإدارة والمسؤولون السعوديون رسالة واضحة مفادها بأن إيران هي قوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة، والتي يجب على (أمم الضمير) أن تواجهها. وقد تعرضت العديد من جوانب الزيارة لانتقادات شديدة داخل المنطقة وخارجها، كما أشار بعض المراقبين إلى أن الزيارة أثارت انقساماً بين العرب الخليجيين. ولا يمكن توجيه اللوم إلى ترامب بسبب هذا الانقسام، فالعرب الخليجيون ليسوا متحدين، والاختلافات كانت منتشرة، لكنه يشجع الفصائل المتشددة في الخليج.
زيادة حدة الخلافات بين دول الخليج وتدهور الوضع في اليمن
تعد كيفية التعامل مع إيران دائماً موضع نقاش داخل مجلس التعاون الخليجي. على الرغم من أن جميع الدول في المجموعة تهدف إلى الوقوف أمام جارتهم القوية، إلا أن كلاً منها تختلف رؤيتها لهذه الكيفية. وقد لعبت المفاوضات النووية بين مجموعة (الخمسة زائد واحد) وإيران دوراً في جعل هذه الانقسامات في المقدمة. وتحت قيادة المملكة العربية السعودية، كانت البحرين ومعظم الإمارات العربية المتحدة متشككين في الصفقة، وسلطت الضوء على مخاوفها بشأن التدخل الإقليمي لإيران. وتأمل دول أخرى، بما فيها عُمان وإمارة دبي، في الاستفادة من الصفقة وإقامة شراكات تجارية جديدة. ووجدت الكويت وقطر نفسيهما في الوسط، بالرغم من أنهما كانتا متحمستين لاحتواء إيران، ولكن أيضاً للحد من التوترات. وفي النهاية جميعهم يتقاسمون مصالح مع إيران، بما في ذلك حقول الغاز والتجارة.
وقد أدى الصراع في اليمن إلى تعقيد الأمور. فمنذ أن قادت الرياض حملة الحرب على اليمن للتحقق من التأثير الإيراني المزعوم على الحوثيين، كانت الرياض مقتنعة بأن إيران لها يد في الصراع، ولكن البعض الآخر كان أقل تأكيداً، وذلك لأن دور إيران في الصراع ليس واضحاً، والدعم الذي تقدمه للحوثيين لم يتم إثباته ولا يكاد يذكر ومبالغ فيه. فعلى سبيل المثال عُمان رفضت الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية. أولئك الذين انضموا إلى التحالف مع المملكة العربية السعودية - بقية دول مجلس التعاون الخليجي - كانوا ينظرون إلى الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، على نحو متزايد بعيداً عن الخليج الفارسي، وأرادوا أن تظهر أنها يمكن أن تقف على قدميها من خلال ضمان الأمن الخاص بهم.
ولكن مع استمرار الصراع في اليمن، ازدادت الخلافات داخل دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً أنه لم يكن هناك ما يبرر حملة القصف المستمر والعشوائي، وهذه الحملة العسكرية لم تفعل شيئاً يذكر لتحسين أمن الدول المشاركة ومصداقيتها وصورتها. وعلى نحو متزايد، فإن الجهد المبذول يهدر الكثير من الموارد، في الوقت الذي تحتاج فيه هذه البلدان المتورطة في الحرب أن يحزم جنودها أمتعتهم ويعودوا إلى بلدانهم. وقد بدأ البعض في التشكيك في هذا الجهد، خاصة عندما تم تجاهل مصالحهم أو اعتبارها ثانوية بالنسبة للرياض. على سبيل المثال، كانت أبوظبي مهتمة بشكل رئيسي باحتواء انتشار الإسلاموية في جنوب اليمن، ولكن في بعض الأحيان، كان هذا الهدف يتعارض مع معركة الرياض ضد الحوثيين. وفي الوقت نفسه، أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة على وعي متزايد بقوتها العسكرية والسياسية. وأبرز مسؤولو دولة الإمارات العربية المتحدة مشاركتها العسكرية التي لا غنى عنها في الحملة اليمنية، وأصبحت دبلوماسيتها العامة أكثر نشاطاً ووضوحاً.
لكن النقاش والخلافات بقيت خلف الأبواب المغلقة. ومن المفارقات أنه مع تزايد الخلافات، نمت العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بشكل عام، حيث أشار المسؤولون السعوديون إلى أن الإماراتيين هم (أقرب حلفاء لهم في المنطقة)، ووصفوا تحالفهم بأنه (مزروع بالدم المشترك والتضحية والمصير). ويبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي متحدة تماماً بشأن إيران. وفي يناير 2017، وخلال زيارة أمير الكويت إلى طهران، قدم رسالة تحدد الشروط المسبقة للحوار مع إيران، التي أقرتها دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. وطالب العرض الكويتي طهران بالانسحاب من الشؤون العربية. وقد ردت طهران بشكل إيجابي على فكرة المحادثات، لكنها قالت إن الشروط المسبقة غير مقبولة. ويبدو أن المبادرة الكويتية، إلى جانب نجاح المفاوضات بين طهران والرياض حول الحج، في وقت سابق من هذا العام، تمهد الطريق لسياسة موحدة لدول مجلس التعاون الخليجي التي تشجع الحوار مع إيران.
لكن زيارة ترامب الأولى للمنطقة رافقها نمو هذه الخلافات. ومن جانبهم، أعاد الإيرانيون انتخاب الرئيس المعتدل حسن روحاني، الذي يدفع ويشجع الحوار مع جيران إيران العرب في الخليج. ولكن ترامب عقد الأمور كثيراً. فاحتضانه المفتوح للفصائل الأكثر تشدداً في المملكة أرسل إشارة إلى طهران بأن الولايات المتحدة لن تستجيب للتغييرات في إيران، بغض النظر عن سياساتها، وستواصل سياستها المعتادة في عزل البلاد. وقد أثار الموقف المناهض لإيران انتقادات من بعض الجهات داخل مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك من أمير قطر. وبينما نفى مسؤولون من قطر هذه التصريحات، أثاروا أزمة دبلوماسية لم يسبق لها مثيل داخل التحالف.. واليوم، فإن الشرخ بين حلفاء دول مجلس التعاون الخليجي علني وصاخب على حد سواء. حيث قامت هذا الأسبوع 5 دول عربية، منها البحرين والسعودية والإمارات العربية المتحدة، بقطع العلاقات مع قطر علناً بسبب (احتضانها لمختلف الجماعات الإرهابية والطائفية التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة). وهو آخر ما بذل من جهد طويل لعزل القطريين، بما في ذلك احتضانهم ومناصرتهم إيران. إذا أراد ترامب العمل بفعالية مع حلفاء دول مجلس التعاون الخليجي، وإدارة التوترات مع إيران، يجب على إدارته أن تفهم أن العرب الخليجيين ليسوا متحدين. وتوجد التوترات وستظل موجودة دائماً، ويجب على كل بلد أن يعالج هواجسه الأمنية. وبدلاً من إثارة التوترات الإقليمية وتشجيع المتشددين في الرياض وعواصم الخليج الأخرى من خلال القول بأن إيران لا يمكن فهمها، يجب على إدارة ترامب الاستفادة من نفوذها لتشجيع الحوار الإقليمي الذي يمكن أن يعالج الانقسامات القائمة بشكل أفضل.