محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
رحل شيخ الإرهاب عبدالمجيد الزنداني عن عالمنا غير مأسوف عليه بالتأكيد بعد أن قضى عمرا مديدا في هندسة الإرهاب الديني والتنظير له.
رحل بلحيته المسربلة والمخضبة باللون الأحمر على غرار تاريخه المثقل بجرائم الإرهاب الديني والمخضب بدماء الأبرياء على امتداد المشهد الوطني.
كما رحل في المنفى أيضا بعد أن لفظته بلادنا وثورتها الظافرة أيلول 2014م، مخضبا ومشبعا إلى جانب إرثه وتاريخه الدموي بالعمالة التي شكلت المعيار الأساس لهوسه الإرهابي منذ أن بدأت بذور عقليته الإجرامية في التشكل الفعلي على أيدي المخابرات السعودية والأمريكية في جبال أفغانستان في سبعينيات القرن العشرين إلى جانب أقرانه في هذا المضمار أمثال أسامة بن لادن وعبدالله عزام اللذين ربطته بهما مذاك علاقة إجرامية مشتركة وصداقة مخضبة بالدماء.
فكانت النتيجة أن برع -أي الزنداني- في هذا المضمار حينما شكل جيشا عقائديا متطرفا من جموع الإرهابيين الملتحين الذين تتلمذوا وتلقوا على يديه كل فنون القتل والجريمة ليعودوا كالخنجر المسموم في خاصرة الوطن في تسعينيات القرن الماضي بعد أن فرغوا من أداء مهامهم الوحشية في جبال أفغانستان المنكوبة بأمثالهم وبشرورهم.
ومثلما كان الزنداني على رأس جحافل المنظرين للحرب الجهادية المقدسة الرامية لإسقاط النظام الوطني التقدمي «الكافر» من منظوره، للرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي في الثلث الأخير من سبعينيات القرن الفائت.. كذلك كانت جحافله المبندقة والعائدة من أفغانستان على رأس الجيوش الغازية التي اجتاحت عدن وجنوب ما بعد الوحدة، إبان حرب صيف 1994م الغاشمة، بعد أن منحهم الزنداني آنذاك ومن خلال فتاواه الموبوءة بالشر والكراهية صكا مفتوحا لولوج الجنة دون استئذان صاحبها (الرب) حتى على حساب الدماء والأرواح والقيم الحداثية المهدرة هناك.. وباسم الرب طبعا، وذلك قبل أن يصوب -وبعد أن فرغوا من الجنوب وأهله- فتاواه الدموية باتجاه شمال الشمال (صعدة)، مؤسسا بذلك لحرب عدوانية أهلية أكلت خلال جولاتها الست الأخضر واليابس.
ومثلما برع الزنداني في هندسة الإرهاب الديني وترويجه والتبشير به، فقد برع أيضا في ابتداع طرق ووسائل الإغواء الفكري اللاهوتي بأنماطه وأشكاله المتنوعة لترسيخ هذا الفن الدموي، فكانت تحالفاته مع نظام الرئيس صالح إبان الحقبة الشطرية وما بعدها أشبه برباط الزواج الكاثوليكي المقدس الذي لا فكاك فيه.. على غرار تلك العلاقة التي نشأت قبلا أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ما بين مشرع الإرهاب الأول في المنطقة محمد بن عبدالوهاب وبين أمير نجد الصاعد آنذاك ومؤسس مملكة الرذيلة لاحقا؛ عبدالعزيز بن سعود.. حيث أنيطت بالزنداني وأعوانه مهام السيطرة على مفاصل السلطة الدينية في البلاد وتوجيهها حسب أهوائهم الإلغائية، الأمر الذي نجحوا من خلاله في التغلغل في كل مفاصل الدولة والبلاد ناشرين ومروجين لفكرهم ومعتقداتهم الإجرامية تلك كالسرطان في بدن الأمة بصورة يستحيل الخلاص منها على المدى الزمني الطويل، منشئين المراكز والمعاهد التثقيفية والجامعات المكرسة لجعل الإرهاب الديني أمرا واقعا ورديفا لحياة الشعب اليمني، على غرار جامعة الإيمان خاصته التي خرج من حواصلها أغلب مغتالي القوى الوطنية والمحلية خلال السنوات والعقود الفائتة، حيث لا ننسى في هذا السياق المجرم علي أحمد السعواني قاتل الشهيد جار الله عمر، ورفاقه أيضا من مرتكبي الجريمة الموازية في مستشفى جبلة آنذاك والذين كانوا إجمالا وثيقي الصلة بالزنداني وبجامعته الموبوءة بالشر والرذيلة.
في النهاية، رحل الزنداني، لكن إرثه الدموي والإرهابي لايزال حاضرا ومتمددا وغائصا في احشاء الوطن والمجتمع.
وفيما يحاول الوطن تخطي هذا الإرث الرجعي والدموي المستفحل للزنداني وأعوانه والتخلص من آثاره ونتائجه الماثلة في حياة الناس وفي حاضرهم وماضيهم ومستقبلهم، فإن مطاوعة الرذيلة (حزب الإصلاح) يجهدون من جهتهم لتحويله -أي الزنداني- إلى أسطورة من خلال سعيهم لترسيخ إرثه وذكراه في الذاكرة الجمعية للمجتمع بوصفه مخلصهم والبلاد من براثن الوثنية الراسخة فقط أذهان الخونج الذين لم يتورعوا في هذا السياق حتى عن فرض صلاة الميت الغائب والتسبيح بحمد الزنداني في جميع المساجد بمختلف المناطق الخاضعة لحكمهم الموبوء بالشر، رغبة منهم ربما في التخفيف من آثامه لدى الرب والتي ستحتاج في الواقع إلى عشرات التركترات لتمهيد الطريق أمام أي بصيص لغفران لن يكون أبدا من حصة الزنداني بالنظر إلى جور وفجور أعماله التي يندى لها جبين الإنسانية.

أترك تعليقاً

التعليقات