رعب صهيوني من الرد اليمني
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
«إسرائيل» خائفة ومرعوبة ومتوجسة جدا، إلى حد إقدامها، ليل الاثنين الفائت، على إعلان حالة الطوارئ في عموم كيانها الغاصب، عقب التهديدات الحوثية الأخيرة بالرد على هجمات الحديدة، وعقب تجرعها أيضا مرارة الهجمات الحوثية الأخيرة على كل من «تل أبيب» وميناء «إيلات»، والتي أثبتت نجاعتها من حيث قدرتها على مراوغة العدو ودقتها العالية في إصابة أهدافها، بما خلفته من رعب وهلع في أوساط العدو ومواطنيه بصورة لم تكن معهودة على امتداد تاريخ الصراع العربي - «الإسرائيلي».
«إسرائيل» اعتادت خلال كل حروبها مع العرب العاربة على الضرب بعنف وخسة وقذارة، كما فعلت في الحديدة، وكما تفعل منذ عشرة أشهر في غزة والأراضي الفلسطينية، فيما لا تزيد ردود الفعل التي تتلقاها من خصومها العرب المفترضين عن بيانات الشجب والتنديد الفارغة، أو الرد أحيانا بمقذوفات معطوبة غالبا ما تسقط على أراضي الكيان الصحراوية الخالية من البشر والأهداف الحيوية... الخ.
أما اليوم فإن معركتها مع اليمن، هذا البلد الفقير والبائس والمحاصر والمجني عليه منذ تسعة أعوام ونصف بحروب بربرية دولية وأهلية، باتت معركة مفصلية بالنسبة للكيان الصهيوني، الذي بات عليه أن يدرك الآن بجلاء أن قوة الشعوب وجبروتها لا يقاس أبدا بمدى امتلاكها للقوة والإمكانيات التقنية واللوجستية والتسليحية الجبارة، بقدر ما تقاس بالرغبة والعزيمة القومية فقط لقهر العدو وإذلاله.
فـ«الحوثيون» ليسوا بحاجة إلى طائرات «إف إم» أو «ميج» أو «سوخوي» حديثة، ولا إلى صواريخ عابرة للقارات للنيل من عدوهم، بقدر حاجتهم لورش تصنيع بدائية قدر الإمكان لتلحيم مسيرات «الصماد» وابتداع الصواريخ فرط صوتية بإمكانياتهم الشحيحة والمتاحة، ثم شحنها بنوع من العزيمة الوطنية والقومية وبجملة من الصلوات والابتهال للخالق لإرشادها إلى هدفها، سواء كان في «تل أبيب» أو الرياض أو البحر الأحمر أو أي منطقة معادية كانت.
المهم أنه وفي خضم هذه المعركة المفصلية مع عدو الأمة «إسرائيل» التي يخوضها «الحوثيون» والشعب اليمني ببسالة الفاتحين الحقيقيين، فإن مرتزقة الداخل يجهدون من جهتهم لتمكين «إسرائيل» ومولاتها (إمبراطورية اليانكي- أمريكا) من فرض وترسيخ حضورهم الاستعماري في بلادنا لأطول مدى ممكن، ليس فحسب من خلال منحهم التسهيلات الكافية للعدو، وخصوصا مرتزقة الانتقالي لبناء حصونهم وقواعدهم العسكرية والاستخباراتية في العديد من جزر ومناطق الحزام الجنوبي المسلوب، كما هو حاصل اليوم في حضرموت والغيظة وعدن وفي أرخبيل سقطرى وجزر ميون، وإنما أيضا من خلال مساعيهم المبذولة حثيثا لتأمين هذا الوجود الحالي والمستقبلي للعدوين «الإسرائيلي» والأمريكي على المدى الزمني الطويل وبسواعد يمنية خالصة، كما يتضح بجلاء من خلال حالة الحشد والتعبئة العسكرية المحمومة التي تقوم بها العديد من مكونات المرتزقة لشبابنا المغرر بهم تحت مسمى «قوات درع الوطن»، والتي ستكون منفصلة على الأغلب عن باقي المكونات العسكرية والمليشياوية المنشأة قبلا لخدمة تحالف العدوان وخوض حروبهم ضد شعبنا اليمني بالوكالة.
وذلك بالنظر إلى أن هذا المشروع (مشروع قوات بيع الوطن، أو درع الوطن) هو في الأساس مشروع ناشئ برؤية وبتمويل سعودي - إماراتي مشترك، ولهدف وحيد وحصري يكمن في تسخير هذه القوات الناشئة لتأمين وحماية المصالح الأميركية و«الإسرائيلية» في البلاد على المدى الزمني الطويل.
أن الأمر اللافت هنا هو أن أمريكا و«إسرائيل» أدركتا بالطبع منذ وقت مبكر أن احتواء اليمن واليمنيين والحد من قدرتهم ومن خطورة تحولهم إلى ركيزة أساسية في المحور المقاوم لغطرستهم الاستعمارية، لن يتم إلا عبر السعي الجاد لتفتيت وتجزئة مكوناته الاجتماعية والمذهبية والطبقية وتوجيهها لمقاتلة بعضها البعض، واستقطاب جزء مهم من هذه المكونات القابلة للبيع والعمالة لتبني وجهة نظر العدو والانجرار وراء مشروعاته الإخضاعية بما يخدم أهدافها وتطلعاتها الاستعمارية لأطول مدى ممكن، كما هو حاصل في الخليج، رغم الفارق الجوهري طبعا في هذا الشأن، كون في الخليج أنظمة الحكم الوطني ذاتها هي المجندة وضد رغبات شعوبها لخدمة الأهداف والأجندة الصهيو – أمريكية، على عكس بلادنا التي شهدت ولا تزال طيلة سنوات العدوان طفرة من العمالة والارتزاق المحمومة خارج سياق منظومة الحكم الوطني، ما أتاح للعدو الصهيوأمريكي تثبيت أقدامهم وحضورهم اعتمادا على عمالة وانبطاحية هذه القوى تمهيدا لفرض هيمنتهم المستقبلية بصفة كلية ونهائية.
وهو الأمر الذي لن يحدث بالمطلق طالما وجدت هناك سواعد وطنية مناوئة برهنت على الدوام على مقدرتها في تحدي وتخطي مختلف الظروف والعوائق الناشئة، من الحصار والتجويع إلى القتل والفتك والدمار والأذى الذي خلفه تحالف العدوان على مدى السنوات التسع الفائتة، إلى جبهات الخيانة الواسعة والمتعددة في الداخل الوطني، والتي لم يكن قبلها لمسيرات «الصماد» والصواريخ فرط الصوتية التي تدك اليوم معاقل العدو أي وجود يذكر، لولا جور وطغيان العدو الذي منح شعبنا القدرة والعزيمة الكافيتين لجعلهما أمرا واقعا.

أترك تعليقاً

التعليقات