مع انقضاء الذكرى الثامنة والخمسين للاستقلال .. هل أفلح الحزب الاشتراكي في تأطير تجربته الإنسانية حيال «أخدام» و«مهمشي» جنوب ما قبل الوحدة؟!
- محمد القيرعي الثلاثاء , 9 ديـسـمـبـر , 2025 الساعة 12:07:27 AM
- 0 تعليقات

محمد القيرعي / لا ميديا -
ما من شك في أن الحزب الاشتراكي اليمني وخلال تجربته التقدمية الثورية في جنوب ما قبل الوحدة كان له دور ملموس في الحد -الآني والمحدود نوعا ما- من جذور المعضلة العنصرية والتصدي لإرثها ومورثاتها التاريخية في السياق الثقافي والأخلاقي للمجتمع، وذلك من خلال جملة من الإجراءات والتدابير التنفيذية التي اتبعها الحزب آنذاك في إطار ما يمكن تسميته بـ«مشروع التمييز الإيجابي» المكرس خلال فترة حكمه الشطرية للجنوب لصالح الرفع من مستوى الشخصية الطبقية والوجودية والإنسانية لـ«المهمشين»، والذي انتهجه الحزب بدرجة مكنت الآلاف من شباب «المهمشين»، بمن فيهم أنا بالطبع، من نيل فرص العيش والنماء والتعليم المتاحة والمتكافئة دون إقصاء أو تمييز عرقي أو سلالي أو طبقي.. إلخ.
ومع هذا نستطيع القول إنها وكتجربة متقدمة -ورغم فرادتها الحداثية- كانت منقوصة ومختلة الأركان بشكل كارثي ومخيف، بالنظر إلى انعدام طابعها التشريعي والقانوني الصرف.
إذ إن كل ما طُبق في السياق الإنساني على مدى عقود الثورة خلال الحقبة التقدمية الشطرية بدءاً من عام الاستقلال الوطني الفعلي العام 1967م وحتى قيام الوحدة في مايو 1990م، وبغض النظر عن فاعليته من عدمها، كان محكوما بالدرجة الأساس بالتصورات الثورية الصرفة للحزب الاشتراكي اليمني، خارج سياق الأطر التشريعية الرسمية للدولة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، إن جاز التعبير، الأمر الذي أفقدها (كتجربة إنسانية رائدة) ليس فحسب صفة الديمومة والاستمرارية العملية المفترضة، وإنما أيضا القدرة على تحقيق إنجاز فعلي ملموس وطويل الأمد على صعيد تعميد وتقدم الحياة الطبقية العامة لـ”مهمشي” الجنوب بمستوياتها المعيشية والاقتصادية والفكرية، حيث ظل الفقر كما هو، رديفا يومياً لحياتهم الطبقية خلال أغلب مراحل العملية الثورية، والحال ذاته أيضا فيما يخص قدرتهم الطبقية والعرقية المفترضة آنذاك على امتلاك الوظائف العليا في الدولة حيث ظل التقدم بطيئا جدا فيما يخص شراكتهم المفترضة والمتكافئة في مختلف إدارات الدولة القضائية والإدارية والمدنية والعسكرية، فيما ظلوا يعيشون على ذات النمط الهامشي المعزول السائد والمكرس حتى اللحظة في أغلبية تجمعاتهم البشرية خلال سني الحقبة التقدمية محشورين في كانتوناتهم ومحاويهم السكنية البدائية والمكونة في أغلبها من أكواخ القش والطين والخرق البالية المغلفة بأسوأ الظروف والمناخات المعيشية الاجتماعية الأكثر رداءة وإهمالا، إن جاز التعبير.
ولتنطفئ بعدها جذوة التجربة الإنسانية في الجنوب برمتها تماما مع أول انتكاسة أيديولوجية مني بها الحزب.. بدءاً من العام 1989م جراء سياسة الإصلاح السياسي والاقتصادي (البروسترويكا) والمقرة آنذاك من قبل لجنته المركزية في دورتها المنعقدة أواخر سبتمبر 1989م، مرورا باندفاع الحزب وقياداته العليا المتهور وغير المدروس في أعقاب “الجلاسنوست” المشؤوم وسيئ الصيت، صوب مشروع الوحدة العاطفي في بنيانه، وبدرجة أدت في المقام الأول إلى انحدار وذوبان الشخصية السياسية والأيديولجية والثورية للحزب الاشتراكي اليمني واندثارها كليا تحت تأثير القيم الماضيوية المتبلدة الوافدة من الشمال بأنماطها السلالية والعشائرية والقبلية الممقوتة، والتي طمرت بدورها كل أثر لتجربة الحزب الإنسانیة فی جنوب ما قبل الوحدة، وبصورة أدت ليس فحسب إلى تقويض كل آمالنا وتطلعاتنا الطبقية “معشر المهمشين” في نيل حياة إنسانية حرة وعادلة وآمنة ومتكافئة، بقدر ما أسهمت في الوقت ذاته “وكانتكاسة حضارية” بإعادتنا إلى مربع العبودية الأول، مفتقرين لأبسط شروط الحماية السياسية والطبقية والقانونية والمدنية التي كفلها لنا الحزب قبل ذوبانه في المستنقع الشمالي، والتي مهدت الطريق آنذاك لبدء الانحدار الحركي صوب تنصله التدريجي وعلى ضوء نتائج هذا الذوبان أيضا عن الوفاء بالتزاماته الأخلاقية والأيديولوجية والثورية حيال مجمل الطبقات الاجتماعية الدنيا والمهمشة؛ وعلى رأسها طبقة “أخدام اليمن” التي كانت عاقدة كل عزمها وآمالها عليه -أي الحزب- لاستعادة حقوقها وهويتها الإنسانية وآدميتها المستلبة، واكتساب مكانتها العادلة والمتكافئة في المجتمع.
وتلك كانت، بالطبع، واحدة من سلسلة لامتناهية من الإخفاقات الأيديولوجية والثورية العميقة والعويصة التي منينا بها بانتظام في أغلب مراحل العمل الثوري التقدمي في جنوب ما قبل الوحدة، والتي أدت بطبيعة الحال إلى تفكك العملية الثورية برمتها تحت ضغط التوترات الطبقية والسلالية والعشائرية المتزايدة في صميم مشروعنا الثوري والتقدمي المحموم آنذاك.
عموماً، فإن ما أود قوله هنا تحديدا هو أنه وقياسا بهذا الواقع المخزي والمخجل والمهين الذي بلغناه اليوم في بلادنا على صعيد العلاقات الاجتماعية والوطنية والطبقية والإنسانية المسمومة والممزقة والمختلة.. فإن هذا لا ينفي بطبيعة الحال حقيقة أنه ساد خلال فترة الحكم الشطري التقدمي للحزب الاشتراكي اليمني في جنوب ما قبل الوحدة كما أشرنا.. نوع من مناخات العدالة الملموسة بالنظر إلى مظاهر المساواة الإنسانية الشكلية بين فئات المجتمع وطبقة “الأخدام”، رغم أنها لم تكن كافية البتة بالتأكيد -وكما أسلفنا- للتخلص من رواسب العقلية النبذية والعنصرية المترسخة بثبات موروث لا يتزعزع في وعي وعقلية وثقافة المجتمع اليمني بمختلف فئاته ومكوناته العشائرثة وأطيافه الاجتماعية.. والتي يمكن رؤية نتائجها المختزلة بوضوح.. ليس فحسب.. من خلال قياس مستوى التفاوتات الاجتماعية والعرقية اللصيقة بحياة الأخدام المنبوذة والمحتقرة.. بمستوياتها المعيشية والاقتصادية والتعليمية والمعرفية والإنمائية المختلة والمتدنية جدا في نطاقهم إلى حد العدم، وإنما أيضا من خلال الإمعان بموضوعية فاحصة في فظاعة ووحشية الفرز الاجتماعي الذي لا يزال قائما ومستشريا بصورة متجددة حتى اللحظة وبدرجة تتيح للجميع الاستمرار بحرمان فئات “الأخدام” من أبسط شروط الاعتراف بالشخصية الوطنية والإنسانية وتجريدهم في الوقت ذاته -وإن بصورة مبهمة وغير مرئية أو معلنة- من أبسط أشكال وشروط الحماية القانونية والدستورية بالنظر إلى استشراء أعمال الظلم والقمع الاجتماعي الممنهج الذي يطال أفرادهم وتجمعاتهم البشرية بانتظام ودون حسيب أو رقيب.. وتواتر الاعتداءات العنصرية اليومية بما فيها أعمال القتل والسحل المجاني والاغتصابات المتصاعدة، بالتوازي مع أعمال التّشريد الفردي والجماعي المستشري بثبات والذي لا تحجبه بطبيعة الحال مساحيق التجميل النظامية المغلفة بادعاءات المساواة والمواطنة الواحدة والمتساوية المعممة هنا وهناك في خطب وأدبيات أنظمة الحكم الوطني المتعاقبة على امتداد مراحل العملية الثورية الوطنية.
ما يعني أنه ورغم تلك المكاسب المدنية التي تحققت والتي لا يمكن دحضها أو إنكارها على الرغم من ضآلة ومحدودية نتائجها بالنسبة لـ”أخدام الجنوب”، خصوصا خلال الحقبة الشطرية، إلا أننا ومع هذا لا نزال أمة مأزومة ومقسمة وممزقة بامتياز، بسبب استفحال القيم والمعتقدات العنصرية والانعدام الكلي لمظاهر العدالة والمساواة الإنسانية، جراء استشراء مظاهر الانقسام العرقي والكراهية العنصرية الموروثة والمتجددة بصورة لا تنبئ بزوالها أو الحد من منطلقاتها على المدى الزمني الطويل.
وهذا مرده بطبيعة الحال، إلى غياب وانتفاء الطابع التشريعي الكفيل بإحداث التقدم الإيجابي المأمول في التعاطي مع جذور المعضلة العنصرية، فدستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (سابقاً) لم يتضمن البتة أي بند تشريعي يتيح الإقرار الوطني الدستوري الصريح بواقع المعضلة العنصرية بكل إرثها ومساوئها ونتائجها التاريخية المخجلة والمختزلة عميقا في حياة “الأخدام” عبر أسوأ أشكال الفاقة والفقر المدقع المغروس عميقا ودون فكاك في حياتهم المغلفة بأسوأ أشكال العزلة الاجتماعية والأمية والتخلف العلمي والمعرفي والسياسي المصحوب في الوقت ذاته بافتقار طبقة “الأخدام” إجمالا (كأفراد وتجمعات) لأبسط شروط ومقومات النماء الحضاري والتطور الإنساني المفترض، مثل تملك وسائل وأدوات الإنتاج والتجارة وامتلاك الأراضي الزراعية والمساكن الآمنة والوظيفة المتساوية والحقوق المهنية العادلة والمتساوية، بالإضافة إلى افتقارهم الكلي في الوقت ذاته لأبسط شروط ومقومات البقاء الطبقي والإنساني الآمن والمفترض.
مثلما لم يتضمن دستورها أيضاً أي التزام وطني أخلاقي ودستوري صريح حيال ضحايا التمييز والعنف العرقي بطريقة تجيز على سبيل المثال منحهم التعويض الوطني التاريخي العادل، وعلى أساس دستوري كما هو مفترض، والذي كان من شأنه تمكينهم على الأقل كـ”ضحايا تاريخيين” من تخطي أسوار خمسة عشرة قرنا زمنية مظلمة من الكبت والقهر والإذلال والعزل الاجتماعي والحرمان القهري العنصري الذي طال كل مناحي حياتهم الإنسانية في سياق موروث الازدراء والكراهية القومية التي تطالهم حتى اللحظة وبنفس وتيرتها التاريخية الموغلة في التطرف والوحشية، وذلك على غرار الوضع التشريعي الذي كفلته حكومة الاستقلال الهندية أوائل خمسينيات القرن العشرين حيال الحقوق المدنية والوطنية والطبقية والإنسانية لضحايا التمييز العنصري الطويل والمضني هناك “طبقة منبوذي الهند (الداليت)” والذين تمكنوا خلال العقود السبعة الفائتة من عمر استقلال جمهوريتهم عام 1948م ومع المصداقية الوطنية والدستورية التي تعاطت بها أنظمة الحكم الوطني الهندية المتعاقبة منذ الاستقلال من تخطي حدود العزلة والفقر والتخلف التاريخي بفعل الحقوق الدستورية التعويضية التي كفلت لهم أو ضمنت حصولهم، كطبقة مقصية ومحرومة، على حصص وطنية ثابتة في الاستفادة الحصرية من امتيازات الرعاية الصحية والتعليم والوظيفة العامة والمشاركة المتكافئة في إدارة الشؤون العامة للبلاد، وبالشكل الذي أدى إلى نشوء حركة احتجاج اجتماعي منطلقة أواخر القرن العشرين من حواصل الطبقات السيادية في المجتمع تطالب بالحصول على ذات الحصص الوطنية الاستثنائية التي يحظى ويتمتع بها منبوذوهم.
مثلما لم يتضمن أيضا -أي دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (سابقاً)- أي نصوص تشريعية وقانونية تتضمن ترسيخ وكفالة أسس ومبادئ العدالة الكاملة والمطلقة لطبقة “الأخدام” أسوة بباقي فئات المجتمع السيادي على غرار قانون الحقوق المدنية الأمريكي المقترح في العام 1963م من قبل الرئيس جون كنيدي، والمقر من قبل الكونغرس الأمريكي عام 1964، عقب اغتياله، وفي عهد خلفه الرئيس ليندون جونسون، وهو القانون الذي، وبقدر ما كفل ضمان مبدأ المساواة الإنسانية الكاملة والمتكافئة لزنوج الولايات المتحدة في سياق واحدية الهوية الوطنية، بقدر ما مهد السبيل أيضا لصدور قانون الإسكان، والذي أقره الكونغرس الأمريكي بدوره بعد أربع سنوات على إقرار الأول -أي في عام 1968- والذي ضمن لزنوج الولايات المتحدة الأمريكية حق المساواة الكاملة والمطلقة فيما يخص الحق في الإسكان واكتساب المساكن الحضرية اللائقة للعيش الإنساني أسوة بباقي طبقات المجتمع الأمريكي الأبيض.
خلاصة القول، إنه كان يتعين علينا في البدء كـ”عقائديين ماركسيين” وفي سياق التزامنا الثوري بمعتقداتنا الماركسية وسعينا المحموم صوب الشيوعية أن نتعلم أولا وأن ونستوعب أسس ومفاهيم البناء الشيوعي الحقيقي للمجتمع خارج سياق التصورات النظرية، مثلما كان يتعين على الرفاق أيضا في قيادة الحزب والدولة والثورة الأكتوبرية أن يدركوا بجلاء أن مسألة إنشاء نظام اجتماعي شيوعي لا طبقي جديد.. لا يمكن أن يتحقق بأية حال على قاعدة مفرغة من التنظير الثوري والتصورات الأيديولوجية المزاجية الفارغة والمفرغة من أي محتوى ثوري تطبيقي حي وحقيقي، ما لم يرس -أي النظام الاجتماعي اللاطبقي الجديد- في المقام الأول على قاعدة تشريعية صلبة وعلى مصفوفة متكاملة من التدابير الاشتراكية الحقيقية والكفيلة بإلغاء واجتثاث مجمل التناقضات والفوارق الطبقية المستشرية في المجتمع.
وأمرٌ كهذا لا يمكن تحقيقه بصورة مثلى ومظفرة ما لم يتم أولا تمكين البروليتاريا والطبقات الكادحة والمهمشة من الاحتفاظ بالسلطة السياسية بأيديها، كونها الطبقة الثورية الوحيدة -أي البروليتاريا- القادرة على إلغاء أسس النظام الاجتماعي التراتبي القديم القائم على المحاباة السلالية والقبلية والعشائرية، وإرساء قاعدة اجتماعية متينة وموحدة لا يستطيع أن يبني عليها غير الجيل الذي يبدأ العمل في ظروف جديدة، وفي وضع لا وجود فيه لعلاقات الاستثمار التراتبية الفوقية المتناحرة بين الناس، تطبيقا للهدف الشيوعي الأبرز والأول المُضمن في مصفوفة البيان الشيوعي، المعلن في العام 1847م بالعاصمة الإنجليزية لندن من قبل العصبة الشيوعية، بزعامة الرفيقين القائدين كارل ماركس وإنجلز، والذي ينص صراحة على المبادرة أولا -وفي سياق أي حركة ثورية شيوعية ناشئة في أي منطقة بالعالم- على تنظيم البروليتاريا في طبقة منظمة، والاستيلاء على السلطة السياسية وإلغاء الملكية البورجوازية التي تقوم على استغلال وإفقار العاملين والطبقات الاجتماعية الدنيا والمسحوقة كشرط أساسي لانتصار العملية الثورية في محيطها.
في النهاية، أستطيع القول إن دولتنا العمالية في جنوب ما قبل الوحدة، وإن كانت قد نجت بالفعل لعقدین ونيف قبل الوحدة رغم ضراوة الصراعات الداخلية التي شابت مسيرتها، إلا أن نظامنا الوطني البلشفي وتطلعاتنا التقدمية واجهت ولا تزال تواجه حتى اللحظة عواقب الدمار الأيديولوجي والفلسفي والأخلاقي الذي شاب معتقداتنا الثورية، بالصورة التي لخصها بجلاء في العام 1933م القائد البلشفي التاريخي الرفيق ليون تروتسكي الذي صرح قائلا إنه “يمكن اختزال الأزمة التقدمية التاريخية للبشرية في أزمة القيادة الثورية”.
وهذا صحيح قطعا، إذا ما وضعنا بعين الاعتبار حجم الانتكاسات الأيديولوجية والثورية المريعة التي شابت مسار العملية الثورية الاشتراكية في بلادنا وطبيعة الوضع الانكفائي الراهن الذي بلغه حزبنا الاشتراكي اليوم على مختلف الصعد السياسية والجماهيرية والحركية والاجتماعية والثورية، بوصفه الأداة الرئيسية للعملية الثورية الوطنية ككل، والحزب الوحيد المتفرد من بين كل منظومة العمل الحزبي والحركي الوطني الذي عركته التجارب النضالية والملحمية الشاقة والمضنية من ثكنات الكفاح التحرري المفتوحة أوائل ستينيات القرن العشرين في ثكنات ردفان ويافع والضالع وأبين إلى أقبية العمل الكفاحي السري في دهاليز عدن حتى تحقيق الظفر الثوري الذي تكلل بالجلاء الكامل للاستعمار الذي احتفلنا رغم المرارة الوطنية بذكراه الثامنة والخمسين في أصعب الأوضاع الانتكاسية جورا ومرارة، والتي يمكن استشرافها بوضوح من خلال الإمعان بموضوعية فاحصة في قاعدة الكفاح التحرري التاريخي لحزبنا الاشتراكي.
إذ إنه وفي بعض حقب النضال الثوري التقدمي الذي خاضه الحزب خلال الحقبتين الشطرية والوحدوية عادة ما كان يبرز هنالك تقليد نضالي عظيم مشحون بالشجاعة الذاتية وبالعاطفة الأيديولوجية المحكومة عادة بمبدأ التضحية بالمنافع السلطوية والمادية الشخصية داخل قسم صغير من المثقفين الثوريين في أعلى الهرم القيادي للحزب على غرار الشهيد جار الله عمر والقائد الملهم الراحل الرفيق علي صالح عباد مقبل، والذين سعوا ومن خلال تجربتي وعلاقتي الشخصية الوثيقة بهم إلى تغيير الواقع الرهيب والمُهين للفقر والتخلف الاجتماعي والإقصاء الحركي الذي طغى عليه تأثير النظام الاجتماعي القبلي التراتبي الوحشي سواء داخل مكونات الحزب أو على الصعيد الاجتماعي والوطني في بلادنا.
إلا أنه وفي المقابل كانت جهودهم السياسية والحركية داخل مختلف المكونات الهرمية للحزب غالبا ما تقابل بنشاط رجعي لبعض التيارات المنظمة على شكل حركة ثورية داخل الحزب والساعية للإطاحة بكل الإنجازات الثورية المحققة على الصعيدين الحركي الداخلي والمجتمعي والوطني ككل، على غرار شلة ياسين سعيد نعمان وباذيب والشطفة، الذين ينطبق عليهم بجلاء تشخيص الرفيق القائد فلاديمير لينين في كتابه “مرض اليساريا الطفولي”، بقوله: “إن الثوريين النكدين والطالحين غير مجربين ويسيئون للثورة، إذ ليس من الصعب أن يكون المرء ثوريا عندما تكون الثورة قد اندلعت واستعر أوارها عندما يلتحق بالثورة كل أحد. إما اندفاعا وراء الأحاسيس أو اقتفاء للموضة أو حتى أحيانا من أجل مصالح وصولية خاصة”.
الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود، رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.










المصدر محمد القيرعي
زيارة جميع مقالات: محمد القيرعي