محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
ليس هناك من حيلة أو وسيلة من وسائل الكذب والتزلف والنفاق الديني والسياسي والأخلاقي إلا وأجادها خونج الرذيلة من عصابات حزب الإصلاح في بلادنا، بدرجة تثير الدهشة والإعجاب معا!
فخلال يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، بلغوا في هذا المجال مبلغاً فاق التصور بالفعل، في نطاق مناطق الشمايتين والحجرية ومدينة تعز المحتلة على وجه العموم، وهم يعدون العدة لتهيئة المنطقة لاستقبال رأس حربة نظامهم السياسي، العميل -دكتور العمالة والارتزاق- رشاد العليمي، الذي جال خلال الأسبوع الماضي في عدد من المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة في محاولة يائسة ومدروسة لاكتساب أدنى قدر من الشرعية الجماهيرية والوطنية التي يفتقدها ويحلم بها.
فقد قام الخونج بإجبار الناس، من مختلف القوى الاجتماعية المقهورة، على الوقوف ساعات عدة وطويلة على أرصفة الطرق، فيما يمكن وصفه بالحجيج الاجتماعي القسري الذي كرس على النمط الشعائري المتبع من قبل هندوسيي جمهورية نيبال، الذين يحتشدون عادة ورغم فقرهم وعوزهم في مواسم دينية معينة للحج الجماعي إلى معبد الآلهة الحية «كوماري ديفي»**.
وبالطبع، وكما هو الحال فقد جرت مراسم الحشد والاستقبال وسط جو مشحون بالأهازيج والأناشيد الوطنية المشوبة بمناخ أمني وعسكري محموم شاب مجمل تلك المديريات المنكوبة بتسلط الخونج، بالنظر إلى حجم الانتشار المليشياوي والاستخباراتي والعسكري المكثف الذي شمل كل حي وقرية وشارع وزقاق مظلم، بصورة أبرزت قدرة هذه العصابات الملتحية على التفنن في انتهاج النمط الإخضاعي للمجتمع، وبشكل يفوق بكثير قدرتهم المفترضة -كحزب حاكم ومهيمن- على اكتساب الولاء الاجتماعي الطوعي لتأكيد مزاعمهم المروجة حول نيلهم كل أسس ومظاهر الشرعية الوطنية، التي لم تعد في متناول أيديهم أصلاً.
هذا الأمر استعاضوا عنه بجملة من التدابير الالتفافية لإبراز جانبهم الجماهيري المنعدم والمشرذم، عبر المبادرة بتجنيد أعضائهم ومناصريهم الحركيين لحشد القوى الاجتماعية المطلوبة عبر الضغط والوعيد والتهديد والإغراءات المتنوعة لإنجاح مساعي الاستقبال الشعبي لرئيسهم (العليمي)، بدءا من فرق «المرافع» المتعددة (وهؤلاء مهمشون في أغلبهم) إلى طلاب وطالبات المدارس الأساسية والثانوية، إلى الحشد القسري أيضاً لطلاب ومرتادي الكليات الجامعية في مدينتي التربة والمعافر، وعموم موظفي الهيئات الحكومية، وصولا إلى جموع المتسولين والمتسولات في الشوارع الذين تزايدت أعدادهم خلال سنوات الحرب الراهنة لتشمل العديد من طبقات القبائل الذين دلفوا قسرا -بفضل حكمة ووطنية المطاوعة وتقدميتهم- إلى عالم «الشحاتة» جنبا إلى جنب مع ممتهنيها التقليديين (طبقة أخدام اليمن)، لدرجة أنهم نجحوا وبطريقة ما، وبهدف تغطية الغياب القبلي والعشائري الملحوظ، بتجهيز مصفوفة من اللافتات التي أعدت على عجل، حيث قاموا بإلزام طلاب وطالبات المدارس برفعها، للإيحاء بأن قبيلة فلان، وقبائل زعطان... ترحب بقدوم صاحب الفخامة! وبدرجة شملت حتى جموع المهمشات اللواتي تم جلبهن من قراهن بواسطة نافذي الخونج (المشائخ تحديدا)، واللواتي كلفوهن برفع لافتة تفيد بأن القطاعات النسائية في الشمايتين ترحب بمقدم صاحب السمو الارتزاقي، في ظاهرة تعكس أبشع صور الزيف والنفاق والتضليل المخيم على بلد بات كل ما فيه يرمز للرذيلة المعلبة والمصبوغة بماركة الإخوان.
الفائدة الوحيدة ربما التي أثمرتها زيارة هذا العليمي للمنطقة كانت من نصيب المتسولة «شعتلة»، التي تشرف وتهيمن فعلياً على تنظيم مهنة التسول في سوق المركز الرئيسي، والتي أبدعت من جهتها في التزلف إبان الحشد الخونجي، حينما بادرت إلى تعليق صور العليمي على صدرها، ما أدى إلى ارتفاع حصيلتها من عائدات التسول ذلك الصباح، نتيجة لاكتظاظ سوق المركز بالمستقبلين من عتاولة الخونج وأعوانهم من جهابذة العمالة والنفاق السياسي، لدرجة تمنت معها لو أن هذا العليمي يبادر بالإقامة في منطقة المركز لفترة حتى تتمكن على الأقل من جمع ما يكفي لترميم كوخها المتهالك وتوسيعه لاستيعاب أسرتها المتنامية، باعتباره (أي العليمي، الذي نال حظوتها ودعواتها ذلك الصباح) أحد مصادر الرزق المحتملة للآنسة «شعتلة»، خلافا لتمنيات باقي الشعب، الذي أنهكه الجوع والعوز والفاقة، ودمرته بنادق وبلطجة المليشيات والعصابات الملتحية، إلى حد بات معه فاقدا لأي أمل في استعادة أمنه وهويته وآدميته وكرامته المستلبة.
ـــــــــــــــــــــــــ
** الإلهة «كوماري ديفي» هي إلهة حية، وهي طفلة مختارة يتوجب عبادتها عند البوذيين والهندوس معاً؛ لكونها حامية وجالبة للحظ الجيد والازدهار، لدرجة أن مجرد الرغبة في رؤيتها ومحاولة لمس موكبها خلال مهرجاناتها الدينية المسماة «سيتو ماشيندراناث» يعد حلماً بعيد المنال بالنسبة للكثيرين من عبيدها الذين يكدحون في سبيل بلوغ هذا الامتياز الشرفي.

أترك تعليقاً

التعليقات