جريمة التربة والبصمة الإخوانجية
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
ما من جريمة مروعة تطال الإنسانية، وما من فعل جرمي وانتهاك فاحش، وما من أعمال نهب وسلب لصوصي إجرامي مافيوي تطال حقوق الناس وأمنهم وأعراضهم وممتلكاتهم في المناطق التي ابتلاها الرب بحكم إخوان الرذيلة (حزب الإصلاح)، إلا وتجد عليها بصماتهم البائنة، سواء بشكل سافر وصريح كما هو الحال في أغلبها أم بصورة مبهمة ومبطنة على غرار جريمة الحرابة المروعة التي هزت مؤخرا الرأي العام في المنطقة والمحافظة ككل، جريمة قتل الزبيدي، التي شهدتها حاضرة الحجرية (مدينة التربة)، والتي راح ضحيتها المغدور قاسم الزبيدي، المقيم في مدينة التربة/ الشمايتين، من أبناء مديرية زبيد في تهامة، والذي يملك محلا لبيع الشيش والمعسلات والفحم والتمباك.
كان الزبيدي قد اختفى قبل حوالى أربعة أشهر بصورة غامضة ومبهمة، قبل أن تكشف التحريات الاجتماعية بطبيعة الحال (وليست الأمنية كما هو مفترض، كون الأمن هناك في الشمايتين عموما وبمختلف تفرعاته مكرسا في الواقع لقمع وسحل ونهب وإرهاب الناس، وليس لخدمة أمنهم الاجتماعي) عن تفاصيل وملابسات الجريمة التي راح ضحيتها المغدور الزبيدي على يد عصابة من "المقرمطين" مكونة المدعو مروان عبدالحكيم عبده عبدالله، والذي يعمل بوظيفة عامل مبيعات في محل الضحية ذاته، بالإضافة إلى شقيقه شهاب عبدالحكيم عبده عبدالله، وبالشراكة أيضا مع شقيق زوجة الأول (مروان) ويدعى زياد عبده محمد حسن، والذي يعمل صف ضابط بإدارة أمن الشمايتين، وشريكهم الرابع المدعو علاء جواد قائد أحمد.
وتتمحور أسباب الجريمة حول تراكم الديون والعجز المالي بصورة طاغية على المتهم الأول مروان، الذي كان -على ما يبدو- يقوم باختلاس مبالغ مهولة من خزينة محل الضحية الذي يعمل فيه، مما أجبر صاحب المحل، المغدور قاسم الزبيدي، على إلزامه وعبر تدخل بعض الوسطاء والمصلحين الاجتماعيين، والذين سنأتي على ذكرهم لاحقا، بضرورة سداد ما عليه من أموال للمحل عبر العمل دون أجر مادي.
هذا الأمر منح القاتل حافزا للتخطيط لجريمته المروعة تلك بالشراكة والاتفاق أولا مع شقيق زوجته، الذي يعمل ضابطا في أمن الشمايتين، زياد عبده محمد المقطري، وذلك عبر قيامهما باختطاف الضحية وتقييده وتكميمه واحتجازه في محله الكائن -لمن لا يعلم- على بعد أمتار قليلة من مبنى إدارة أمن الشمايتين وأشاوسها البواسل، وذلك في محاولة لإجبار الضحية على توقيع صك شراكة تجارية مع المختلس والعامل لديه، كما أسلفنا المتهم الأول مروان، وبما من شأنه أولا تخليص الأخير من ديونه المتراكمة جراء اختلاساته المتوالية، وتمكينه من ناحية أخرى من الاستحواذ وبشكل مافيوي على نصف رأسمال وموجودات المحل، تمهيداً ربما للاستيلاء عليه كليا في قادم الأيام، في خطوة مماثلة ومحتملة؛ إلا أن الأمور لم تسر حسب المخطط الذي رسمه المجرمان، بالنظر إلى المقاومة الرفضية التي أبداها الضحية خلال فترة احتجازه وتعذيبه المنظم من قبل قاتليه وداخل محله المجاور كما أسلفنا لمبنى أمن المديرية، الأمر الذي دفعهما بعد أيام من احتجازه القسري وتعذيبه الوحشي إلى الإجهاز على حياته؛ تحاشياً -بطبيعة الحال- للمخاطر المترتبة والتي ستنشأ بالتأكيد في حال كانا اتخذا قرارا بإطلاق سراحه، ثم وعقب قيام شريكي الجريمة بإزهاق روح ضحيتهما، قاما بتقطيع جسده إلى كتل متعددة، عبر فصل الرأس والذراعين والساقين وتعبئتها في حقائب صغيرة لطمس معالم الجريمة وتسهيل نقل جثمان القتيل إلى مكان الدفن الذي اختاراه بعناية فائقة أيضا، حيث قاما بمواراة جثمانه المجزأ وبالاشتراك الجنائي أيضا مع كلٍّ من زوجة المتهم الأول ومع شقيقه المدعو شهاب عبدالحكيم، في مقبرة مخصصة لدفن جثامين الأطفال تقع في قرية حصبرة الواقعة على الطرف الجنوبي النائي من مدينة التربة، والبعيدة نوعا ما عن أعين المارة والمتطفلين.
إلى هنا تنتهي تفاصيل تلك الجريمة المروعة، ليبدأ الطقس الأكثر ترويعا ومأساوية في الحادثة برمتها، ففي مقابل تقاعس إدارة أمن الشمايتين في أداء واجبها الأمني المفترض والتعاطي بمسؤولية مهنية وأخلاقية مع فحوى البلاغات المتوالية عليهم طيلة الأشهر الأربعة الفائتة حول الاختفاء الغامض والمفاجئ للمغدور، والمقدمة تباعاً من أقارب الضحية ومن أصدقائه، الذين قادهم يأسهم من سلبية أجهزة الأمن إلى تنظيم وقيادة حملة بحث وتنقيب وتحرٍّ ذاتي بمبادرة وتمويل أيضا من أحد أصدقاء القتيل (وهو تاجر سمك بالمناسبة، يدعى عبدالرحمن الشيول)، حتى تمكنوا في نهاية المطاف وبعد عناء أربعة أشهر كاملة من اكتشاف الحقيقة الصادمة التي تحاول أجهزة أمن الشمايتين تفيّدها حاليا كإنجاز لم يكن لها فيه يد.
والطامة الكبرى هي أن المواطن عبد الرحمن الشيول، الذي نظم ومول عملية البحث الاجتماعي تلك وصولا إلى اكتشاف تفاصيل الجريمة وبمعزل عن أجهزة الأمن المنشغلة كعادتها في قمع وترويع وسلب المجتمع من حولها، سرعان ما أدرج في رأس قائمة المطلوبين الأمنيين والمعتقلين أيضا على ذمة الجريمة ذاتها، أسوة بمرتكبيها، ما أدى إلى نشوب حالة من الرفض والهياج الجماهيري لأبناء المديرية والمنطقة عموما بالشكل الذي أجبر إدارة أمن الشمايتين على إعادة النظر في موقفها التكميمي في الأساس ضد من نظموا عملية البحث وفضح الجريمة، والذي يعد بحد ذاته فضحا سافرا لدور وعبثية الأجهزة الأمنية والحكومية الدائرة في فلك المرتزقة.
في النهاية، ضحية تلك الجريمة المروعة التي هزت كيان المنطقة تم مواراته الثرى رسميا يوم الخميس الماضي، فيما بادرت إدارة أمن الشمايتين، وتحت وطأة الضغط الشعبي، بالإفراج عمن أسهم بماله وجهده ومثابرته (الشيول) في كشف تفاصيل ومرتكبي الجريمة وفضح عورات رجال الأمن الأشاوس، فيما ينتظر القتلة كما هو مقرر تقديمهم لعدالة المرتزقة العمياء، والتي ستتمخض ولا شك في أقرب الآجال عن تنظيم عملية هروب جماعي للقتلة، كما جرت العادة، حيث ستكون "مليشيا الحوثي" هي المسؤول الأول والأخير عن حدوث مآسٍ كتلك!!

أترك تعليقاً

التعليقات