محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
كما ترى يمكن لسماحتكم من خلال الإمعان بموضوعية فاحصة بفحوى تلك المحادثة الدائرة ليل الأحد الفائت بتاريخ 28 أبريل 2024م بيني وبين رئيس دائرة الاستخبارات العسكرية في الشمايتين والمقاطرة وقائد اللواء السابع مشاة الخاضع لهيمنة حزب الإصلاح الديني المتطرف والمسيطر على المنطقة؛ المرتزق العميد شعيب الأديمي، إدراك مدى المخاطر الأمنية المحيقة بي وبعائلتي والتي تعاظمت خلال سني الحرب الأهلية الراهنة بصورة كارثية يمكنني هنا إيجاز بعضها لك بصورة مختصرة.
لقد تعرضت منذ مغادرتي القسرية صنعاء في ديسمبر العام 2018م لثلاث محاولات قتل لم تكن ناجحة إجمالا.. كانت آخرها بعد منتصف ليل الأحد 14 أبريل الفائت، حينما كنت أقعد أمام منزلي الطيني والمستأجر بطبيعة الحال في ريف منطقة العزاعز حيث تم إطلاق النار علي باستدلال المهاجمين على ضوء الكشاف اليدوي الذي كنت أعلقه على رأسي وقد أصبت ببعض شظايا الطلقات النارية في رأسي وعنقي.
كما بلغ عدد الاعتقالات التعسفية المتوالية التي طالتني خلال هذه الفترة رقما قياسيا يمكنك الاستدلال على تفاصيلها من خلال البحث الجاد في مواقع الصحافة الإلكترونية والمقروءة على المستويين الوطني والعالمي.
وتعرض منزلي في مدينة التربة للدهم المتكرر والمصادرة النهائية.. مثلما تعرضت سيارتي للإحراق العمدي الجنائي أولا وللمصادرة ثانيا من قبل جهابذة الاستخبارات العسكرية والشرطة العسكرية معا، وتفككت عائلتي وتم إيقاف ومصادرة راتبي الحكومي من قبل السلطات السياسية والأمنية التابعة لحزب الإصلاح الإخوانجي (الإخوان المسلمين) في محافظة تعز، الأمر الذي أجبرني ومن تبقى من عائلتي إلى اللجوء للمناطق الريفية والأشد نائية في نطاق مديريتي الشمايتين والمقاطرة حيث نعيش نوعا من التنقل الدائم وعدم الاستقرار والاختباء المستمر هربا من بطش الأجهزة المليشياوية والعسكرية والأمنية التابعة لحزب الإصلاح المهيمن بصورة مطلقة على مفاصل الحياة اليومية لمجتمعات المديريتين بصورة لا فكاك منها.
وللعلم فإن هذا المناخ القمعي والتجويعي والإلغائي الذي يستهدفني وعائلتي آخذ في التشعب باضطراد جراء الانعدام الكلي لأبسط مظاهر وجود الدولة ولأي شكل من أشكال الحماية القانونية والدستورية المفترضة في ظل الشلل الكلي الذي ينتاب دور منظومة العدالة الجنائية السائدة بقوة على إيقاع فوضى الحرب الأهلية الراهنة.
لقد توفيت والدتي الحنونة والمسنة والعليلة في آن واحد في الساعات الأولى من صبيحة اليوم الأخير من العام 2023م ليل الحادي والثلاثين من ديسمبر، ولم أتمكن من تشييع جثمانها بوصفي نجلها الأكبر بسبب المخاطر والملاحقات الأمنية والاستخبارية التي تستهدفني من قبل جلاوزة الإخوان في المنطقة.
قبل وفاة والدتي بحوالي الشهرين وبالتحديد في الخامس من نوفمبر العام 2023م وفيما كنت أرقد أنا وهي في نفس المستشفى الذي نخضع فيه للعلاج معا (مستشفى خليفة بمدينة التربة) حيث أعاني من داء التليف الكبدي وبعض الأورام السرطانية التي أصبت بها ربما عن طريق (استنشاق رائحة قبيلي عفن)، بالإضافة إلى داء السكري، فوجئت بقوة غاشمة من الاستخبارات العسكرية قدموا على متن سيارتين عسكريتين ليتم اعتقالي حينها وزجي في السجن لمدة أربعين يوما تم خلالها حرماني من استخدام أدويتي أو تلقي أية مساعدات طبية أو قانونية أو غذائية تتوافق وحالتي الصحية المتردية، إلى أن تقرر الإفراج عني في الخامس عشر من ديسمبر استجابة للضغوط المنظماتية والصحفية، وحينما غادرت معتقلهم كان علي الاعتناء بوالدتي العليلة التي توفيت بعد أسبوعين فقط من إخلاء سبيلي، وهو الأمر الذي لم أستطع القيام به أيضا نظرا لمعاودة السلطات العسكرية والاستخباراتية والأمنية في المنطقة ملاحقتي بتهم شتى منها التخريب والتآمر لتشكيل "خلايا حوثية" نائمة والمساس بأمن الدولة، حيث ما أزال شريدا وملاحقا حتى اللحظة.
وللعلم فإن ظروف تشردي الحالي هي أسوأ بكثير من ظروف احتجازي حيث بات يتعين علي الموت ببطء على ما يبدو جراء افتقاري للقدرة الكلية في مناطق الشتات في حواصل الأرياف والقرى النائية على تلقي أي عون صحي وعلاجي.
ولعل المفارقة المؤلمة والمأساوية هنا تكمن يا سيدي القائد الأعلى في أنني وبقدر ما أنا مدان حتى النخاع من قبل المرتزقة هنا بتهم "الحوثية" و"التحوث".. كذلك أنا مدان وبذات القدر من قبل بعض المختلين والمتربعين على مراكز القرار في مناطق السيادة الوطنية بتهم "الارتزاق".
وبما أن مغادرتي لعاصمة السيادة (صنعاء) بصفتي عضوا سابقا في أعلى هيئة ثورية حاكمة لديهم (اللجنة الثورية العليا سابقا).. كانت نتيجة في الأساس لافتقارها الملحوظ لمفهوم السيادة في ما يتعلق بالقرار الثوري الذي تعرض للفيد والمصادرة من قبل متفيدي الثورة الذين ألغوا كل أسس الشراكة الوطنية الفعلية، ما مكنهم من تحويل العملية الثورية برمتها إلى بيئة نابذة وطاردة لأبنائها، فإن احتمالية عودتي لعاصمة السيادة هو بالتأكيد أمر محفوف بمخاطر الانتقام الحركي الذي لا مفر منه، ومن باب تصفية الحسابات من قبل "أثوار الثورة" على الأقل، خصوصا وأن الأمور الحاصلة والمعاشة حاليا في أغلب مدن ومناطق ومحافظات السيادة تشي بسطوة هؤلاء "المتحوثين" وهيمنتهم الطاغية على أغلب مفاصل الدولة والعملية الثورية في البلاد، وهذا ناجم بطبيعة الحال عن غياب أي دور رقابي ومحاسبي فعال يحد من توسع دائرة الفساد والتفيد والانحراف الثوري.
فمثلما كان دور الرقابة الثورية منعدما بصورة كلية في بداية المرحلة الثورية، فإن الوضع والرتابة ذاتها في الوقت الحالي تنطبق أيضا على دور أغلب لجان المظالم المشكلة بقرار تقدمي حكيم من سماحتكم، لدرجة أن لجنة المظالم في رئاسة الجمهورية عجزت ومنذ ما يقارب العام عن إنصافي كمواطن يمني على الأقل بغض النظر عن لوني وهويتي العرقية الدونية من قبل مؤسسة الشهداء بصنعاء الذين لايزال "جلاوزتها" مصرين على التعامل معي كـ"مرتزق" وليس كضحية، لدرجة أن سماحة القاضي علي أحمد المفضل، عضو لجنة المظالم برئاسة الجمهورية لم يفلح خلال هذا العام بمقابلة رئيس المؤسسة، لإفهامه على الأقل أنه لا يملك الحق في تصنيف من هو ثوري من عدمه أو الحق أيضا بتجريدنا من حقوقنا وفق منظوره الإلغائي الممقوت.
في النهاية، إن الأمر الذي لا جدال فيه يكمن في أن إيماننا كـ"مهمشين" بمستقبلنا الذي ارتبط بأيلول 2014م بات اليوم محط ارتيابنا الفعلي، فهل ينبغي لهذا أن يستمر في الحدوث وبهذا الشكل والنمط الكارثي وباسم الثورة ذاتها؟ والأهم هو هل ينبغي لمثل هكذا وضع أن يستمر ويستفحل في عهدك سيدي القائد الأعلى؟

أترك تعليقاً

التعليقات