محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
ما من شك في أن أغلبيتنا حظي ربما بفرصة مشاهدة السفينة البريطانية «روبيمار» في سواحل المخا، وسط عوامل جوية سيئة ورياح شديدة عاصفة لم تكن بأية حال أقل حدة وخطرا من الصواريخ المنطلقة من حواصل أيلول 2014، والتي دكت كذلك -إلى جانب «روبيمار» الغريقة- هيبة وغطرسة القوة الأنجلوأمريكية، اللتين غرقتا هما أيضا مع الراحلة «روبيمار».
ظلت «روبيمار» عليلة طيلة أسبوعين جراء دكها بصواريخ قواتنا المسلحة اليمنية التابعة لحركة «أنصار الله» في إطار الردّ على الهجمات الأمريكية البريطانية من جهة، ودعما من الناحية الأخرى والأكثر أهمية لكفاح شعبنا الفلسطيني في غزة والقدس ورام الله.
عقب هذا الغرق غير المأسوف عليه لـ»روبيمار»، بدأت ماكينة الدعاية الإمبريالية الغربية، وتلك الدائرة في فلكها أيضا من طابور الرجعية المحلية والعربية، بتضخيم هذا الحدث وتهويل آثاره وتداعياته ونتائجه الكارثية على البيئة والأمن الغذائي البحري وعلى الملاحة الدولية ككل؛ في محاولة مفضوحة لتحقيق أي نوع من الإدانة المتوقعة ضد حكومة صنعاء في سياق مساعي المعتدين أصلا لحرف بوصلة المعركة الدائرة في البحر الأحمر، والناشئة بطبيعة الحال ما بين عدوان استعماري غربي - أنجلوصهيوأمريكي سافر، وبين شعب فقير تمكن من ناحية أولى رغم عوزه وفقره وبؤسه وضراوة المظالم المحيقة به من الوفاء قدر الإمكان بالتزاماته القومية والدينية والأخلاقيةِ تجاه أشقاء له في غزة وفلسطين عموما عبر مساهمته الحربية المتواضعة الهادفة للضغط على دولة الكيان الصهيوني لوقف جرائم الإبادة الجماعية التي تستهدفهم هناك، إلى جانب رغبته من ناحية أخرى في تأكيد أحقيته المشروعة أيضا كشعب حر ومستقل لبسط نفوذه وسيادته القومية المشروعة على جغرافيته الوطنية ومياهه الإقليمية، الأمر الذي يدل دلالة عميقة على أن خيار المواجهة الذي تنتهجه واشنطن حاليا في عدوانها على اليمن لا بد أن يتسم من وجهة نظر ساستها بالتضخيم الذي يحاولون من خلاله التعويض عن هزائمهم وانكساراتهم المتعددة والمنكرة وتهاوي هيبتهم (كقطب دولي مهيمن) على صعيد العالم أجمع، باستثناء عملائها وتابعيها فقط.
غرق السفينة «روبيمار» تزامن بطبيعة الحال ومن ناحية أولى مع قصف أمريكي مكثف طال مناطق ومواقع عدة في محافظتي صعدة والحديدة وغيرهما، ومن الناحية الأخرى مع صليات صاروخية «حوثية» متوالية دكت دون هوادة سفينة شحن «إسرائيلية» كانت مختفية خلف العلم الليبيري الذي ترفعه بالإضافة إلى عدد من الحاويات والبوارج الحربية الأمريكية الرابضة في مياهنا الإقليمية، ما يعني أن المعركة ستكون شاقة ومضنية وطويلة المدى، رغم أنه لا يمكن المقارنة هنا بأية حال ما بين هجمات صنعاء الموصوفة وفق الإعلام الغربي والعربي الرجعي بالعشوائية وبين البربرية المطلقة التي تتسم بها الهجمات غير القانونية والعشوائية للتحالف الأنجلوأمريكي، عبر عدوانهم المستمر الذي يستهدف شعبنا وبلادنا من قبل ببوارجهم العسكرية وبالتعاون أيضا مع بريطانيا وحلفاء آخرين مثل أستراليا والبحرين وكندا وهولندا... ولم يسفر عنها في غالبيتها سوى قتل الأطفال والمدنيين وتدمير ما تبقى من بنى تحتية وتعقيد سبل العيش الإنساني الأمن لشعب بأكمله تتعرض حقوقه الطبيعية على مدى تسعة أعوام كاملة في الحياة والصحة والكرامة للتقويض والدمار اللامتناهي في مشهد يدل دلالة عميقة على فداحة الانحطاط والتفكك الذي بات يعتري رموز النظام الإمبريالي العالمي الأنجلوساكسوني.
في النهاية جميعنا يدرك أنه ومهما تنوعت الحجج والذرائع المسوقة لتبرير هذا العدوان الاستعماري المحموم على بلادنا، ومهما توسعت وتنوعت التحالفات العدوانية الهادفة إلى الحد من قدرة بلادنا على دعم وإسناد الكفاح التحرري لأشقائنا في فلسطين، فإن الأمر الذي لا جدال فيه هو أن المعركة ستستمر، مثلما سيستمر أيضا العدوان الأنجلوصهيوأمريكي طالما بقي هناك نَفَسٌ ثوري وعروبي ينبض في بلادنا.
لكن ما لا يدركه المعتدون هو أن هذا النفس الثوري النابض في أحشائنا كيمنيين يرتبط بشكل وثيق بمجمل القضايا التحررية الشائكة والمتعددة في محيطنا العربي والإسلامي، أكثر بكثير من ارتباط الأمريكان والإنجليز بمصالحهم التقليدية في المنطقة والعالم، الأمر الذي يعني أن المعركة لن تظل ولن تكون محصورة أيضا في نطاق البحر الأحمر، بقدر ما ستتعداه إلى نطاقات ديمغرافية أوسع وأشمل بالنظر إلى التداعيات المدمرة التي باتت تستهدف اليوم -على الإيقاع الغزاوي- وجودهم ومصالحهم الحيوية من قبل أقطاب المحور المقاوم الذي حشد ويحشد قواه باستمرار لدعم نضال الشعب الفلسطيني على امتداد وجوده الديمغرافي من فلسطين السليبة، إلى حزب الله بلبنان الذي لم يتوانَ ومنذ اللحظات الأولى للعدوان «الإسرائيلي» على غزة والغزاويين في ضرب ودك العدو في كافة مواقعه ومستوطناته وتجمعاته العسكرية والحيوية الممتدة على طول الحدود المشتركة مع فلسطين المحتلة.
كذلك إلى المقاومة الإسلامية في العراق، التي لم تتوانَ هي الأخرى في إسناد نضال غزة وعلى طريقتها الخاصة، بما فيها حتى المبادرة بتقديم حصتها أيضا من قوافل الشهداء. وقد اقترب إجمالي الهجمات التي نفذتها ضد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسورية، بالإضافة إلى الكيان الصهيوني ذاته، رقم المائتين عملية هجومية بمختلف أنواع الصواريخ والطائرات المسيّرة...
وصولا في البداية والأخير إلى بلادنا التي لا تحتاج في الواقع إلى تعريف، بالنظر إلى إنجازاتها اليومية المحققة، ليس فحسب فيما يخص إسناد كفاح شعبنا الفلسطيني، وإنما أيضا فيما يتعلق بكفاحها الضاري وتضحياتها الجبارة والسخية التي قدمتها على مدى الأعوام التسعة الماضية لكسر قيود التبعية وكسر شوكة الغطرسة الصهيوأمريكية التي لن تعود كما كانت بالتأكيد بعد أن تهاوت إلى الحضيض.

أترك تعليقاً

التعليقات