محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
في الشمايتين، إذا تجرأ أحد أبنائها هذه الأيام على التلفظ، ولو سهواً، بعبارة «حسبي الله ونعم الوكيل»، سرعان ما يتم رصده وضبطه وتصنيفه من قبل استخبارات المطاوعة العسكرية والمدنية باعتباره متعاطفا محتملا مع الحوثيين. الوضع ذاته ينطبق أيضا على كل من يجاهر بالدعاء والابتهال لربه نصرة مجاهدي غزة ومن والاهم، والذي غالبا ما يتم تصنيفه أمنيا كرافضي خبيث يختبئ خلف قناع التعاطف مع فلسطين على غرار ما يفعله الحوثيون الذين يختبئون كما يشاع خلف معاركهم الباسلة لنصرة غزة في البحر الأحمر!
وكذلك الحال أيضا بالنسبة لمن ترغمه الظروف على مغادرة المنطقة صوب العاصمة صنعاء، أو أيٍّ من مدن ومحافظات السيادة الوطنية، سواء لغرض العلاج أو للزيارات العائلية أو حتى للتبضع، والذي سرعان ما يتم تصنيفه أيضا من قبل أجهزة أمن واستخبارات المطاوعة بوصفه مخبرا محتملا لصالح جماعة الحوثيين، إذ لم يكن ضليعا بشكل فعلي ومباشر بتشكيل خلايا حوثية نائمة في المنطقة والتآمر على أمن دولتهم الهزلية.
إنها هستيريا الإرهاب الخونجي، التي عمت وتعم بشرورها جميع أبناء المنطقة دون تمييز، حيث لم يعد أحد بمأمن فعلي، لا فرق هنا ما بين ساسة ومثقفين وناشطين حقوقيين ومشائخ وشخصيات اجتماعية ورعية عاديين ومهمشين وحتى عابري سبيل أيضا... فالجميع أعداء، باستثناء جموع المطاوعة ومن والاهم، والذين باتوا على قناعة راسخة بأنه أصبح بمقدورهم اليوم وأكثر من أي وقت مضى، وعبر الاستخدام المفرط للقوة الكاسحة التي يمتلكونها، تقييد وسحق كل أشكال الحقوق والحريات المدنية والإنسانية بأقدامهم حالما يجدون ذلك ضروريا لتعزيز نمط الدكتاتورية الدينية خاصتهم، والتي كرسوها لفرض هيمنتهم المطلقة على مفاصل الحياة اليومية للمنطقة ومجتمعاتها المحلية بصفة أعم.
ولهذا السبب اكتظت في الآونة الأخيرة سجونهم العسكرية والأمنية، الرسمية منها وغير الرسمية، بما فيها السجون الخاصة على غرار تلك التابعة لبعبعهم المعتل نفسيا عبد العزيز ردمان الشيباني، بالعشرات، وربما المئات من المعتقلين من أبناء المديرية وأعيانها، عدا عن العشرات من المخفيين قسرا عن ذويهم وعن العالم الخارجي، داخل أقبية الثكنات العسكرية التابعة لبشمركتهم من قادة الألوية العسكرية، وتحديدا اللواءين الرابع والتاسع مشاة، الخاضعين مباشرة لقيادة الجبولي، بالإضافة إلى ما يسمى اللواء الخامس، الذي يقوده الخونجي المتعصب أمجد خالد، والمتناثرة في مجملها على امتداد مناطق الشمايتين، وصولا إلى مناطق معبق والزريقة التابعتين إداريا لمحافظة لحج، وذلك خلافا للمئات أيضا من المطلوبين أمنيا والذين فضلوا التواري عن الأنظار وقضاء أيامهم ولياليهم فارين ومشردين في الجبال والكهوف والأودية النائية في مختلف مناطق الأرياف.
الموجة الأخيرة من المعتقلين السياسيين في قبضة المليشيات الخونجية منذ أوائل مارس الحالي ضمت عددا من الشخصيات الاجتماعية والاعتبارية المهمة، على رأسهم الشيخ عبد الوارث القرشي وأمين أحمد ناجي... وآخرون كثر، وإن كانت المفارقة المسرحية هنا تكمن في أن الشيخ عبد الوارث القرشي الذي تصدر قائمة المعتقلين هذه المرة منذ الأول من مارس من قبل استخباراتهم العسكرية، تم توقيفه على خلفية تقرير أمني كان قد أعده ضده (بعبع محلي الشمايتين) عبد العزيز الشيباني، الذي يتقمص هنا دور المخبر الأمني، إلى جانب مهامه الشاذة الأخرى، يفيد بارتباطاته التآمرية المشبوهة مع جماعة الحوثيين وبقيامه أيضا (أي الشيخ عبدالوارث) في وقت سابق -بحسب مزاعم الشيباني- بزيارة سرية إلى محافظة صعدة التقى خلالها بالقائد الأعلى لثورة أيلول 2014، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، و... و... و... إلى آخر ذلك من خزعبلات توضح بجلاء نوايا عصابات حزب الإصلاح المبيتة والهادفة أساسا إلى تجريد المنطقة من كل عناصر ومقومات تأثيرها الجماهيري والشعبي عبر الاستهداف المدروس والممنهج لقواها الاجتماعية الحية ولشخصياتها الاعتبارية المؤثرة بالصورة التي بدؤوها في أغسطس الماضي في الأطراف الشرقية للشمايتين حينما استهدفوا رموز منطقة شرجب وما حولها، وصولا إلى الأطراف الغربية للمديرية، مناطق القريشة ومحيطها الديمغرافي، بغية تغييب كل مساحات العيش المشترك بين الناس بمختلف ألوانهم وأعراقهم، لترسيخ نظامهم الفقهي البونابرتي العقيم وفرض تصوراتهم المافياوية في إدارة الشؤون العامة للمنطقة بما يخدم تطلعاتهم الاستبدادية والاستحواذية، الحالية والمستقبلية، على حساب الجميع.
الأمر اللافت والمثير بشدة للاستغراب في هذا الصدد يكمن في تزامن حملات القمع والتنكيل تلك التي شنتها العصابات الخونجية بشكل مفرط ضد مختلف القوى الاجتماعية، مع جملة من الأحداث والتطورات الساخنة التي شهدتها المنطقة مؤخرا، ومدينة التربة ومحيطها على وجه الخصوص، وبما يوحي بوجود نوع من الصراعات الداخلية الخفية والمبطنة والتي برزت للعلن مؤخرا، والناشبة بين فصائل الإصلاح ومكوناته المليشياوية والعسكرية والحزبية المتمركزة ما بين قرى الشمايتين والمعافر من جهة، وقرى مديرية المقاطرة التابعة إدارياً لمحافظة لحج من جهة أخرى.
كل ذلك خصوصا بعد مبادرة المدعو أبوبكر الجبولي، قائد ما يسمى اللواء الرابع مشاة الخونجي وقائد محور طور الباحة، في فبراير الماضي، بنشر المئات من جنوده وعشرات الآليات والأطقم العسكرية التابعة له بزعم إقامة العديد من نقاط التفتيش على مداخل مدينة التربة والقرى المحيطة والمتاخمة لها، وأيضا على امتداد طريق تعز - التربة - الاسفلتي، مع الإشارة إلى أن أغلب النقاط العسكرية المستحدثة من قبل الجبولي تم نصبها بالقرب من نقاط قوات الأمن الخاصة التي يقودها العميد/ جميل عقلان، فيما يشبه تطويق هذه الأخيرة وعزلها عن محيطها ومراكز قيادتها.
والأمر الآخر هو أن هذا الانتشار الخونجي الأخير للمليشيات المسلحة الموالية لأبوبكر الجبولي تعزز عقب قيام هذا الأخير بإصدار عدد من التعيينات والتغييرات داخل التشكيلات العسكرية التابعة لما يسمى محور طور الباحة، حيث قام بتعيين شقيقه علوي الجبولي قائدا للقوات الخاصة بمحور طور الباحة، رغم أنه مطلوب قضائيا بموجب أوامر قبض قهرية صادرة بحقه من قبل نيابة طور الباحة، بالإضافة إلى قيامه في الوقت ذاته بتعيين المدعو شعيب الأديمي قائدا لما يُسمى «اللواء السابع مشاة جبلي»، وتعيين المدعو عبده سعيد الزريقي قائدا لما يُسمى «اللواء الثامن حماية طرق»، وهي التشكيلات العسكرية التي تم الكشف عنها مؤخرا رغم أنها لا تزال تشكيلات وألوية وهمية، أو قيد النشاط التعبوي، ومفرغة في الواقع من اي كادر عملي على الأرض، وذلك في خطوة تخللها قيام الأخيرين (الجبولي وشعيب الأديمي وعبده سعيد) بنشر مجاميع مليشياوية مسلحة تابعة لهم ودفعها للتمركز القتالي في قمة جبل بيحان المطل على مدينة التربة من جهة الغرب وذلك بالتزامن مع قيام مليشياتهم من ناحية أخرى بشن حملة مداهمات على بعض القرى الواقعة بمنطقة جبل صبران والربيصة ومناطق شرجب والقريشة بذريعة البحث عن عدد من المطلوبين الأمنيين للواء الرابع ذاته من بينهم المدعو مهيب المقطري ومحمد القيرعي وآخرون.
وعموما، يمكن القول إن المدعو أبوبكر الجبولي الذي كان يعمل أساسا وكغيره من جنرالات الخونج الحاليين، أمثال الراحل عبده نعمان، قبل اندلاع الحرب في مهنة التدريس، بالإضافة إلى العمل كمراسل على طريقة الهواة لصالح صحيفة «الصحوة» سيئة الصيت والناطقة باسم حزب الإصلاح، وهي الطريقة ذاتها التي بات على ضوئها هؤلاء (الهواة) يتحكمون بشكل راسخ بأمننا ووجودنا وسبل عيشنا وبماضينا وحاضرنا ومستقبلنا المعتم في ظلهم ووجودهم إلى أقصى مدى ممكن، على إيقاع الدفاع عن الشرعية الوطنية والدينية، تعز الحداثة الجمهورية كما يزعمون قاتلتهم المشيئة.

أترك تعليقاً

التعليقات