محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -

"يمكن عمل أي شيء بالحراب، عدا الجلوس عليها"
 (نابليون بونابرت)
وفق هذه الفرضية، لم يتوانَ خونح الرذيلة في تعز السليبة يوم الأحد الفائت 11 شباط/ فبراير 2024، وبكل صفاقة، عن الاحتفاء الاستعراضي بالذكرى الثالثة عشرة لما عرف بثورة فبراير الشبابية، التي اغتصبوها في مهدها، من خلال تنظيمهم لمهرجان ومسيرة جماهيرية استعراضية سبقها في الليلة الفائتة مهرجان إيقاد شعلة الثورة المزعومة في "شارع جمال" الذي تحول بفضلهم إلى ثكنات دائمة لمليشيا أمراء الحرب الخونجي، أمثال حمود سعيد وصادق سرحان... وغيرهم، فيما توالت الخطب المنددة بكلٍّ من "إسرائيل" و"الحوثيين" من قبل جلاوزة الإصلاح الذين أعربوا في كلماتهم الملقاة تلك عن وقوفهم الذي لا يتزحزح إلى جانب قضية الشعب الفلسطيني (ربما من خلال فوهات بنادقهم ومدافعهم الموجهة إلى صدور الشعب اليمني في الداخل، أو لربما على طريقة تنظم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الذي أشار في أحد إصداراته الحديثة إلى ما معناه: لا تنتظروا من فتح ولا من حماس نصرةً، فلا تلتفتوا إليهم، ولا تنظروا إليهم، فإن تصريحاتهم وشعاراتهم فارغة لا خير فيها، أي بمعنى أنهم هم (داعش) فقط من سيتكفلون بتحرير القدس دون غيرهم)!
الأمر اللافت هنا أن خونج تعز وكما جرت العادة استغلوا هذه المناسبة لتأكيد طابعهم الخياني الموغل في العمالة والارتزاق في حق شعبنا ووطننا اليمني. إلا أنهم وعلى غير العادة أيضا قاموا هذه المرة، وللمرة الأولى وبشكل ملفت ومثير للتساؤلات، برفع صور المرتزق الأول رشاد العليمي، والتي أرادوا من خلالها ربما توجيه عدد من الرسائل المهمة للداخل والخارج معا، من خلال تلك الاحتفائية اليتيمة التي منحوها (أي خونج تعز) طابعاً مبهماً من خلال تصدر ما يسمى "مجلس شباب الثورة" بتنظيمها، والذين حرصوا من خلالها ربما على إفهام أسيادهم في الرياض ودول تحالف العدوان التي منعت أساساً مجمل عملائها ومرتزقتها في الداخل الوطني من مغبة الاحتفاء بذكرى ثورة فبراير الموؤودة في مهدها، في جميع المناطق والمحافظات المحتلة، لتأتي احتفائية الخونج اليتيمة بتعز على شكل رسالة موجهة لجلاوزة التحالف ومفادها أنهم ما زالوا يمتلكون على الأرض تأثيرا سياسيا وجماهيريا لا ينبغي إغفاله بالنظر إلى المتغيرات العاصفة التي تكتنف علاقة أغلب دول التحالف حاليا وتحديدا الرياض، بعملائها من جماعة الإصلاح، رغم قدم ورسوخ هذه العلاقة التي تكونت قبل عقود زمنية طويلة بهدف مجابهة المد اليساري أولا بشقيه: القومي في الشمال، والماركسي في الجنوب، منذ سبعينيات القرن الماضي تحديدا، لتتركز حاليا هذه المصالح وبشكل أساسي على مجابهة المد "الحوثي"، رغم ما بات يعتري هذا التحالف السعودي - الخونجي من تصدعات عميقة نجمت عن مسألتين رئيسيتين: أولاهما: الإخفاق السعودي خلال الأعوام التسعة الفائتة في تحقيق أي منجز عسكري فعلي على الأرض طوال عدوانهم المضني على بلادنا، بعد أن وصلت الحرب العدوانية ذاتها إلى طريق مسدود من منظور الرياض التي اعتمدت وبشكل رئيسي في عدوانها ذاك على دعم وعمالة العصابات والمليشيات الخونجية في الداخل، خلافا للتوجه الإماراتي (كشريك رئيسي في تحالف العدوان) والذي انتهج منذ بداية عدوانهم على بلادنا سياسة الإقصاء المفتوح ضد شراكة وعمالة حزب الإصلاح معتمدين في هذا السياق (أي أبناء زايد) على مكونات مليشياوية بديلة ومنشأة لهذا الغرض، كمليشيا طارق عفاش وزنادقة انتقالي الزبيدي، والنخب القومية الجنوبية بمختلف تسمياتها... الخ.
ويتمحور العامل الآخر في عنف وحدة التحولات السياسية الداخلية الجارية حاليا في مملكة محمد بن سلمان والمهددة دون شك بتقويض هذه الشراكة الفريدة من نوعها وخلخلتها.
ومن الناحية الأخرى فقد حاول الإصلاحيون من خلال فعاليات الاحتفائية ذاتها إبراز رغبتهم العارمة بشكل جلي وواضح بتلطيف علاقتهم المهترئة أصلا مع رأس مجلس العمالة الرئاسي وبعض أطرافه ومكوناته، بالنظر إلى حرصهم هذه المرة على تزيين مسيراتهم الجماهيرية بصور المرتزق الأول رشاد العليمي، عبر محاولتهم إظهاره كرمز جامع لوحدة فصائل ومكونات المرتزقة في الداخل، وفي خطوة عكست وبشكل لا لبس فيه السعي اليائس والمستميت لمطاوعة الرذيلة (قيادات حزب الإصلاح) للتصدي لحجم الإشكالات والتحديات العنيفة والمتعددة التي يعاني منها حزبهم الرجعي الانبطاحي في ظل المتغيرات العاصفة والناشئة على امتداد المشهد الوطني وعلى حساب وجودهم التقليدي أصلا، إلى حد أنها باتت تشكل من الناحية الموضوعية تهديدا حقيقيا لاستدامة نفوذهم وتأثيرهم السياسي والجماهيري المستقبلي على الأرض، جراء الانحسار المتنامي أولا في حجم ومستوى حضورهم السياسي والجماهيري والحركي الآخذ في التآكل بصورة كارثية على المستوى الجماهيري والوطني، كنتيجة في المقام الأول لما أنتجته عمالتهم الموغلة في التطرف على صعيد الحياة والأمن والاستقرار المجتمعي، وكنتاج طبيعي من الناحية الأخرى لضراوة أساليبهم القمعية واللصوصية والإخضاعية التي كرسوها في حكم المجتمعات المحلية المكتوية بشرورهم.
هذا الأمر يتضح تماماً من خلال مناورة حزب الإصلاح تلك، والتي وإن كانت تتسم في ظاهرها بمساعيهم الرامية لإعادة صقل وتقديم جبهة موحدة ضد "الحوثيين" من خلال إعلان ولائهم لمجلس العمالة الرئاسي ولرئيسه تحديداً، العليمي، إلا أنها وفي باطنها تعكس رهانهم الانتهازي المبتذل، أي جلاوزة هذا الحزب المشؤوم، على استغلال حالة الضعف والانقسامات الحاصلة في بنية شريكهم اللدود، حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي تتنازعه الانقسامات والتبايانات ما بين تياراته ومكوناته الحركية المتضادة، على غرار تيار الشيخ سلطان البركاني الداعم من جهة أولى لمبدأ تكريس التلاحم المفتوح مع الخونج في سياق تعزيز جبهة المواجهة الداخلية مع "الحوثيين"، وذلك خلافا لنهج تيار طارق عفاش المضاد تماما لنهج البركاني، بسبب ارتهانه للتطلعات الإقصائية الإماراتية حيال الإصلاحيين، وبين تيار العليمي الأقرب هو الآخر من حيث استراتيجية تعامله مع الإخوان إلى الطابع النبذي الحذر والمبطن إن جاز التعبير.
في النهاية بمقدور خونج الرذيلة المناورة قدر ما يشاؤون، مثلما يمكنهم الإيغال كعادتهم في اللعب على حبل التناقضات السياسية والاجتماعية والمذهبية للعبث بأمن البلاد والمجتمع كيفما شاؤوا أيضا لمحاولة إعادة ترميم أحلامهم في الهيمنة، لكن لن يكون في مقدورهم العزف على وتر الكذب والتضليل الديني والاجتماعي بالطريقة التي اعتادوها قبلا، بعد أن تحولت معزوفته الانتهازية التقليدية تلك إلى الضد في نظر شعب بات يدرك تماما ماهيتهم ومعدنهم الرخيص.

أترك تعليقاً

التعليقات