الرحيل المبكي لمحمد الشراع
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
في لحظة وجيزة وصادمة ومفاجئة، رحل عن عالمنا محمد الشراع، بهدوء ووداعة مفرطة، كانت مرتسمة على محياه المنهكة والمشوبة بالكثير من الألم والكبرياء والمعاناة المنبثقة من حلم راوده ذات مرة في أن تجد الإنسانية المغدورة ملاذها الآمن وسط هذا الزيف والفجور والدمار اللامتناهي الذي يعتريها.
كان من المبادرين الأوائل لتأسيس حركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن منذ لحظات انطلاقتها الأولى في 19 تموز/ يوليو 2001، حينما ورد اسمه آنذاك على رأس قائمة لجنتها التحضيرية الأولى المكونة من 21 فهداً أسودَ من الطامحين بجلاء لاكتساب حقوقهم وحقوق أقرانهم «المهمشين» وحرياتهم المستلبة ومكانتهم العادلة في المجتمع.
لم يكن قد تخطى بعد عقده الرابع حينما باغتته المنية فجأة ظهر الأربعاء الفائت 22 آذار/ مارس الحالي؛ لكنه كان كبيراً بما يكفي لفهم ضحالة هذه الحياة التي نعيشها، وفهم كم هي هشة ومفزعة أحلام الحرية التي تراودنا كالكوابيس بين الحين والآخر وسط هذا المجون الاستبدادي المشوب بكل إفك وقذارة التاريخ.
لهذا السبب ربما تعجل الرفيق الحقوقي والمدني محمد الشراع بمغادرة عالمنا المخزي فيما كان لا يزال يعيش في كنف الحلم ذاته الذي راوده قبل أربعة وعشرين عاماً خلت، والذي لم يتضعضع في صميمه، رغم يقينه الذاتي بأن مصير من يتجرأ على الحلم مثلنا محسوم سلفاً، إما عبر النفي وإما بالموت على مشانق ومقاصل عصابات اليمين الديني والعشائري.
قال لي مازحاً ذات مرة: «إن الإنسانية في بلادنا أرخص عند البعض من ثمن تخزينة القات التي يمضغها قبل أن يرميها في الوحل مع انتهاء لحظات كيفه الآني...»!
هذا صحيح قطعاً إذا ما قورنت لحظات ضعفنا الحالي وفنائنا معشر «المهمشين» مع رسوخ أمجاد الفاتحين الثملين من أعداء الإنسانية، الذين اعتادوا نصب أعلامهم الملوثة على أشلائنا.
المجد والخلود لفقيدنا الغالي محمد علي محمد ثابت الهمل (الشراع)، والوعد له منا بمواصلة النضال الضاري لتحقيق أحلامه الثكلى في العدالة والحرية الموءودة، التي ربما سيجدها في انتظاره سوية وكاملة موسومة بختم المشيئة في رحاب العالم الذي انتقل إليه، والذي سننحو صوبه تباعاً للمّ الشمل معه في الآخرة.
وحتى يحين موعد لحاقنا به ما علينا سوى الصلاة والابتهال الدائم لروحه الطاهرة، والسعي لمحاولة الظفر بما حلم به في دنيانا.
* الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود - رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات