محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
تصور نفسك تعيش في مناخ مشوب بالقمع والخوف والرذيلة والإذلال المتنامي من العدم، إلى الحد الذي يجعلك فريسة للتساؤل الدائم: لقد اعتقلوا جاري للتو، متى سيحين دوري يا ترى؟! ماذا حدث للنازح الذي غادر للتسوق ليلا ولم يعد؟! وعامل النظافة الذي كان يكنس أوساخنا في الحي لم نعد نسمع أخباره منذ زمن حينما اختفى فجأة...؟! ماذا لو قرر أحد هؤلاء الوشاية بي كيداً لدى السلطات الخونجية لمحاولة كسب ودهم وتخليص نفسه؟! ماذا سيكون مصيري في تلك الحالة يا ترى؟! من سيبحث عني أو حتى سيتجرأ الدفاع عني وسط هذا المناخ القمعي المشوب بالريبة والازدراء اللامتناهي لكل ما لا يمت للإنسانية بصلة؟!...
تصور نفسك تعيش في إحدى حواضر «الحُجَرية» المكتوية حالياً بالمجون الخونجي، حيث القتل والقمع والسحل والاعتقالات باتت من السمات اليومية المعاشة في حياة مجتمعاتها المحلية، إلى حد لم يعد فيه بمقدورك ائتمان جارك أو قريبك أو حتى ابنك، بسبب الخوف الذي بات يشل مجتمعاتها المحلية جراء سطوة وتسلط الخونج وهمجيتهم التي فاقت كل تصور.
في كل المناطق والمديريات الواقعة تحت نير الطغيان الخونجي، كمديريات الشمايتين والمعافر والمواسط والمقاطرة وصالة والمظفر... وغيرها، بات الإصلاحيون على يقين تام بأن حظوظهم في اكتساب الرضا والولاء الاجتماعي لم تعد ممكنة كلياً، جراء النمط اللصوصي والمافيوي والإجرامي المشاع الذي ميز طرق إدارتهم «التقدمية جدا» لشؤون هذه المديريات، الأمر الذي وسم علاقاتهم (كنخب حاكمة ومهيمنة) بمجمل القوى الاجتماعية من حولهم بالتوتر وعدم الثقة المستفحل، وبالعداء المطلق من جانبهم (أي الخونج) لكل مناوئيهم الفعليين والوهميين والمحتملين أيضا في السياق المجتمعي، الأمر الذي دفعهم إلى توسيع نطاق القمع والتنكيل الوحشي ضد كل من يخالفهم الرأي إجمالا.
كل من يئن من الجوع هو مصاب في مطلق الأحوال بـ«المس الحوثي». وكل من يستفسر عن راتبه المنقطع أو المسلوب مثلا، هو محرض ضد نظامهم «التقدمي» وبإيعاز «حوثي» إن جاز التعبير. أما الذي يهب للدفاع عن عرضه أو أرضه في وجوه المتفيدين من أمراء حروب الإصلاح فهو في مطلق الأحوال «مخرب حوثي» بامتياز يستهدف تقويض حمتهم الداخلية والمساس بدعائم جمهوريتهم التقدمية.
لم يشيّدوا مدرسة أو مستوصفاً أو منشأة خدمية، ولم يعبدوا طريقاً متآكلا، ولم يكفلوا يتيماً من ضحاياهم الكثر، قياساً بهوسهم في بناء سجون ومعسكرات الموت التي باتت تشكل اليوم باكورة إنجازاتهم التقدمية في سياق معركتهم المقدسة للدفاع عن الدين والوطن والجمهورية أمام لوثة «المد الوثني الفارسي»!
هذا الأمر باتت المجتمعات المحلية تعيش على ضوء تراجيديته مُهانة ومسحوقة وبلا أبسط الحقوق، لا فرق هنا ما بين ساسة ومشائخ ومثقفين وقوى اعتبارية وأساتذة ومتنورين... الجميع مدرجون في خانة الريبة والاشتباه والعسف التسلطي والنخبوي للعصابات الخونجية التي أوغلت في غيها وشرورها مستفيدة من الغياب الكلي للتعددية السياسية والفكرية بمنظومتها شبه الميتة والمشلولة بعد أن ابتلعها خونج الرذيلة، محولاً إياها، أو أطرافها في تكتل «مشترك البغاء» – إن صح التعبير، إلى أيقونة تبرر من خلالها كل انتهاك لقيمة وكرامة الإنسان، بوصفها إجراء طبيعياً لاحتواء الخطر الحوثي والحد من تناميه.
بالإضافة إلى ذلك أيضا الغياب الكلي لنظام العدالة الجنائية، الذي بات هو الآخر دائراً في فلك التصوف الخونجي الممقوت.
كما أن الخونج لم يتعلموا من تجاربهم القريبة السابقة التي أدت إلى لفظهم من كثير من مجتمعات الحزام الجنوبي المسلوب في أبين ولحج وشبوة وغيرها، بسبب غيهم وفجورهم، مثلما لم يتعظوا حتى من تجارب الطغاة الذين سادوا وأبيدوا قبلاً، ففي طفرة القوة التي فاجؤوا بها العالم في أربعينيات القرن العشرين، تمكن النازيون من بسط نفوذهم على أغلب قارة أوروبا، بصورة كان يمكن أن تدوم حتى اللحظة لولا أن قوانينهم الوحشية والإجرامية (الشبيهة اليوم بتدابير الخونج)، والتي طبقوها بإفراط في كل المناطق والدول التي حكموها (القمع السياسي، الإرهاب العرقي والعنصري، التفوق الآري)، كانت على رأس الأسباب التي قوضت جبروتهم المنبعث وأدت إلى زوالهم خلال أقل من خمسة أعوام على انبعاثهم السلطوي الجبار، وبالطريقة ذاتها التي يطبقها خونج الرذيلة اليوم أينما حلوا، أو حكموا!
فمتى ستحل نهايتهم؟! وعلى يد من يا ترى؟! إذا ما وضعنا بعين الاعتبار حقيقة أن القوى الاجتماعية المحلية المكتوية بشرورهم باتت مرهقة ومتقوقعة على نفسها وخائرة القوى تماماً بشكل يمنعها من إبداء أية مقاومها لتقرير مصيرها ومستقبلها وتنقيته من لوثة الخونج التي ستحتاج إلى عقود شاقة وطويلة للتخلص من آثارها وتداعياتها على المدى الزمني الطويل.

أترك تعليقاً

التعليقات