محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا - 
تحليق كثيف ومستمر، مع غارات عدوانية متقطعة، للطيران الحربي السعودي، وقصف مدفعي وصاروخي متقطع هنا وهناك، يطال المدنيين، تنفذه وحداته البرية في محافظتي صعدة والحديدة، في هذه الآونة بالتحديد، ودون توقف منذ بدء سريان الهدنة الأممية في نيسان/ أبريل من العام الفائت.
لكن هذه الحالة لا يمكن أن تستمر طويلاً بالتأكيد؛ فنحن منتصرون على الدوام، وعلى طول الجبهة، وطول الوقت أيضا، رغم شحة وتواضع إمكانياتنا الحربية قياسا بما تمتلكه الرياض وحلفاؤها ومرتزقتها الكثر في الداخل الوطني. لكن ما الذي تبقى أمام الرياض لتفعله ولم تفعله حتى الآن منذ بدء عدوانها البربري على بلادنا؟!
فالرياض لم تكتفِ بشن عدوانها الفاشي ضد بلادنا فحسب، بالارتكاز على دعم أسيادها في إمبراطورية اليانكي وأعوانها في تحالف الرذيلة ومرتزقتها الكثر من قوى الرجعية المحلية في الداخل الوطني...
كما لم تكتفِ أيضا وفي سياق عدوانها الراهن بفرض حصارها التجويعي الجائر والشامل برا وبحرا وجوا بغية تركيع شعبنا الصامد والمثابر وإذلاله، مثلما لم تمل أيضا أو تسأم من بث سموم كراهيتها التقليدية الدفينة ومؤامراتها المستمرة ضد شعبنا وبلادنا، حيث دأبت وعلى امتداد تاريخها الوجودي المشؤوم على الأمتين العربية والإسلامية، على استغلال التشوهات الحاصلة في وعينا القومي لإيقاد عدوانها البربري وإذكائه بصورة مستمرة، سواء عبر حروبها العسكرية العلنية والمفتوحة والتي لم تتوقف منذ ثلاثينيات القرن العشرين ضد أمن وسيادة المملكة اليمنية المتوكلية، أو من خلال إيغالها في إيقاد جذوة الصراع والخلافات الداخلية متى وجدت ثم العمل عبرها على تحويل جزء من الشعب إلى أعوان لها ولأعوانها من أقطاب الرجعية المحلية، لخوض معاركها المدروسة بدقة ضد إخوانهم في الداخل... وهلم جرا.
في البدء كان الاعتقاد السائد لدى الكثيرين لحظة شن الحرب العدوانية على بلادنا ليلة السادس والعشرين من آذار/ مارس 2015، وبالاستناد إلى نتائج الضربات الأولى، وبتأثير من الهالة الإعلامية الضخمة والواسعة التي تمتلكها دول التحالف، أنها (أي الحرب) تمثل نصراً عسكريا غير مسبوق في تاريخ المملكة السعودية الفاشية التي اعتادت خوض حروبها بأدوات الغير، وليس بصورة مباشرة؛ لكن هذا الاعتقاد سرعان ما تبخر، ليتحول مع المدى وبفضل بسالة جيشنا ولجاننا الشعبية المقاومة إلى سراب، وإلى شعور قاسٍ ومرير بالنكسة والهزيمة.
فالاجتثاث الذي أمّلوا تحقيقه ضد حركة أنصار الله وثورة الواحد والعشرين من أيلول 2014 خلال الأيام أو الأسابيع القليلة الأولى من بدء شن عدوانهم لم يعد واردا البتة، مثلما لم يعد واردا أيضا بالنسبة لواضعي السياسات الاستراتيجية للرياض ضمان استمرارية تبعية صنعاء لبلاطهم في المدى المستقبلي المنظور، بعد تصلب عود صنعاء المقاوم واكتساب جيشها ولجانها المقاتلة الخبرة والقدرة القتالية الفعلية على لجم قوى تحالف العدوان وتحقيق توازن ردعي حقيقي معها بالشكل الذي بات يطال عمقهم الاستراتيجي المصون والمحرم سابقا.
هذا الأمر وضع الرياض تحديداً أمام إرهاصات جمة تتخطى بكثير حدود الإحساس القومي بمهانة الهزيمة، لتبلغ حد مجابهة الشكوك العميقة التي بدأت تنتاب المجتمعين السعودي والدولي، من خلال الأسئلة الحائرة والملحة التي بدأت تنهال على سلمان ونجله حول دوافعهم الحقيقية لشن الحرب الشاملة على اليمن، وحول جدواها وأهدافها ومآلاتها ونتائجها التي لم تعد محط ترحيب دوائر صنع القرار السياسي والعسكري السعودي.
وهذا حدا بسلمان ونجله إلى الإيغال في انتهاج نوع من السياسة التصعيدية المدروسة، من خلال الخروقات المتواترة هنا وهناك، دون السماح بإشعال فتيل المواجهة العسكرية الشاملة؛ وذلك بغية الإيحاء لشعوبهم ولمن حولهم بأنهم لا يزالون يمتلكون اليد الطولى في المعركة، رغم أنها باتت أقصر من أي وقت مضى.

أترك تعليقاً

التعليقات