«ربيع النصر»..تحرير للأرض وللحقيقة معا
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
"ارحبوا! ارحبوا! يا هلا بالسيد! يا هلا بالجيش واللجان الشعبية!...". صدح بهذه العبارات الترحيبية صوت مبتهج وأمام شاشات التلفزة من حنجرة أحد مواطني مديرية حريب التابعة لمحافظة مأرب، عقب عودتها مباشرة للحاضنة الوطنية بعد تحريرها من قبضة المرتزقة، فيما هتف مواطن آخر من أبناء مديرية العين المجاورة أثناء استقبال مواطني المنطقة ذاتها لمحرريهم إثر عودة مديريتهم هي الأخرى في الأسبوع الفائت للحاضنة تلك كانت بطبيعة الحال بعض مشاهد الفرح والابتهاج الاجتماعي في المناطق المحررة مؤخرا في كل من شبوة ومأرب، والتي بثتها قناة "الميادين" الإخبارية عصر الأحد قبل الفائت ضمن تقرير إخباري موسع عن العدوان ضد بلادنا، تضمن إيجازا إعلاميا مفصلا عن مجريات عملية "ربيع النصر" الهادفة لتحرير محافظة مأرب.
تقرير "الميادين" تضمن مشاهد حية وموثقة لمظاهر التحرير تلك التي حظيت بها العديد من المناطق والمديريات في محافظتي شبوة ومأرب خلال الأيام الفائتة، منها مديريتا العين وحريب بيحان، وعقبة ملعا، والتي كانت تشكل في أغلبها مواقع تمركز وتخندق متقدمة للتنظيمات التكفيرية مثل "القاعدة" و"داعش" اللذين يشكلان ومنذ بداية العدوان جزءا مهما من هرم التكوينات القتالية لما يسمى زورا "الجيش الوطني"، وبمباركة المجتمع الدولي الذي عادة ما يفقد قدرته في حالات معينة على التصنيف الموضوعي الدقيق لأدوات وبواعث الإرهاب الديني، خاصة حينما تكون طوابير "الدواعش" جاهزة لخوض معاركهم المهمة بالوكالة أينما كانت، كما هو الحال في كل من سورية، والعراق، واليمن.
وبالطبع، فإن مظاهر الفرح والابتهاج الاجتماعي تلك في المناطق والمديريات المحررة في كل من شبوة ومأرب بقدوم مقاتلي الجيش واللجان الشعبية لا تدحض فحسب، من وجهة نظري، حملات التهويل والتضليل السياسي والدعائي المسعور الذي تشنه وسائل إعلام العدو ومرتزقته حول البطش والحصار والاستهداف "الحوثي" الممنهج للمدنيين، حسب زعمهم، بقدر ما تعري في الوقت ذاته، بل وتقوض أيضاً كل الأسس والذرائع الأخلاقية التي يستند إليها جلاوزة العدوان بوصفهم محررين لشعبنا وبلادنا وليسوا غزاة، وذلك خلافا للمنطق الجماهيري الوطني الذي يقول عكس ذلك تماما، كما يتضح من خلال تلك الصرخات الشعبية الموجهة ورغم بساطتها عبر شاشات التلفزة الفضائية لمخاطبة العالم أجمع في محاولة لإفهامه حقيقة الوجه التآمري والإلغائي البشع واللاإنساني للعدوان.
وبالعودة إلى ما تضمنه تقرير قناة "الميادين" الإخباري، وبغض النظر عن تلك المشاهد المروعة التي عكست مدى الفوضى والبؤس والدمار الذي خلفه مقاتلو العدو في حياة الناس والمجتمعات المحلية، بالإضافة إلى مرأى عشرات الدبابات والآليات العسكرية المتناثرة على الطرقات بعد أن أقدم المرتزقة على إحراقها بصورة مستعجلة ومتعمدة قبل فرارهم، عدا أيضاً عن حجم الغنائم التي استولى عليها مقاتلو الجيش واللجان الشعبية المحررون من آليات وأسلحة وذخائر وعربات مدرعة... إلخ، إلا أن أهم ما تضمنته تلك المشاهد المرئية من وجهة نظري، تمثل في ذلك الكم الهائل من المؤن الغذائية والإغاثية -إن جاز التعبيرـ التي عثر عليها في معسكرات المرتزقة، مثل معسكر القوات الخاصة في مركز مديرية العين، وأغلبها تحمل شعارات منظمات إغاثية مفترضة ذات طابع مدني إنساني بحت، مثل مركز (ملك الرذيلة) سلمان بن عبدالعزيز ومنظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة، وغيرها من منظمات أممية يفترض تواجدها أصلا وبحكم نشاطها الإنساني المعلن في مخيمات النازحين والجوعى والمشردين وليس في ثكنات قتالية وحربية تابعة للمرتزقة.
وهو الأمر الذي يطرح جملة من الأسئلة الحائرة والملحة حول طبيعة الدور والنشاط الأممي الإنساني المفترض في بلادنا وأبعاده وخفاياه، خصوصا إذا ما قورن بموقف المجتمع الدولي الأخير من معركة مأرب بشكل خاص، والذي بلغ حد اعتبار سعي "الحوثيين" الحثيث لإعادة مأرب إلى الحاضنة الوطنية بأنه يشكل استهدافا سافرا للمجتمع الدولي ككل، وكأن مأرب هي الحاضنة لمقار الأمم المتحدة بعد نيويورك، بدلا من سويسرا، وليست وكرا للإرهاب الديني و"الدواعش" ورموز العدوان والرذيلة السياسية.
وبما أنه في هذه الحالة ليس مطلوبا من "مركز الملك سلمان الإغاثي" تبرير وجوده ونشاطه المكثف ذاك في ثكنات ومعسكرات مرتزقته الكثر، لأن مساءلة كتلك لا تحتاج في الواقع إلى تأويل، نظرا إلى أنه ليس من الصعب علينا، وربّما على الكَثيرين مِثلنا، فهم الكيفية والمقاييس الأخلاقية لنشاط مثل هذا المركز، وأيضاً نشاط ربيبه الإماراتي "مركز زايد" واللذين يخلوان بطبيعة الحال من أي مضمون إنساني، قياسا بتلك الهالة الدعائية والتسويقية الهائلة والمضللة التي تروج لنشاطهم الإغاثي والإنساني المزعوم من قبل إعلام العدو ومرتزقته، كون هذه المراكز وجدت فقط كأدوات تلطيف منمقة لتحسين الوجه الدموي والإجرامي البشع لدولتي العدوان الرئيستين (السعودية والإمارات)، اللتين أسهمتا وبشكل كبير ومن خلال نزعتهما الإجرامية في جعل 80% من سكان اليمن على حافة المجاعة الحقيقية.
إلا أن السؤال ينبغي أن يوجه في هذه الحالة لتلك المنظمات الأممية على غرار اليونيسف مثلا، كونها تابعة في الأساس لمنظمة الأمم المتحدة على الصعيد الرسمي، لتوضح لنا على الأقل أسباب نشاطها الإغاثي في ثكنات مقاتلي المرتزقة، بعيدا عن مخيمات المدنيين والنازحين الذين ملؤوا الدنيا ضجيجا في التباكي عليهم وعلى أوضاعهم ومصائرهم، عبر محاولة تصويرهم، أي النازحين، وعبر أبواقهم الدعائية الدولية وبشكل مركز تحديدا خلال الأسابيع الفائتة، أي في خضم معركة مأرب، بوصفهم ضحايا الحصار والهجمات والبربرية "الحوثية"، على حد وصفهم.
الأمر الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك حقيقة أن أغلب الجهود المدنية والإنسانية المبذولة في بلادنا، سواء من قبل جلاوزة التحالف أو من قبل المجتمع الدولي ككل، تصب أساسا في خدمة المشروع الحربي والإخضاعي الذي يستهدف شعبنا اليمني، وإن اختلفت أشكال وأدوات وتسميات هذا العدوان، وليست الأمم المتحدة بهيئاتها ومنظماتها المختلفة استثناء في هذا الشأن.


 الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات