محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
عقب النزهة التي قام بها المتخم الإماراتي هزاع المنصوري، في أيلول/ سبتمبر 2020، إلى محطة مير الفضائية ضمن البعثة الفضائية الأوروبية المختلطة (سيوز إم إس 15)، بدأت وسائل الدعاية الإماراتية المختلفة تروج وتتحدث بشكل مسرحي عن مشروع إماراتي ضخم وطموح يهدف إلى استكشاف كوكب المريخ خلال الأعوام الخمسة القادمة، كما أشارت آنذاك قناة "ناشيونال جيوجرافيك أبوظبي"، تمهيداً ربما لاستيطانه لصالح البشرية؛ هكذا دفعة واحدة ودون تروٍّ أو تكتم حتى تجنباً لإثارة غيرة وحفيظة الدول المتخلفة عن الإمارات في هذا المجال، مثل أمريكا وكندا وأوروبا وروسيا والصين وغيرها... إلخ!!
تصوروا معي، ماذا لو كان هذا المهرج الإماراتي (هزاع المنصوري) على سبيل المثال عالماً في الفيزياء النووية أو متبحراً في علوم استكشاف الفضاء أو حتى مدرساً لمادة التاريخ الطبيعي، أعتقد أن طموح الإماراتيين في هذه الحالة كان سيتخطى حدود استكشاف المريخ ليبلغ ربما أطراف المجموعة الشمسية، أي كوكب بلوتو البعيد والمنزوي في أعماق الكون!
الضربة الثانية، والتي يمكن أن تقوض سلام واستقرار البشرية جمعاء، جاءت الأسبوع الماضي من الرياض في سياق التقرير الإخباري الذي بثته قناة "سي إن إن" الأمريكية نقلاً عن مصادر استخباراتية، كما أوردت، والذي كشفت فيه عن قيام الرياض وبمساعدة الصينيين ببناء مصنع لإنتاج المسيرات والصواريخ الباليستية في منطقة "الوطح" الواقعة إلى الغرب من العاصمة السعودية، استناداً إلى صور الأقمار الصناعية الملتقطة للموقع السعودي والتي خضعت لتحليل الخبراء الذين أكدوا صحة الاستنتاج المشار إليه.
والطامة الكبرى هنا تكمن في أن عدداً من محللي السياسة الأمريكية استنتجوا -بطريقة مثيرة للضحك والسخرية معاً- أن هذا البرنامج الصاروخي السعودي -إن وجد فعلاً- قد يسهم بشكل فاعل في تقويض مساعي واشنطن لكبح جماح إيران النووي والصاروخي، وكأنه يتمثل الخطورة ذاتها التي تشكلها القوى العسكرية ذات القدرات العابرة للقارات.
وعموماً، فإن تلك الخطوة السعودية، وإن كانت قد حدثت على ما يبدو بعيداً عن أعين أسيادهم وحماتهم التاريخيين (الأمريكان)، إلا أنها تظل من وجهة نظري خطوة متأخرة، بل ومتأخرة جداً، خصوصاً مع ذلك التآكل المتنامي الذي يعاني منه حالياً النظام الملكي السعودي في مناعته السياسية والاقتصادية والأخلاقية والدينية وحتى الوجودية أيضا، لكنها وفي الوقت عينه تشكل انعكاساً فعلياً لحالة القلق والارتباك السعودي ـ الخليجي عموماً حيال شكوكهم باستمرار الالتزام الأمريكي أو القدرة الأمريكية -إن جاز التعبير- في تأمين الحماية لدويلاتهم وأنظمتهم المشيخية المتهالكة، وما إذا كان في مقدورهم التعويل على هذه الحماية مستقبلاً بالطريقة ذاتها التي عول عليها، على سبيل المثال لا الحصر، نظام الرئيس الأفغاني المخلوع أشرف غني.
فمن المعروف تاريخياً أنه ومنذ الاجتماع في شباط/ فبراير 1945، الذي ضم الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت والملك عبدالعزيز بن سعود على متن البارجة الحربية الأمريكية "كوينسي" في قناة السويس، ظلت مملكة بني سعود متكلة كلياً على الحماية الأمريكية المطلقة في إطار الاتفاق المبرم آنذاك بين الجانبين (النفط السعودي مقابل الحماية الأمريكية)، والذي تضمن أيضاً بنداً أساسياً يكفل الحماية الأمريكية المطلقة لأمن وبقاء الأسرة المالكة ضد مختلف التهديدات المحتملة داخلياً وخارجياً، إلى حد اعتماد المملكة كلياً على الأمريكان حتى فيما يتعلق بتشغيل وإدارة أغلب قطعها العسكرية والفنية، فيما ظل السعوديون منشغلين بتنمية كروشهم وأرصدتهم البنكية وإتخام شعبهم لإشغاله بالمزايا الاستهلاكية والبذخية، بمعزل عن الهموم والمتطلبات الوطنية الحقيقية واللازمة لصون أمنهم وسيادتهم وكرامتهم الوطنية، التي ظلت ولاتزال رهينة أمزجة وابتزاز أسيادهم ومريديهم الأمريكان والصهاينة والغرب على وجه العموم.
لكن ما لا يدركه الكثيرون في هذا الصدد هو أن زمن اتفاقية "كوينسي"، وإن كان قد انتهي عملياً في العام 2005، إلا أن العمل وفق بنودها لم يعد سارياً بمضمونه التاريخي نفسه، بالنظر إلى حجم المتغيرات الراهنة على مسرحي الأحداث الدولي والإقليمي، والتي دفعت بالرياض في سياق مساعيها الواهية لإثبات حضورها الدولي والإقليمي إلى الاستعانة حتى بأرذل أشكال المرتزقة على شاكلة "بلاك ووتر"، نظراً لافتقارها التقني واللوجستي لأبسط ممكنات الدفاع في وجه العواصف والمتغيرات التي لا ترحم في غالب الأحيان.
في النهاية، حتى وإن بدأت السعودية فعلاً بإنتاج نسختها الخاصة من المسيرات والباليستيات فإنها ستكون متخلفة في هذا المجال حتى عن "الحوثيين" الموصوفين ضمن أدبياتها السياسية والدعائية بـ"المليشيا" وليسوا بالقوة الثورية الوطنية المهيمنة، والذين يدكون حصونها وقواعدها العسكرية المتمركزة في عمق أراضيها تباعاً بمسيراتهم وصواريخهم الباليستية المصنعة محلياً بأيادٍ وعقول يمنية خالصة مقيدة بأسيجة الفقر والعوز والفاقة والحصار والتجني الدولي.
مع أنه كان في مقدور السعودية لو أنها حظيت خلال تاريخها بنظام حكم وطني حقيقي أن تصبح وفي مراحل مبكرة من نشأتها (خلال قرن مضى من الطفرة والعبث النفطي) في مصاف الدول الأولى عالمياً في مجال تصنيع وتسويق المنتجات العسكرية والحربية وغيرها، عوضاً عن اعتمادها الحالي على مرتزقة من السودان ومصر و"بلاك ووتر" وغيرهم لخوض حروبها ومغامراتها العسكرية المتعددة هنا وهناك.
أي أنه كان يتعين عليها في هذه الحالة أن تتعظ (خلال تاريخها المشؤوم على الأمتين العربية والإسلامية) من المستوى التقني والعسكري والإنتاجي الهائل الذي بلغته دول تفتقر للموارد المالية والنفطية ذاتها التي تمتلكها الرياض، مثل تركيا وباكستان، وأبرزها جمهورية إيران الإسلامية بالطبع التي نجحت وخلال مرحلة وجيزة فقط من تاريخ ثورتها العاصف بالحصار والحروب الاستهدافية والمؤامرات (42 عاماً) أن تبلغ مصاف الدول العظمى من حيث قدرتها الإنتاجية على الصعيد الوطني الذاتي.


 الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات