الهمجية لا غير..هي من تحكم الشمايتين
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
«كل ما هو أسود مقدس.. ولا نامت أعين الجبناء».
في نقطة عسكرية تابعة للأمن المركزي بمنطقة المركز (شماية) تقع على المدخل الشرقي لمنطقة بني شيبة، نصب طاغية المديرية عبدالعزيز ردمان الشيباني بعض مواليه المبندقين هناك والمدعومين بأفراد النقطة أيضا بغرض توسيع نطاق النهب القسري المشاعي، عبر فرض الجبايات المالية وغير القانونية أصلا على سائقي الشاحنات الكبيرة والمتوسطة، بما فيها (الدينات) العاملة تحديدا في مجال نقل مواد البناء مثل (النيس والكري والتراب والأحجار) والقادمة من المحاجر المتعددة المنتشرة في مناطق بني شيبة والبطنة والزعازع وما جاورها، وذلك بواقع عشرين ألف ريال للشاحنات الكبيرة ونصف هذا المبلغ على سيارات النقل المتوسطة (المعروفة بالدينات تحديدا) وتدفع نقدا وبشكل فوري وقسري تحت مسمى حق المدير العام، وبدون سندات قبض رسمية أيضاً مقابل السماح لها بالمرور واستئناف سيرها.
وهذا بديهي، إذا ما علمنا أن ثمن تخزينة القات المخصصة لهذا المدير العام المعتوه -ولوحده طبعاً ومن دون حاشيته- تكلف ما بين مائة وخمسين إلى مائتي ألف ريال بشكل يومي ثابت، خصوصا وأن مثل هذا النهب اللصوصي المنظم لأموال وعرق الناس والذي بلغ حد مقاسمتهم الفعلية والقسرية لقوت أطفالهم وعوائد دخلهم اليومية لا تقتصر فحسب على هذا القطاع بقدر ما تشمل كل فئات الأعمال المجتمعية من أصحاب المحال التجارية والمؤسسات المصرفية والمطاعم ومفارش الخضار والباعة الجائلين.. بالصورة التي سبق أن أوضحناها لقرائنا الكرام في مقالات سابقة لي وتحديدا في العدد 1300 الصادر في 6 كانون الثاني/ يناير 2024، والعدد 1307 بتاريخ 17 كانون الثاني/ يناير 2024.
علاوة على متاجرتهم المفتوحة أيضا بحياة وأرواح الشباب ممن دفعوا بهم إلى أتون معاركهم الحربية الخاسرة أو أولئك الذين جندوهم لحروب الرياض العدوانية ضد بلادنا، والتي تحولت كظاهرة استغلالية إلى واحد من أبرز مصادر الإثراء الشخصي والفاحش للعديد من أمراء حروب عصابات حزب الإصلاح وجلاوزته.
وهنا يكمن المعيار الأساس للهمجية الخونجية المزدوجة، والتي لا تنحصر فحسب في شيوع ذلك المناخ المافياوي المتأصل كجزء من مشروعهم الحداثي والمدني المزعوم، بما فيه المتاجرة بحيوات الشباب وبأرواحهم ومستقبلهم، وإنما أيضا بالنمط القمعي والتصفوي والإخضاعي المشاع المصاحب لهذا المناخ اللصوصي السائد والذي بات يطال ويستهدف دون استثناء وبصورة غير مسبوقة مجمل قطاعات المجتمع المنهكة وخائرة القوى، حيث لا عصمة هنا ولا حصانة سوى لأصحاب اللحى المسربلة ومواليهم لا غير.
فالشيخ عبدالوارث القرشي، وهو بالمناسبة من أصحاب الوجاهات الاجتماعية المهمة في الشمايتين، تعرض ولايزال يتعرض منذ اعتقاله في فبراير الماضي للاعتداءت المتلاحقة من قبل سجانيه أفراد شرطة مديرية الشمايتين واستخباراتها العسكرية، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية في السجن بصورة مخيفة وكارثية.
والتهمة الموجهة له هي العمالة بالطبع.. والعمالة لـ"جماعة الحوثيين" كما هو معروف، رغم أن كل ما قام به الشيخ الأسير عبدالوارث القرشي هو ستر عوراتهم وتغطية أخطائهم الجسيمة المرتكبة في حق مجتمع المديرية حينما استفاد من وجاهته الاعتبارية المعترف بها طولا وعرضا لحث حكومة صنعاء ولأسباب ودوافع إنسانية بحتة على المبادرة، ومن طرف واحد طبعاً، بالإفراج عن مجموعة من الأسرى الذين تمت المتاجرة بهم كعبيد ومن ثم التضحية بهم من قبل جلاوزة الإصلاح بعد أن تم الزج بهم في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ومن ثم التخلي عنهم بعد أن وقعوا في أسر "قوات صنعاء" في وادي آل جبارة من قبل سلطات التحالف وعملائها في حكومة هادي -العليمي، إلى حد رفضهم إدراج أسمائهم حتى ضمن كشوفات تبادل الأسرى خلال جولات التفاوض الماضية.
وهي الجهود التي تكللت بشكل إيجابي تمثل في إعتاق خمسة عشر أسيرا مغررا به من شباب المنطقة والمديرية الذين عادوا لأهاليهم وعوائلهم المكلومة والتي كانت فاقدة للأمل فعلا بإمكانية عودتهم أو نجاتهم حتى، جراء مظاهر الجحود والنكران التي قوبلوا بها من قبل مستغليهم الخونج قاتلتهم المشيئة.
في اتصال هاتفي أجراه معي نائب مدير أمن الشمايتين يوم الخميس 24 مايو الفائت ينصحني فيه بضرورة تسليم نفسي للسلطات الأمنية والاستخباراتية في الشمايتين، لأن الاستمرار في تمردي (والمقصود هنا هروبي واختبائي) يزيد وضعي تعقيدا.
وحينما سألته في سياق الاتصال عن مغزى تلك الإجراءات المهينة والمعيبة المستخدمة من قبلهم مع شخص بحجم الشيخ عبدالوارث القرشي.. أجابني على الفور أن إجراءاتهم تلك تهدف في الواقع إلى الحد من المخاطر التي يمثلها الشيخ وباقي المعتقلين على أمن الدولة.. وحينها سألته عن أي دولة يتحدث وعن نوعية المخاطر التي يشكلها هؤلاء المعتقلون.. فكان الرد التخابر مع العدو، والمقصود هنا "الحوثيون" طبعاً.
وهنا.. أجبته بسخرية أنه وبحسب ما أذكر أنهم كانوا يلقنوننا منذ الصفوف الابتدائية الأولى في المدارس أن العدو التاريخي للأمة والذي ينبغي لنا مجابهته وتحاشي التعامل معه هم بنو صهيون، فما الذي عكس الآية يا ترى ليتقمص "الحوثيون" هذه المرة شخصية العدو القومي للأمة عوضا عن بني صهيون الذين باتوا "يشاركوننا الود والإخاء والانتماء للعروبة، وربما غدا الفراش مع نسائنا".
في النهاية، كان في مقدور جهابذة الخونج وعمداء أجهزتهم الأمنية والسياسية والاستخباراتية، لو كان توافر لديهم حقا أدنى حس بالشرف وبالمسؤولية الوطنية والأخلاقية تجاه رعاياهم وضحاياهم على السواء، الاستفادة من وجاهة الشيخ عبدالوارث القرشي وأمثاله لفتح أي قنوات تواصل محتملة مع "الحوثيين"، ولو بشقها الإنساني على الأقل، وأن يدركوا أن ما قام به ضحيتهم الشيخ عبدالوارث القرشي من فعل نبيل ربما يصب بشكل أو بآخر في مصلحتهم هم.. إن أجادوا استغلاله لإعادة ترتيب أوراقهم السياسة مع الداخل الاجتماعي تحديدا في المناطق المكتوية بشرورهم لمحاولة تحاشي ولو جزئيا مظاهر النبذ والرفض والطلاق الشعبي العارمة والمتنامية ضدهم.. بدلا من تجريم الشيخ عبدالوارث وجرجرته بتلك الصورة المهينة والمذلة واللاعقلانية والتي أوصلت على ما يبدو، وهذا مؤكد، حالة الطلاق الشعبي والاجتماعي مع الإخوان إلى مرحلة الطلاق الخُلعي الذي لا عودة فيه، كما يقال في الشرع.

أترك تعليقاً

التعليقات