المناخ التكفـيري الناشــئ في محيط «المهمشين»..إلى أين؟!
- محمد القيرعي الثلاثاء , 7 أكـتـوبـر , 2025 الساعة 4:31:55 PM
- 0 تعليقات
محمد القيرعي / لا ميديا -
غالبية من يطالعون مقالاتي ينعتونني بـ"الحوثية" و"التحوث" وبالردة الثورية... مع أنني لست "حوثياً" البتة؛ كون التاريخ لم يشر بأي شكل إلى وجود هاشمي ذي بشرة سوداء أو داكنة على شاكلتي أنا؛ لكن ما يربطني بـ"الحوثيين" -وهو ما لا يفقهه هؤلاء-هو الموقف أو المبدأ الثوري المشترك بشقيه: الأول: مناهضتنا البديهية والمشتركة للعدوان الخارجي والداخلي على شعبنا وبلادنا؛ فيما يكمن الموقف الثاني -والذي يميز نهج الجانب الأعم من القوى والحركات الشيعية على امتداد المشهدين العربي والإسلامي- في المناوئة الصلبة والراسخة لكل أشكال الهيمنة الإمبريالية الصهيوأمريكية - غربية ولأذيال الرجعية الخليجية والعربية عموماً.
هذا يعني أن روابطي -كشيوعي- بـ"الحوثيين" والشيعة إجمالاً، بغض النظر عن بغضي لمجمل الأفكار الدينية واللاهوتية المعممة، سواء كانت شيعية أو سنية أو صوفية أو علوية... هو الموقف التحرري العصي على التطويع، والذي لو توافر حتى مع الشيطان ذاته لتحالفتُ معه دون أية تحفظات (تصوروا في هذه الحالة "خادم" وشيطاناً في خندق كفاحي مشترك) طالما كان يخدم تطلعاتي الطبقية في الانعتاق والتحرر المدني والوطني والإنساني.
عموماً، وبما أنني لا آبه البتة لزعيق الناعقين والمتنمرين من ذوي البشرة البيضاء والملونة، على شاكلة الزميل (ف. ق)، المفقود من خارطة التبصر السوي، وأسياده من جموع الطوارق والمطاوعة؛ إلا أن ما يسوؤني ويحزنني حقاً هو نشوء صنف جديد من هؤلاء الناعقين (الممسوسين بجان الحجوري التكفيري) وسط شبابنا وشاباتنا "المهمشين" و"المهمشات"، ممن وقعوا ضحية إغواء الخونج وسط حمى الاستقطاب التكفيري المحموم والمستعر جراء حالة الضياع والتفسخ الفكري والثقافي والقيمي المستشري على امتداد الجغرافية الوطنية.
لدرجة أن أحد هؤلاء الشباب "المهمشين" نعتني في منشور فيسبوكي بـ"الزنديق الحوثي المرتد"، وهو خطاب متطرف لا يحمل في طياته ظلالاً مستقبلية كئيبة على واقع ومستقبل فئاتنا المقصية والمعذبة فحسب، بقدر ما يعكس في الوقت ذاته المدى المقلق الذي يمكن أن ينجرّ إليه من عميت بصائرهم من شبابنا ممن يمكن توصيفهم بـ"طابور الجهاديين الجدد" المناوئين حالياً -وإلى حد الخيانة السافرة- لقضايا طبقتهم المصيرية ولعرقيتهم الطبقية الداكنة والأكثر قداسة من كل سجاجيد الزنداني ومسابحه المطرزة بجلود المتعبين والخائفين و"المهمشين".
وبما أنني على ثقة بأن شروط العبادة والتدين اللاهوتي، أياً كان، لا تنطبق بالضرورة على فئاتنا المهشة، أو "أخدام اليمن"، تطبيقاً لقوله تعالى: "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"؛ كون المقصودين هنا والمطالبين بالعبادة حسب التوصيف السماوي هم طبقات السادة والقبائل، الذين بادر الرب إلى إطعامهم بسخاء، مجنباً إياهم الخوف والضياع، من دوننا معشر "الأخدام" الذين خلقنا وتركنا لمصيرنا، فلا هو أطعمنا ولا هو كسانا أو آمن خوفنا!
إلا أن الأمر الأكثر إثارة للقلق والاشمئزاز فيما يخص تنامي هذه الظاهرة التكفيرية الهدامة في محيطنا الطبقي معشر "المهمشين" يبقى من منظوري الشخصي ماثلاً في تعاظم خطرهم الوجودي المحتمل مستقبلاً على مصير ومستقبل طبقتهم المهمشة والمنبوذة، وعلى تطلعاتها العرقية المشروعة لنيل حقوقها المدنية والإنسانية واكتساب هويتها ومكانتها العادلة والمفترضة في المجتمع.
ذلك بالنظر إلى الدور السلبي الهدام والمحتمل بالتأكيد المراد لشلل التكفيريين الجدد من شبان وشابات "الأخدام" القيام به لخدمة الأجندة السياسية والحركية للخونج، الذين يسعون من خلال فاقدي البصيرة السود هؤلاء إلى ترسيخ نوع من التآخي الديني الظاهري والضال بطبيعته، والمكرس لنفي فكرة وجود التمييز العرقي والعنصري؛ كون المساواة -وفق هذا المنظور الاستغلالي- تتجسد هنا بأسمى صورها ومعانيها في محراب المسجد، وذلك بغية تقديم صورة مغلوطة أخرى ومشوهة مفادها أن الإنسانية الواحدة والمشتركة هي سمة خونجية بامتياز، وذلك عبر تقديم أصحابنا "الجهاديين الجدد" كشاهدي زور لا أكثر، لتلميع الصورة الخونجية المزرية والمشوهة بكل إفك وعفونة التاريخ.
واستناداً إلى هذا الواقع، ومن سابق تجربتي مع كارتلات الجريمة الدينية (المطاوعة) أتحدى أياً من شبابنا أن يتجرأ ولو من باب التجربة على أن يؤمّ معشر الخونج والقبائل في الصلاة، فإذا قبلوا إمامته عليهم فسأبادر بالمغادرة الطوعية حتى إلى مدغشقر، كمنفى اختياري، سيجنبني مغبة الصراع من أجل قضية خاسرة؛ كون العدالة باتت موجودة ومحققة بفضل تلك العصابات الملتحية والمبندقة (حزب الإصلاح).
في الأخير: لا يسعني هنا سوى تذكير شبابنا الواقعين تحت طائلة الإغواء الخونجي (والجهاديين الجدد تحديداً) بقضية الخادمة المسنة "فاطمة بقحم" التي توفيت في العام 2002 في منطقة الجند - الشمايتين، وهي المنطقة التي تمتاز بسحنتها الخونجية التاريخية الخالصة، والتي أثرت موضوعها في حينه بصحيفتي "الثوري" و"المستقلة"، حينما رفض جموع المصلين من قبائل المنطقة -وغالبيتهم من الخونج كما أسلفنا- المشاركة في دفنها أو تشييعها أو حتى السماح لنا بدفنها في مقبرة قريتهم؛ بزعم أن المتوفاة ممسوسة بالزار والشعوذة، الأمر الذي دفعنا آنذاك إلى الاعتماد على ذواتنا للقيام بالدفن، والذي أنجزناه على طريقة قابيل حينما دفن أخاه هابيل، أي بإخفاء الجثة لا أكثر، جراء جهلنا بعلوم الدين وعدم معرفة أيٍّ منا (أهاليها المهمشين) بطقوس وشعائر الدفن الدينية؛ كنتاج حتمي لمشروع التجهيل القسري التاريخي والممنهج الذي مورس بإصرار وضراوة ضد فئاتنا المنبوذة والمقصاة جيلاً بعد جيل في سياق موروث العزل النبذي والعنصري الموروث الذي يحمل في طياته بذور الفاحشة الخونجية، باعتبارهم الطرف الفكري والاجتماعي الأكثر بغضاً وتطرفاً وعنصرية ضدنا؛ والمقصود هنا "تحالف اليمين الديني والعشائري".
هل تذكرون أيضاً موقف كبير المبشرين الدينيين في حزب الإصلاح ومفتيهم الرئيسي، المدعو محمد الحزمي، الذي يشغل موقع رئيس هيئة الإفتاء في مجلس شورى حزب الإصلاح (أعلى هيئة قيادية في الحزب)، والذي صرح به عقب اجتماع جمعني والأخ نعمان الحذيفي وعدداً من قيادات اتحادنا، تقريباً في أغسطس 2009، بمسؤولي السفارة الأمريكية بصنعاء؛ إذ طرأ موقف الحزمي آنذاك تعقيباً على تصريح صحفي مشترك أدليت به أنا مع دبلوماسيي السفارة الأمريكية آنذاك، والذي أشرت فيه صراحة إلى ضرورة المبادرة السياسية من قبل المجتمع الدولي لمساعدة اليمن في سعيه للحد من تنامي خطر الإسلام السياسي بقواه المبندقة والمتعددة والتي تشكل من وجهة نظري خطراً آنياً ومستقبلياً ماحقاً على مستقبل العملية المدنية والديمقراطية في البلاد... ليجيء رد هذا الحزمي الهجين، وعلى صفحته الرسمية في "فيسبوك"، وبشكل عنصري وتهكمي بما معناه: "حتى الأخدام، أرذل وأنجس خلق الله، يتطاولون على العلم والعلماء"، كرد فوري ومباشر على تصريحاتي تلك.
فهل تتوقعون من أمثال هذا الحزمي المدفوع بقناعته اللاهوتية الراسخة بأننا معشر "الأخدام" أحد مصادر الرجس والنجاسة البشرية -مع أن الرب لم يقلها صراحة ضدنا كما فعل الحزمي- القبول بأن يؤمه أحدكم في الصلاة، حتى وإن تسربلت لِحاكم إلى تخوم خواصركم؟! لأنه مخلوق على هيئة الرب، فيما نحن معشر "الأخدام" من منظوره مجرد "وساخة" حسب "رغبة الرب" المنقولة على لسان هذا الحزمي!
ألا يكفيهم أن أرواحنا وحرياتنا وكرامتنا وآدميتنا المسحوقة وغير المعترف بها ظلت مسلوبة منا قسراً وبالمجان منذ ما يربو على 14 قرناً كاملة على أيدي الحزمي وأمثاله، الذين يسعون الآن لسلبها منا ومنكم مجدداً، تحت اليافطة الجهادية هذه المرة، عن طريقة إيهامكم باستعدادهم البديهي لمقاسمتكم طوعاً طريق الجنة التي لا يمكن ولوجها إلا بموجب صك تزكية مباشر من الحزمي أو الزنداني أو الحجوري... إلخ؟!
ألم تدركوا بعد أن أمثال هؤلاء المبشرين الهادرين بصرخات الفتوحات ليسوا أكثر من مجرد قتلة ومعتوهين ابتليت البشرية بهم، بحيث لم يسلم من شرورهم لا الإنسانية ولا الرب ذاته ولا أنبياؤه، الذين قدموهم ويقدمونهم للعامة والعالم أجمع بأسوأ الصور العقيمة والمشوهة من خلال مشاريعهم وفتاواهم ومبادراتهم الدموية والإرهابية، لدرجة باتت معها صور الموت والإرهاب والوحشية العالقة في أذهان قاطني أغلب أصقاع العالم أجمع مقرونة دوماً بالإسلام وبعصاباته الوحشية والملتحية؟!
أولم تدركوا أو تلاحظوا أيضاً أنه وعلى امتداد التاريخ الوجودي المشؤوم لجموع المطاوعة هؤلاء لم يبادر أيٌّ منهم أو من أسلافهم وأسلاف أسلافهم باعتلاء منبره الدعوي في المسجد أو في المدرسة أو في حلقات غسيل الأدمغة التكفيرية بتاعهم، للتنديد علناً ولو على استحياء بمساوئ المعضلة العنصرية المكرسة ضد فئاتنا المقهورة والمحتقرة منذ ما قبل انبلاج عصر إسلامهم الحضاري؟!
وذلك قياساً بمجونهم التبشيري في تعداد محاسن ومحظورات "الجماع الشرعي" الذي لا يزال يشكل وعلى مدى الخمسة عشرة قرناً الفائتة من عمر الإسلام لب اجتهاداتهم الفقهية، إلى جانب تعميم وإنتاج قوالب الإرهاب الديني الجاهزة والمبتدعة، بمعزل عن كل ثقافات وحضارات العالم المتمدن من حولنا، والتي بلغت آفاقاً كونية لامتناهية من التطور والتحضر البشري المنفلت من عقال فتاوى "الجماع الشرعي" بتاع مطاوعتنا المهووسين بالجنس والجريمة، التطور الذي كان بإمكان أمتنا وبلادنا مواكبته منذ أمد بعيد لولا أن ابتلتنا المشيئة بعصابات اللحى المسربلة التي بات مجرد وجودها يشكل بحد ذاته أبرز حجرات العثرة الماثلة أمام سير عجلة التاريخ والتطور الحضري والمدني والإنساني في بلادنا.
كما أن من المهم قطعاً في هذا الشأن -بالنسبة لنا كـ"مهمشين"- إدراك حقيقة أنه لا يجوز لنا البتة مشاركة تلك العصابات الخونجية ديناً ومعتقداً لاهوتياً واحداً، حتى لا نُحشر يوم البعث والحساب ضمن زمر الضالين من أعوان الشيطان وعبدته؛ فنصبح بهذه الحالة محكومين بالشقاء الأزلي في دنيانا وآخرتنا.
كما أن من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أنه وفي أغلب شعوب ومجتمعات العالم التي سادت فيها القيم والمناخات العنصرية في حقب زمنية معينة ومختلفة، من أمريكا الشمالية والجنوبية واللاتينية والوسطى، إلى وسط وشمال وشرق أوروبا، وحتى في الهند ذات الوثنية الغالبة، كانت قوى اليمين الديني العصبوي هي المحفز الأساس لإنتاج القيم والتصورات العنصرية وتوارث أدواتها الموغلة في التطرف والوحشية، بحيث تعيَّن على الأمم التي نجحت في تخطي إرثها الاسترقاقي المخجل المبادرة أولاً بتحرير ثقافاتها الوطنية ومجتمعاتها المحلية من سطوة القوى الدينية ذاتها، ومن عبثية أفكارها وتصوراتها اللاهوتية المريضة والمتعفنة، كشرط أساسي للخلاص من ديمومة الاستبداد، وخلق شروط العدالة والمساواة الإنسانية التي تحققت بشق الأنفس؛ ولكن عبر التحرر من قيود القوى الدينية الشوفينية أولاً.
ثم مَن غير الإصلاحيين كانوا سبب شقاء هذه البلاد وبلاويها المختومة على الدوام بالشمع الخونجي، والتي فتكت بالبشر والشجر والحجر، وشرذمت البلاد التي يتقاتل أهلها اليوم وبفضل الخونج ذاتهم على أساس سلالي وقبلي ومناطقي وأسري وعشائري، بدرجة لن يكون بالإمكان تخطي آثارها ونتائجها الكارثية المحيقة بأمن الوطن ولحمته الداخلية على المدى الزمني الطويل.
فهل تتوقعون حقاً أن تحظوا بالإخاء والتآخي مع زمر اللاهوت الماضيوية تلك في بلادنا، وفي زمن باتت الرذيلة والكراهية فيه معممة فقط عبر لحاهم المسربلة والمصبوغة بالدم والفسوق والجريمة؟!
ألا تدركون أن الشيطان ذاته سيظهر يوم القيامة على هيئة ملتحٍ خونجي؟! فلا تسمحوا لهم بإعماء بصائركم أكثر مما فعلوا بأجيالنا على مدى أربعة عشر قرناً ونيف، خرجنا منها معشر "الأخدام" و"المهمشين" خاليي الوفاض، بوصفنا الطبقة الأكثر فقراً وفاقة وعزلة وتخلفاً وأمية سياسية ومعرفية وتعثراً في الحياة وفي الممات، بسبب فسوق ومجون المطاوعة الاستبدادي وأعوانهم من تحالف اليمين الديني والعشائري... فلا تتبعوهم!
المصدر محمد القيرعي
زيارة جميع مقالات: محمد القيرعي