الثورة في ثامنتها الظافرة رسائل ردع وسلام
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
قبل سبع سنوات ونصف بالتمام والكمال، وفيما كان طيران العدوان الصهيو-أمريكي-سعودي-إماراتي يدك -دون هوادة وعلى حين غرة- مدننا وأحياءنا وتجمعاتنا السكنية ومدارسنا ومستشفياتنا ومنشآتنا الحيوية، كان المتحدث العسكري باسم تحالف الرذيلة، "الأفندم" أحمد عسيري، يزف بشراه لأسياده ومرتزقته ولمن حوله في أول مؤتمراته الصحفية بتمكن طيرانهم الحربي وجبروتهم العسكري من تدمير ما نسبته 95% من القدرات العسكرية والصاروخية لـ"الحوثيين"، وأن المسألة لن تتطلب سوى أيام قلائل ليتمكنوا من إلحاق كامل الدمار بـ"الحوثيين"؛ ككيان وفكر وحركة، وكأداة ثورية، بحيث لن تقوم لهم قائمة بعد ذلك، وبما يؤمِّن -بطبيعة الحال- عودة اليمن سالمة مغنومة ومؤزرة إلى بيت الطاعة (الخليجي الصهيو أمريكي).
اليوم، وبعد سبع سنوات ونصف أيضاً على أوهام الأفندم عسيري وأسياده تلك، هاهم "الحوثيون" يطلون عليهم وعلى العالم أجمع، ومن خلال عرضهم العسكري الأخير في الذكرى الثامنة لثورة 21 أيلول/ سبتمبر، ليس فحسب بكامل قوتهم وعتادهم وعنفوانهم العسكري، وإنما معززين أيضاً بترسانة حربية هائلة وحديثة ومتنوعة من الطائرات والصواريخ البالستية والمجنحة محلية الصنع، والتي لم يكن وجودها أو حتى اقتناؤها أمراً وارداً أو محتملاً حتى في أحلامنا قبل مرحلة العدوان المشؤوم ذاته، ما يعني عملياً أن حالة الدمار والاجتثاث التي أسهب الأفندم عسيري في الحديث عنها بادئ الأمر، لم تلحق أي أذى فعلي بقدراتنا الدفاعية والعسكرية، بقدر ما انحصر أذاه (أي العدوان) وخرابه في الجوانب التي تحرمها بشكل قطعي قوانين وأخلاقيات الحروب الدولية، القديمة منها والحديثة على السواء، أي في الجوانب المتصلة بأمن شعبنا واقتصاده واستقراره ووحدته ومقومات عيشه الأساسية وسبل حياته اليومية والإنسانية، عدا عن ضرر تحالف العدوان الفادح أيضاً في هذا المنحى، والذي طال -دون منازع- "شرعية" مرتزقتهم المزعومة، والذين باتوا في نظر الشعب اليمني أشبه بقطيع من الضباع الضالة والقمامة التي تتقاتل فيما بينها على كومة من الجيف، إن جاز التعبير.
وعموماً، أستطيع القول إن العرض العسكري والشبابي الذي نظمته صنعاء، الأربعاء الفائت، في ثامنة ثورة أيلول/ سبتمر، وبمشاركة مختلف القوى والتشكيلات العسكرية، وبحضور أغلب قادة الدولة، والذي يعد الأضخم على الإطلاق على مستوى المنطقة ككل، يعكس بجلاء حقيقة أن العدوان كانت له ثماره الملموسة أيضاً، من خلال بربريته وغطرسته التي أسهمت بدرجة رئيسية ليس فحسب في تمتين أواصر التلاحم القائمة ما بين شعبنا اليمني وأداته الثورية (حركة أنصار الله) وتحفيزهم على الاستبسال في معركة الدفاع عن الأرض والعرض والكرامة والاستقلال الوطني، بقدر ما أسهمت وبشكل رئيسي (بربرية العدوان وغطرسته) في تحفيز العقلية اليمنية المقاومة على الكفاف لابتداع العديد من سبل وأدوات الردع والحياة والمقاومة، من دافور الطبخ البدائي والبسيط المخصص لتلبية احتياجات الطبخ المنزلي في ظل الحصار الخانق والمفروض على كل أشكال الحياة العصرية، إلى الصواريخ البالستية ذات الأمداء المتعددة؛ من القصير إلى المتوسط إلى البعيد المدى، مثل منظومة صواريخ "قدس 3" القادرة على بلوغ عمق العدو الصهيوني، إلى الطائرات المسيرة بنوعياتها الجديدة والمحدثة، وجميعها صنعي محلي بامتياز، ليس أقلها تلك المعروضة في ثامنة ثورة أيلول/ سبمتبر الظافرة.
وبالتأكيد، ما خفي أعظم؛ كون أغلب تلك الأسلحة المعروضة لم تدخل الخدمة الفعلية حتى الآن، مثل صواريخ "عاصف1" محلية الصنع، والمخصصة كما هو معلوم لدك الزوارق البحرية، والمتميزة في الوقت ذاته بسرعتها العالية وقدرتها الفائقة على المناورة والإصابة الدقيقة لأهدافها، والتي لم يتسنَّ حتى الآن -بالتأكيد للسعوديين والإماراتيين ومرتزقتهم- تذوق سعيرها، بالإضافة إلى الزوارق البحرية "عاصف 3" التي تم الكشف عنها، والتي تعتبر من أسرع الزوارق البحرية، بالإضافة إلى قدرتها الفائقة على المناورة بأسلحتها المتوسطة وأنظمة الدفاع الجوي التي تمتلكها، والتي يمكن تحويلها بسهولة إلى نوع من "الكاميكازي الوطني"**، لاستهداف بوارج الأعداء وموانئهم وقواعدهم البحرية وأساطيلهم الدخيلة، ليس فحسب تلك المتواجدة في مياهنا الإقليمية، وإنما حتى تلك المتمركزة في عمق مياههم الإقليمية، وتلك سابقة فريدة وملهمة من نوعها بالتأكيد لم يكن في مقدور جلاوزة العدوان -بالطبع- تصورها أو توقع مقدرتنا كشعب وكقيادة ثورية على استنهاض عناصر الردع والنجاة والمقاومة من تحت أنقاض الدمار والقتل والخراب اللامتناهي الذي خلفوه في مدننا وفي حياتنا دون استثناء.
فجلاوزة التحالف، الذين ظنوا في البداية أنهم -ومن خلال إيغالهم في قهرنا وقتلنا وحصارنا وتشريدنا- يستطيعون التهامنا دون عناء، تبين لهم استحالة تحقيق ما يصبون إليه، إلى حد أن سلسلة الانتصارات المتوالية المحققة تباعاً ضد جحافلهم ومرتزقتهم على أيدي الجيش واللجان الشعبيّة، لم تسهم فحسب في إجبارهم كتحالف فاشي عدواني على إعادة النظر في ما بدؤوه من عدوان متغطرس ضد المدنيين الأبرياء، ولا في تغيير مجرى حساباتهم الحربية أمام المعادلة الردعية المتوسعة باطراد، التي حققتها صنعاء باقتدار في مقارعتها الباسلة للعدوان براً وبحراً وجواً، بقدر ما أدت إلى الدفع بجلاوزتهم، وخصوصاً الرياض وأبوظبي، إلى البحث بيأس عن مخرج آمن وسريع من هذا المستنقع الذي ولجوه مدفوعين بكبريائهم في إمكانية إخضاع شعب حر ومقاوم تمتد جذوره الحضارية إلى بدء ولادة التاريخ الإنساني.
والمخرج الآمن يكاد يكون مفتوحاً ومتوافراً أمامهم إذا أحسنوا استغلال فرص ودعوات السلام المعروضة عليهم بإباء المنتصرين من خلال دعوات السلام المتكررة في خطب القائد الأعلى للثورة، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، والمعززة مؤخراً وأثناء العرض العسكري بخطاب السيد مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى، أثناء العرض العسكري، والذي أكد فيه حرص صنعاء وحكومتها الثورية على السلام والانفتاح بإيجابية على كافة جهود ومساعي السلام الخيرة، ما يعني أن رغبة صنعاء في السلام تنبع في الواقع من موقع وثقة المقتدر عبر الجلوس على طاولة مفاوضات ندية ومشتركة ومعترف بها أممياً مع من شنوا عدوانهم على بلادنا، وليس من موقع الخاضع لإرادة العدو بالصيغة التي حاول ويحاول جلاوزة العدوان وأسيادهم في "إمبراطورية اليانكي" تكريسها مؤخراً بوسائل شتى ومتعددة، لعل آخرها تلك المتمثلة في جلب الفتى أحمد علي صالح إلى الرياض، في مؤشر واضح إلى نواياهم باستحداث واقع سياسي جديد يرتكز عليه المرتزقة بعد فشل كل السيناريوهات السابقة، والتي كان آخرها "مجلس رشاد العليمي"، وما سمى "مؤتمر مشاورات" مرتزقتهم في الرياض الذي انتكس في مهده.
وحتى يحين موعد السلام الحقيقي والمتكافئ فإن مفاجآت الصمود والاستبسال اليمني ستتوالى تباعاً مسببة ذهول العدو قبل الصديق.


هـامـش:
** الكاميكازي، شكل من أشكال العمليات الانتحارية التي طبقتها اليابان بشكل محموم وموسع في الحرب العالمية الثانية ضمن عملياتها الدفاعية ضد قوات الحلفاء (الأنجلو- أمريكية) في المحيط الهادي، والتي بدأت أولاً بهجمات غير منسقة لطياري البحرية الإمبراطورية قبل أن تتوسع بعدئذ لتأخذ أبعاداً وأشكالاً منظمة ومتنوعة شملت من ضمنها مئات وربما آلاف الهجمات الانتحارية بغواصات صغيرة استعملت كطوربيدات لتدمير بوارج العدو.

أترك تعليقاً

التعليقات