محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
شهدت الساحة الخليجية، يوم الأحد الفائت 30 كانون الثاني/ يناير حدثين رئيسيين: أولهما: وصول الرئيس «الإسرائيلي» (يتسحاق هرتسوغ آل النهيان) إلى أبوظبي بطائرته الرسمية التي عبرت بأريحية أخوية مطلقة أجواء الديار المقدسة في السعودية في طريقها صوب وجهتها الرئيسية الإمارات، وذلك بالتزامن مع انعقاد الاجتماع الوزاري لوزراء الخارجية العرب الذي احتضنته العاصمة الكويتية في اليوم والوقت ذاته والمكرس بطبيعة الحال لمناقشة المخاطر والتحديات الناشئة على صعيد الأمن القومي الخليجي والعربي، والمتمثلة في شقها الأول بما يمكن وصفه بأحدث صيحات الموضة في المصطلحات السياسية المنبثقة عن العقلية الخليجية والمسماة «العدوان اللفظي» المتهم فيه الشعب اللبناني ونظامه السياسي على السواء على خلفية التصريح القرداحي الشهير حول عبثية الحرب العدوانية في اليمن.
ويكمن شقها الآخر في تنامي مخاطر «الإرهاب الحوثي» الذي يطال «دون مبرر» عمق الدولتين المسالمتين (السعودية والإمارات)، في هذا الوقت. وفيما كان يتسحاق هرتسوغ يُستقبل بكل مظاهر الحفاوة والترحاب الممزوج بالكرم العروبي المعهود من قبل أشقائه وأبناء عمومته في أبوظبي، كان أطفال فلسطين (براعم اليوم ومجاهدي الغد) ينظمون اعتصاما في غزة دعما لآبائهم الأسرى وهم يهتفون بشعارات: «هبة هبة مدنية.. وثورة ثورة حتى النصر»، بعد أن لمسوا في تقرير ومواقف ومؤازرة منظمة العفو الدولية الأخيرة (الإمنستي مدريتس ووتش) لقضيتهم ما يغنيهم عن أي تضامن عربي هم في غنى حقيقي عنه، ما يعني أن اعتصامهم العفوي ذاك لم يكن هدفه التنغيص على زيارة الرئيس «الإسرائيلي» للإمارات والتي شكلت من ناحية أولى تتويجا لعدد الربع مليون يهودي «إسرائيلي» الذين سبقوه للإمارات منذ توقيع اتفاقية «إبراهام» التطبيعية، بحسب الإعلان الرسمي، وهو رقم مهول بالتأكيد، نظراً لاشتهار الصهاينة بالبخل الشديد الذي عادة ما يدفعهم إلى حصر جولاتهم السياحية والترفيهية في الدول التي تمتاز عادة برخص منتجاتها ومتطلباتها السياحية وبضعف القدرة الشرائية لعملتها الوطنية، على غرار جمهورية قبرص المطلة على المتوسط والتي تعد من أبرز الوجهات السياحية التقليدية لـ»الإسرائيليين».
هذا الأمر يوضح بجلاء عمق الروابط الأخوية التي تجمع «الشقيقين» العبريين «الإسرائيلي» والإماراتي، والذي يمكن استشرافه بجلاء من خلال الإمعان بأهداف وبواعث هذه الزيارة التي كان الخطر المزدوج «الحوثي ـ الإيراني» هو هاجسها الرئيس والمهيمن بطبيعة الحال على جدول اجتماعات هرتسوغ بمضيفيه، بحسب تصريحات ولي عهد أبوظبي الذي أشار في تصريح له إلى أن تنديد «إسرائيل» وإدانتها للهجمات «الحوثية» على الأراضي الإماراتية تعكس الرؤية المشتركة للجانبين الإماراتي و«الإسرائيلي» حول مصادر التهديد البائنة والمحتملة.
إذن، ما المغزى من تزامن زيارة هرتسوغ لأبوظبي بالتوازي مع انعقاد الاجتماع الوزاري لوزراء الخارجية العرب في الكويت التي فقدت حيادها بشكل ملموس عقب تولي الشيخ نواف الأحمد مقاليد الحكم فيها، خصوصاً مع تجاهل الاجتماع الوزاري العديد من القضايا العربية الشائكة والمعقدة مثل القضية الفلسطينية وعودة «داعش» القوية وعلى أكثر من صعيد، بالإضافة إلى ترحيل ملف إمكانية عودة سورية لشغل مقعدها الطبيعي في الجامعة العربية، والتركيز فقط على الملفين اللبناني و«الحوثي»؟! هذا يوضح بجلاء أيضاً طبيعة الرسائل الموجهة للبنانيين و«الحوثيين» والإيرانيين أيضاً من وراء الاجتماع الوزاري العربي وزيارة الرئيس «الإسرائيلي» لأبو ظبي.
فبالنسبة للبنان كانت الرسالة الخليجية والعربية الدائرة في الفلك الخليجي غاية في الوضوح، وهي أن على الشعب اللبناني إذا رغب في استعادة حضوره العربي وامتيازاته الاقتصادية والمعيشية، وخصوصاً في النطاق الخليجي، التخلي بصفة رئيسية عن حزب الله والتصدي لمشاريعه التحررية ونبذه على الصعيد الداخلي، أو المجازفة بتحمل المزيد من المشاق والمصاعب التي ستتعدى ولا شك بكثير حدودها الاقتصادية والمعيشية لتطال أمنهم القومي والاجتماعي بالصورة التي جسدتها تماماً تداعيات الهجمات «الداعشية» المنسقة التي شهدتها الساحة اللبنانية يوم الأحد الفائت بالتزامن مع انعقاد الاجتماع الوزاري لوزراء الخارجية العرب، في إشارة واضحة إلى أن الورقة «الداعشية» لا تزال صالحة وسارية المفعول من قبل مهرجي الخليج للعبث بأمن لبنان واللبنانيين من خلالها إذا لم يذعنوا لسياسة الأمر الواقع.
أما الرسائل الموجهة لكل من إيران و«الحوثيين» من زيارة الرئيس «الإسرائيلي» للإمارات فيمكن فهمها على النحو الآتي:
بالنسبة لإيران أرادت «إسرائيل» إيصال رسالة مفادها أن «إسرائيل» باتت اليوم تشكل، بكل ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري، جزءاً لا يتجزأ من منظومة الأمن الخليجي والإقليمي في المنطقة، وأن على إيران أن تدرك أن أي سيناريوهات عسكرية «إسرائيلية» معدة ومحتملة للنيل من إيران باتت أكثر سهولة وفاعلية وأقل كلفة مما كانت عليه قبلاّ، بالنظر إلى إمكانية اعتماد «إسرائيل» على حلفائها الجدد في الخليج الذين لن يتوانوا بالتأكيد في منح «إسرائيل» مختلف التسهيلات الممكنة لإنجاح مسعاها العدواني ضد الجمهورية الإسلامية عبر فتح مجالاتهم الجوية وقواعدهم العسكرية الثابتة والمتحركة لخدمة الصهاينة في هذا السياق.
والأمر ذاته ينطبق أيضاً على فحوى الرسالة الإماراتية ـ «الإسرائيلية» المشتركة الموجهة لـ»الحوثيين» في هذا السياق، ومفادها أن المصالح الاستراتيجية والأمنية بما فيها المطامع الاستحواذية الإماراتية على الجزر اليمنية في أرخبيل سقطرى وجزر ميون وغيرها هي الجامع الرئيس والمشترك بين الحليفين الإماراتي و«الإسرائيلي»، وأن «إسرائيل» تشكل حجز الزاوية في أي جهد إماراتي مبذول في هذا السياق، ما يعني دخول لاعب جديد وأساسي في معمعة المواجهة الحالية والمستقبلية طويلة الأمد مع «الحوثيين»، وخصوصاً في الشق المتعلق بالسيادة الوطنية، أي ما يتعلق بالجزر والمناطق اليمنية الخاضعة لهيمنة أبوظبي ومرتزقتها، والتي يتضح يوماً بعد يوم مدى الحضور والتاثير «الإسرائيلي» ـ الإماراتي المشترك في حواضرها.
ويبقى السؤال الأساسي هنا قائماً ومتمحوراً حول المدى التآمري الذي يمكن لمهرجي هذه الدويلات الغارقة في أوهامها بلوغه قبل أن يدركوا أن حرية الشعوب وكرامتها ليست رهناً بدولاراتهم الملوثة بدماء ضحاياهم النازفة على امتداد المنطقة العربية والإسلامية، كما أنها لا تقاس بعضلات أسيادهم وحلفائهم في اليانكي و»أورشليم»، وإنما بقدراتهم الثورية التي لا تنضب ونزوعهم التحرري الذي لا يستكين.

أترك تعليقاً

التعليقات