محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
قيل لي: أنت شيوعي وملحد، فكيف لك أن تحب المتصوفين المتعصبين من أصحاب اللحى، أمثال الخميني وعبد الملك الحوثي وحسن نصر الله وإسماعيل هنية... إلخ؟!
فأجبتهم بأن هذا العشق هو انعكاس بديهي لملحمة التصوف الثوري، الذي لا ولن تفقهوه أبدا كعبيد للعبودية.
إنه العشق المعتق بعبق النزوع المشترك صوب الانسلاخ من براثن الفوضى والخنوع والتبعية إلى رحاب الحرية الإنسانية بآفاقها الأوسع والأرحب التي تتعدى بالتأكيد حدود أحلامكم وتخيلاتكم المريضة والمقيدة في مستنقعات العمالة والانصياع الاختياري لأعداء السلام والحرية.
فلا يمكن المقارنة في هذه الحالة ما بين لحية الزنداني المصبوغة بالحناء الحريمي المعتق بنبيذ الصهاينة، ولحية نصر الله التي تنفث حمما وشهبا هادرة وساحقة لسكينة الصهاينة، مثلما لا يمكن المقارنة -هنا أيضاً- ما بين لحية بن لادن التي أنبتتها وصفات الـ(سي آي إيه) في جبال أفغانستان لخدمة أجندة «أنبياء اليانكي» من مبشري الشر والدمار والرذيلة، ولحية الإمام الخميني الذي حول أوكار الـ(سي آي إيه) في طهران والمنطقة إلى ثكنات حقيقية متقدة ومتقدمة لكل كاره ومناهض ومقاوم للطغيان الاستعماري والفاشية الصهيوإمبريالية.
إنها أبجدية التحرر التي تجمع عادة أمثالنا في مواجهة أمثالكم وأسيادكم، لأن أصحاب اللحى الثائرة في صفنا لا يأبهون البتة لنوع الإله الذي نعبده، أو حتى الإله الذي ننكر وجوده، بقدر اهتمامهم بنوع الحياة التي نختارها، وما إذا كانت جديرة بالوقار والاحترام المكتسب للذات والكرامة والشخصية الإنسانية، لأن تعصبهم محسوم في هذه الحالة لصالح قضية الحرية الوطنية أولاً، والحرية الإنسانية ثانياً.
قارنوا مثلا في هذه الحالة تاريخ وإنجازات سيد الشهداء والقائد الملهم حسن نصر الله، الذي خاض نضالا ضاربا لثلاثة عقود ونيف قبل استشهاده منذ أنيطت به مهام قيادة حزبه المكافح (حزب الله) والذي تزامن بطبيعة الحال مع أحلك الظروف والمنعطفات التي كان يعيشها وطنه الأم لبنان في خضم الحرب الأهلية الناشبة آنذاك بين طوائفه وقومياته المختلفة، والتي أهلكت الأخضر واليابس، باستثناء حزب نصر الله الذي لم يتلوث بدم لبناني واحد، مثلما لم يوجه بندقيته إلى صدور اللبنانيين كما فعل باقي فرقاء الصراع هناك، لأن وقار نصر الله وبندقية حزبه كانا مصاغين ومصممين في الأساس للانقضاض على العدو الصهيوأمريكي وترويع أمنه ووجوده وسكينته.
لم يهتم نصر الله ولا حزبه وعلى امتداد تاريخهم الوجودي والكفاحي بأيٍّ من تلك التباينات أو الإشكالات المذهبية والطائفية والدينية العاصفة والتي لا تزال تعصف بلبنان واللبنانيين، مثلما لم تُعمِهِ عصبيات وعمالة الدروز والموارنة والمسيحيين وأقطاب «سنة الرذيلة» عن التفرغ لهدفه الأسمى والأقدس المتمثل في الانقضاض على العدو واستعادة أرضه وجنوبه المسلوب من براثن الصهاينة.
كما لم يسجل على حزب نصر الله، أيضاً، أي موقف عدائي أو شوفيني ضد أيٍّ من فرقاء الداخل اللبناني، مثلما لم تصدر عنهم (أي نصر الله وحزبه) أية من فتاوى النبذ والتكفير الديني والمذهبي أو التجريد من الوطنية ضد أيذٍ من هؤلاء الفرقاء، رغم عمالة وتآمر أغلب مكوناتهم المفضوح على سلامة وكرامة وحرية الشعبين العربي واللبناني، لأن مسألة التنصر والدروزة والإرهاب الديني والفقهي وغيرها من تسميات ومكونات شوفينية في الداخل اللبناني، وإن شابها البغض والتعصب والانحراف والعمالة والكراهية، فهي شأن يخص اللبنانيين وحدهم وخالقهم أيضاً، كما أنها مسألة لا تستدعي من وجهة نظر نصر الله، كثائر بلغ مرحلة الكمال الأخلاقي الفعلي، الانجرار وراء العبث العصبوي الذي لا يخدم سوى أعداء الوطن والحرية.
إنها أبجدية الثائر الحقيقي الذي يدرك الفارق الجوهري ما بين متطلبات التصوف الروحي وبين الاحتياجات الملحة والطارئة لقضية الحرية والتحرر الإنساني التي تتعدى بأشواط حدود الهذيان اللاهوتي، كونها القضية الأعمق والأنبل والأكثر قدسية التي بشر بها أيضا حتى في أسفار رسل الرب الذين توالوا تباعا منذ بدء الخليقة، كما أنها الأبجدية التي لا يمكن لمن ارتضى لنفسه ولشعبه الذل والهوان والانبطاح تحت أقدام الغاصبين أن يدرك مكنونها الأعمق ومعانيها الخلاقة، لأن مسألة كتلك تتعدى حدود قدراتهم المعتلة.

أترك تعليقاً

التعليقات