محمد القيرعي

الأب الكسير/ محمد القيرعي / لا ميديا -
يوم الاثنين الفائت، 27 شباط/ فبراير، كان يوما مميزا جدا بالنسبة لي، يوما امتزج فيه الألق بالانكسار النفسي، والغبطة بالحزن، والفرح الأبوي المتلاشي على إيقاع الوحدة الملوحة في أفق الخريف المتبقي من حياتي.
تناقضات تولدت في أعماقي فجأة على إيقاع زفاف صغيرتي (عهود محمد القيرعي)، وآخر عناقيد فحولتي تقريبا، إن تبقى منها شيء. "عهود" بلغت العقد الثاني من عمرها في الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير الفائت.
صحيح أنه تاريخ لا أحبذ البتة ذكراه أو حتى مقدمه، لتزامنه من ناحية أولى مع ذكرى الدمج القسري الذي فُرض على الجبهة القومية العام 1966 إبان مرحلة الكفاح الوطني المسلح، ولمواكبته من ناحية أخرى واحدة من أسوأ ذكرياتنا الوطنية، متمثلة في أحداث يناير 1986 في جنوب ما قبل الوحدة؛ لكنه يظل في الوقت نفسه التاريخ الذي يحمل شقا محببا إلى نفسي؛ كونه يصادف ذكرى ميلاد ومضة الضوء الأخيرة التي ازدانت بها حياتي، عروس الأمس، أيقونتي "عهود"، التي لازمتني في كل أوقاتي، الصعبة والسعيدة، لدرجة أن كنت أجدُ سلواي كلما استطعت فقط من خلال الضوء والبراءة اللذين يشعان باستمرار من عينيها، على غرار آلهة الهندوس الحية "كوماري ديفي".
في النهاية، أيقونتي "عهود"، التي رفضت تزويجها أكثر من مرة ولأكثر من قبيلي تقدموا لها، تحاشيا لمغبة تلويث جيناتنا العرقية النقية معشر "الأخدام". وحتى لا أكون في الواقع سببا لنشوء جيل جديد من المسوخ البشرية المشوهة، زُفَّت "عهود" لشاب من بني جلدتها المهمشين، بعلها الشاب عبدالله حسن الزريقي، الذي قد ينال الحظوة في بلاطي بالتأكيد إذا ما بادلها القدر نفسه من الحب الذي أكنه لها وأحسن معاملتها.
وهذا ما يدفعني ربما لتخطي مشاعر الأسى والحسرة المخيمة عليَّ جراء وحدتي المتنامية في خريف العمر، لأزف أسمى آيات التهاني لومضة ضوئي الأخير "عهود"، ولعريسها عبدالله، متمنياً لهما حياة زوجية سعيدة وطويلة ومستقرة، وبإنجاب الكثير من الأحفاد ليضافوا إلى قائمة الستة عشر حفيدا الحاليين، والذين آمل أن يحالف الحظ أحدهم على الأقل لمواصلة مسارنا الكفاحي المحموم ضد التسلط الاجتماعي، في سبيل ما آمنا به دوما: الحياة بكرامة أو الموت دونها.

أترك تعليقاً

التعليقات