ومضة ضوء لمولود أخير
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي  / لا ميديا -
صديقي الحبيب القاضي أحمد أمين المساوى
من المؤكد أن فجيعتكم الأخيرة برحيل زوجتك الفاضلة المفاجئ عن عالمنا لا تقل كارثية عن فجيعتنا نحن بمصاب صديق عشت وإياه أجمل سني حياتنا وأكثرها سوءا وعبثية أيضاً.
فالمفجوعون برحيلها (رحمة الرب تغشاها) والذي جاء في غير وقته، لم تكن بالنسبة لك من الناحية الفلسفية زوجة وشريكة حياة فحسب، بقدر ما شاركتك قدرك ومصيرك وهوسك التحرري وأحلامك المتقدة بالتصوف الثوري، المحفوفة بالمنعرجات الخطرة والمأساوية وسط هذا العالم الموبوء بالكيد والخبث والأذى والرذيلة والخيانة والتآمر والعمالة المزينة برتوش الفضيلة.
فلماذا يحدث هذا باستمرار يا ترى ضد قناعاتنا الشخصية؟! وهل الناس الحالمون مثلنا يا صديقي سذج إلى حد يرثى لهم؟! وهل ستستمر دوامة المشيئة تلك في الدوران وسط حياتنا إلى ما لا نهاية؟! وهل سيكون في مقدورنا يوما ما إيقاف دوامة الموت تلك، والبدء من جديد؟! أم أن كل ذلك يعد من البديهيات ومن مسلمات الحياة الأساسية التي لا تستقر على مسار ثابت كما نقول نحن الشيوعيين الذين نرتكز في أيديولوجيتنا على أبجدية ألا شيء ثابت على الإطلاق، فكل شيء قابل للحركة والتغير؟!
في الواقع لا يمكنني الجزم بصوابية تلك الرؤية أو تلك تحديداً، بقدر ما يمكنني الجزم بحقيقة أن المرء لا يغدو إنسانا بالمعنى المطلق إلا حين يصبح موضوع حديث الناس ومصدر أنسهم وبهجتهم، وبالتأكيد حزنهم أيضا، وخصوصا في تلك الحالات التي يتعين عليه فيها مواجهة نكبات البشر والمشيئة معا التي لا تنتهي، كما هو الحال بالنسبة لك أنت، لا بوصفك فحسب كأخ وصديق ورفيق كفاح وشريك مبادئ ونصير لا يلين لإنسانيتنا المستلبة معشر المهمشين، وإنما لكونك صاحب شغف ثوري لا حدود له، وثائراً شعبوياً تعلمنا من خلاله وعلى يديه خاصية التشبث بالأمل كمبدأ أساسي للحياة، وألا نستسلم بسهولة لمسارات التاريخ التراجيدية والمتعرجة، وأن نتعلم دوما الإيمان بالأمل من جديد عقب كل انتكاسة تعترينا.
إنه التكرار الأبدي للأشياء ذاتها التي نعيشها في دوامة البغض والفوضى والموت والدمار والكراهية، باستثناء السكينة بالتأكيد. لكن ما استلهمناه منك على الدوام يكمن في اكتسابنا للقدرة الدائمة على تخطي هذا الألم المنبعث والمضي قدما في حياتنا.
مثلما ستفعل أنت عقب نكبتكم الشخصية الأخيرة بفراق تلك التي منحتك قبل رحيلها إلى جانب قبلاتها ومضة من الضوء (مولودها الأخير) حتى وإن كانت باهتة وخفيفة، إلا أنها كافية لإبقائها حية في قلبك وذاكرتك وربما ما تبقى من حياتك.
وإلى أن تلتقوا وإياها في الملكوت الأعلى بعد عمر مديد بإذن الرب، فليس لدينا سوى صلواتنا نبتهل بها من أجلك، ودعواتنا لك بالصبر والهمة والسكينة.
وتقبلوا فائق حبنا وعزائنا.

أترك تعليقاً

التعليقات