مازال العدو السعودي الأمريكي يحتل أجزاء واسعة من البلاد، خاصة في الجنوب ومأرب والجوف، وها هو المارينز الأمريكي الإماراتي البريطاني يحتل محافظة حضرموت، ويصل إلى عدن والعند تحت ذريعة محاربة (الإرهاب ) - حسناً تعالوا لن نخسر بكم الكثير من المعابر - وأصبحت مكشوفة هذه العبقرية المزيفة: خلق الإرهاب ومتابعته عندنا.
هل ما يزال لدى العدو القوة الكافية للمناورة؟ أما يزال لديه طاقات يحشدها؟ أين يقف العدو الآن؟ وما الذي يريده؟ ما هي أزمته؟ ما هو موقفنا الوطني، العسكري والسياسي والاجتماعي؟

سلام منقوص؛ حرب كاملة
يتحدث الآن العدو عن السلم والمشاورات والبحث عن حلول سلمية تشاركية مستدامة ومحوكمة، ويعقد لها المؤتمرات والضجيج الإعلامي؛ في الوقت الذي يشن فيه الزحوف المتوالية في العديد من الجبهات، يمني نفسه بالسيطرة على مواقع جديدة، وهي ظاهرة تلخص المشهد الحالي للحرب والمفاوضات، وتكشف الموقف الحقيقي للعدوان وأسراره الدفينة حول السلم الذي يريد حياكته بناءً على مقاساته، كسلم منقوص مشوه، وهذا كل ما يمكنهم إعطاؤه بالسلم وبالمشاورات. وسلام منقوص، يعني استمراراً للحرب، التي ستأخذ أبعاداً أوسع مما هي عليه الآن، ولن يحتمل العدو اتساع رقعتها واحتداد عنفها.

 كوابيس الكويت 
في الكويت، يعلق العدو المشاورات بعد أن أفحمته رؤية الوفد اليمني الوطني، التي قدمها إلى المشاورات، في ظل تقدير دولي وإقليمي عام، كرؤية واضحة شاملة متكاملة تجيب على جميع المسائل المطروحة بروح تشاركية وطنية متسامحة، تستوعب الجميع، وتتسامى على الجراح والآلام، وتضع الجميع أمام المسؤولية الوطنية والقانونية والأخلاقية، التزاماً بكل المواثيق والأعراف والقيم التي تحكم الحرب والنزاعات الدولية والبشرية.

الدفوف والزحوف
المناورات الجديدة التي يقوم بها العدو الآن، هي تغطية على الزحوف الأخيرة الفاشلة على نهم والعاصمة والجوف والمندب وعدن والمكلا والعند. وطيلة الأسابيع الأخيرة التي سبقت المشاورات في الكويت، حرص العدو على أن يماطل في احترام وقف إطلاق النار، وبذل العديد من المحاولات لخرقه، وإطلاق التصريحات الاستفزازية بهدف تعطيل المشاورات.
كان هدف العدو دوماً هو التقدم الى أطراف العاصمة، والتفاوض من هناك لإملاء شروطه الجديدة على الوطن.

المناورة الآن؟!
المحاولة لإيهام الآخرين بأنه في موقع القوي الذي لا يحتاج إلى السلم لأنه بمقدوره تحقيق التقدم ميدانياً، وإخضاع الوطن بالقوة.
لكن حيرة العدو وأزمته، هي الهروب من الحرب الجادة، وبنفس الوقت الهروب من السلم الجاد.
إنها أزمته المركبة، فهو يهرب من الحرب إلى السلم الزائف، ويهرب من السلم الجاد إلى الحرب الإعلامية. فلكل التزاماته، وهو غير جاهز ولا قادر على إعطاء الاستحقاقات الموضوعية لكل خيار.
فانهياراته الحربية الميدانية، تجعله عاجزاً عن تحقيق تقدم حقيقي على الأرض، وطريق السلم أمامه مأزوم، لأنه يفرض عليه دفع أكلاف العدوان المادية والقانونية.

هل ما يزال العدو يستطيع أن يهدد الوطن حقاً؟!
الوضع الميداني للعدو على الأرض الآن، ومن خلال المشاورات في الكويت التي يرفع فيها عقيرته بالصوت بمطالب غير معقولة ولا منطقية، محاولاً إيهام الآخرين بأنه قوي ومتعافٍ بعد كل انهياراته وانكساراته.
ويكشف مدى الارتباكات والانكسار المرتسم على وجوه مشاوريه، حين ينسبون إليهم معسكرات وقوات هي ليست لهم، ولن تكون أبداً، واختلاق كذبة مفضوحة ليبرر الهروب من مواصلة المشاورات بشكل جدي. وهذا يكشف أن العدو يستغل المشاورات كغطاء لاستكمال الإعداد لشن هجوماته الجديدة على نهم ومأرب والجوف وتعز، محاولاً تحقيق إنجازات جديدة، ولن تكون إلا إنجازات كسابقاتها: خسارة مواقع جديدة من يده.

تهديدات للعدو على أطراف العاصمة، هل هي حقيقية، أم مجرد إرهاب إعلامي؟
العدو علق المشاورات بعد أن وصلته أنباء الانكسارات الجديدة على جبال نهم في الحور والرشاء والحريم، وعلى هيلان وصرواح وكرش والمندب والوازعية والبيضاء وعسيلان وبيحان والمحفد وملح مأرب، وخاصة أنباء مأرب نهم الجدعان الأكثر حساسية للعدو الآن، لأنه يراهن على الأموال التي نثرها.
الأشباح والرياح والريالات في نهم والجدعان.. مازال الثلاثي هادي ومحسن وهاشم الأحمر يقفون على أطراف الجدعان، مشدودين بأبصارهم إلى قلل الجبال التي تفصلهم عن أطراف العاصمة على أطراف نهم.
100 كيلومتر ليست كثيرة لتقطعها العربات العسكرية في ساعة أو ساعتين فقط، فما بالهم يقفون طوال عام ينتظرون أن يتقدموا إلى الأمام، وأن يخترقوا الجبال الفاصلة بين الجبهتين المتلامستين؟!
النتائج كانت دوماً معاكسة، وفي (السبعين يوماً) الشهيرة كان العدو نفسه، ومعه علي محسن وبقية الوهابيين، قد وصلوا مشارف المدينة، وأحاطوها من كل الجهات، لكن دون جدوى، على الرغم من فارق العتاد والعدد. وهم الآن يخدعون أنفسهم أنهم سيحققون تقدماً فارقاً.

حصاد الخنادق والبنادق
هل مازال العدو يملك القدرة على إنجاز مشروع استراتيجي حربي كبير؟
الجواب هو لا، لماذا؟ لأنه سبق وواجه آلاف الانكسارات الجزئية المتوالية، والتي بدورها تراكمت، في شكل انهيارات كبيرة، وخسران شمل معظم الجبهات، وهذا جلي من الواقع الذي استقرت عليه الأوضاع الميدانية الأخيرة، ومنها تعز، حلب الشهداء، التي أرادها العدو سجناً للثورة وقنطرة للاحتلال، وأرادها القدر الثوري مقبرة للغزاة وقلعة للصمود والشموخ الوطني، ولذا لم تكن إلا قدراً جارفاً فوق كل مخطط ومشروع.
وأقسى وضع ميداني بالنسبة للعدو، هي الجبهة الحدودية، مركز ثقل الحرب كلها، التي تقبض زمام المبادرة فيها قواتنا اليمنية.
علاوة على ما خسره العدو من إمكانيات هائلة بمئات المليارات من الدولارات، وما خسره من أرواح. وهنا، لم يعد بإمكان العدو تحشيد طاقة هجومية كبيرة طويلة النفس، كما كان في السابق أول الأمر.

حدود القوة - حدود العجز الاستراتيجي 
 لكل قوة حدود لا تستطيع تجاوزها أبداً، وكل محاولة لتحدي هذه الحقيقة البسيطة الواضحة، تعني الانتحار ولا سواه، أكان ذلك دفعة واحدة، أو على عدة دفعات، كما هو الحال مع العدو الآن، وهي النقطة الحرجة التي وصلت لها.
لا يستطيع العدو مواصلة الحرب على الطريقة القديمة، ولو كابر أمام الرأي العام العالمي والداخلي، لسبب بسيط، هو أنه أصيب في محاوره المركزية الحربية الاستراتيجية، في الصميم، في العمق من قوته القتالية والمعنوية.
إضافة لكونه فقد النسبة الأكبر من قدرته القتالية المتمثلة في الصف الأول من مقاتليه وكوادره التي قضت تربيهم عقدين من الزمن، وأطاحت بهم المواجهات مع القوات اليمنية المحترفة الباطشة، والمستندة على قوة حرب كبيرة وقوية قادرة على مواصلة الحرب لسنوات طويلة دون الحاجة لدعم خارجي.
ولا يملك العدو أية قدرة على قلب ميزان القوى الرهيبة هذا، والعدو سبق وحسم مصيره استراتيجياً وتكتيكياً وميدانياً وعملياتياً، ولم يعد بإمكان مرتزقته أي مجال لمواصلة المواجهات. وأية محاولة قادمة لن تكون محكومة إلا بهذا الوضع المزري بالنسبة للعدو، لأن أية محاولة ستكون مخصومة منها القوات والقدرات التي خسرها وتكبدها، وهو خسر عصب قوته ومركز ثقله.
ولا ننسى القانون الحربي القائل: إن خسارة مركز ثقل الحرب، هي خسارة للحرب كلها في الوقت ذاته. كلاوفيتش الألماني مُنظِّر الحرب الحديثة، في كتابه (الوجيز في الحرب).

حصاد الميادين
(دع الأرض تقاتل معك)
الحصيلة العامة الآن هي أن التوازنات على الأرض في جميع الجبهات، قد أصبحت في قبضة قواتنا اليمنية، وتدير القيادة معاركها بأساليب معقدة، يعجز العدو بكل إمكانياته عن متابعتها واستيعابها وإدراكها.
دع الأرض تقاتل معك.. مبدأ ألم به القائد العظيم العربي اليماني الفينيقي، هاني بعل، معلم وأستاذ الحروب القديمة، وحامل تقاليدها القومية وثقافتها، وهو ما يفعله أحفاد اليوم، الأرض تقاتل معهم دوماً.
والنتيجة هي عجز العدو عن التقدم، وقواتنا تقاتل في أرضها، في أرض خبرتها وحفظتها وأسرارها على مدى عقود، وهي جزء من الذاكرة اليمانية، على عكس العدو، الذي تقاتل ضده تماماً، ولن تفيده السيطرة على موقع أو محافظة أو عشر، طالما لا يمكنه الوصول إلى المركز، وضرب الاحتياطات الوطنية الاستراتيجية التي فشل في ضرب ولو جزء يسير منها طيلة 14 شهراً من العدوان على اليمن بطل القدرات الجوية والمخابراتية والتقنية.

الاستفزازات الأمريكية المتأخرة
دعم معنويات المرتزقة عشية المفاوضات لا أكثر
أخيراً ذكرت أمريكا أن هناك إرهاباً وقاعدة في اليمن، بعد أن وظفت القاعدة في قواتها وعملائها طوال العام، ومنذ الوهلة الأولى كانت هذه القاعدة تقاتلنا من وراء أساطيلها الحربية ومن معسكراتها.
لقد أصبحت أمريكا خرافة العصر الحالي بعد تكبدها الخسائر الحربية الهائلة في كل مكان من الكوكب الذي انتفض إلى الثورة والحرية والانعتاق من قبضتها وعبيدها وعملائها في العالم، وذاقت هزائم هائلة من الفيتنام الى كوبا إلى كوريا الى فنزويلا الى كومبوتشيا الى أفريقيا الى إيران الى اليمن إلى العراق إلى لبنان وسوريا.
هل تلوح لنا بالتهديد بالاحتلال لليمن من جنوبه؟ لم هذا الاستفزاز المائع الآن بعد هزيمة عبيدها وحلفائها؟
إن جميع المواجهات السابقة كانت أمريكا هي التي تديرها عبر غرف العمليات العدوانية من الرياض والخليج والبحر الأحمر، وهي تقدمت إلى هناك اليوم رعباً من تقدم قواتنا اليمنية نحو تلك المناطق، ويمكن القول إن هذه المناورات الأخيرة، هي تجدد للعدوان الصهيوني الأمريكي السعودي بطرق مختلفة.

 ألغام السلم السعودي، والدافع للسلم الملتبس 
النتيجة الواقعية لخسارة العدو الحرب والعدوان في اليمن، أنه لم يعد أمامه إلا خطا السلم لحفظ ما تبقى. ونتيجة للخسارة اضطر وأجبر على التفاوض المباشر مع القيادة الوطنية ومن يمثلها.
يقوم المبدأ التساومي بين الطرفين على أساس معادلة ميدانية أساسية هي توقيف الهجوم اليمني على أراضي المملكة، والانسحاب من المناطق التي تحت سيطرته، مقابل وقف السعودية هجومها الجوي والبري والبحري على الوطن، ويكمن خداع الطرف السعودي في مبدأ التمرحل التاريخي والجغرافي لتمدد الاتفاق، ولتطبيق الاتفاقية المبرمة التفاهماتية التي عقدت بين الطرفين، والتي تقضي كما عرفنا من الطرف اليمني، أن تكون التسوية ووقف العدوان على مراحل وفي مناطق تتلوها مناطق جديدة، بمعنى أن تحصر الاتفاقات أولاً على قطاعات جغرافية معينة، ثم يتم الانتقال الى قطاعات أخرى، وليس في وقت واحد، كما يكمن الخداع العدواني الراهن في مظاهره الراهنة، الجارية في الجنوب الآن.

 سيناريو العدوان في الجنوب الآن
إن ما يجري الإعداد له في الجنوب الآن شيء واضح وخطير، وهو سيكشف زيف السلم السعودي، وتناقضاته الملتبسة.
وهذا الإعداد، هو عملية خلط الأوراق على الطاولة التشاورية في الكويت، وضغط على الوفد الوطني، وتم ذلك بتسليم ملف الجنوب للإمارات ظاهرياً بإشراف الأمريكان والفرنسيين والبريطانيين، كلاعبي ظل في خندق واحد، رغبة في إبقاء الجنوب خارج التسوية السياسية التي يراد استخراجها من الكويت، وفرضها على الوطن ووفده هناك.
والأمريكان كعادتهم، يحتلون البلدان، ويصادرون ثرواتها، باسم مكافحة الإرهاب، الإرهاب الذي فقسته مخادعهم الكريهة.
وهي ورقة ضغط على وفدنا كي يقدم التنازلات، ويقبل بمساومات جزئية، كارثية، وهي ما يرفضها بتاتاً.
وفي هذه الحالة يظل الركون على الميدان هو الحل لا غير، الميدان الذي بناءً على معادلاته التوازنية تمكنا من الصمود وإجبار العدو على القدوم إلى طاولتنا للتفاوض والتشاور، وقلصنا سلم أهدافه، وغيرناها، وعقدنا خططه، وأدخلناه عبره في أزمات متتالية لا يدرك كيف ينفذ منها.

المعركة السياسية الجديدة 
أمام المفاوض اليمني الآن معركة سياسية معقدة، وأمامه خصوم إقليميون ودوليون مستعينون بخبراء في فن الخداع والكذب والمناورات، وخلفهم أموال هائلة ينفقونها لتمرير الخطط والمناورات وشرا ء الضمائر والنجاحات، ووفدنا مستوعب بلا شك لكل هذه المتغيرات، وأثبت جدارة عالية في مراوغتها وخداعها، ولديه أوراق قوية يناور بها على العدو الذي لم يتمكن حتى اللحظة من النفاذ من الشبكة التي أوقعناه فيها.
ويبدو جلياً أنه لن يتحقق شيء من الكويت إلا ما يفرضه ميداننا، وما لدى قواتنا الوطنية من أوراق قوية على كافة المستويات، وهو ما سنراهن بخروج بعض منها كمفاجآت مدهشة مستقبلاً.