التهويل سلاح لا مقدمة حرب
- إيهاب زكي الأحد , 7 ديـسـمـبـر , 2025 الساعة 12:03:01 AM
- 0 تعليقات

إيهاب زكي / لا ميديا -
يحاول العدوّ الصهيوني استثمار منجزاته التكتيكية عبر التهويل، في محاولةٍ يدرك أنّها يائسة، لتكفيه مُرّ الخيارات: التعايش مع سلاح حزب الله، أو حربٍ لا يضمن نتائجها؛ لذا يجب التعامل مع هذا التهويل باعتباره سلاحاً لا مقدمة حرب.
تهويلٌ مفرط تمارسه كلّ الأدوات الصهيوأمريكية، وبكل اللغات، سياسياً وإعلامياً، وتضرب المواعيد لمهاجمة لبنان وتحطيمه وتدميره إن لم يرضخ حزب الله ويسلّم سلاحه، وأنّ مصير لبنان سيكون مثل غزّة، محطماً مُدَمراً محاصراً، وبلا أيّ أفقٍ أو سندٍ للإعمار، وسيدفع اللبنانيون ثمن هذا العناد كثيراً.
وسط هذا الغبار من معارك التهويل، تغيب أسئلة واقعية ملحّة، قد يكون في الإجابة عليها استجلاء بعض الحقائق التي تساعد في استكشاف حقيقة هذا التهويل، فاللهاث خلف كلّ ما يصدر عن مسؤولي الكيان وإعلامه، كذلك كلّ الناطقين باسمه في الساحات العربية، هو نوعٌ من أن يكون العدوّ ونفسك عليك.
والسؤال الأول الذي تجب الإجابة عليه هو: لماذا وافق الكيان على وقف إطلاق النار مع لبنان؟ والإجابة هنا واضحة: هناك عدة أسبابٍ دفعته لوقف النار، أهمها إفلاس بنك الأهداف أولاً، وإدراكه أنّ استمرار الحرب سيؤدي لتآكل منجزاته التكتيكية ثانياً، وتيقنه من أنّ استمراره في الحرب لن يؤدي للمزيد من المكاسب ثالثاً.
وبالتالي يصبح السؤال المترتب على هذه الإجابة: هل استطاع العدوّ، بعد عامٍ من وقف النار، تغيير الأسباب التي دفعته لوقفها؟ هل راكمَ مزيداً من الأهداف؟ وهل أعاد ترميم قواته التي فشلت خلال 66 يوماً في تجاوز قرى الحافة، وبإمكانها اليوم الوصول إلى الليطاني؟ وهل أصبح متيقناً من امتلاكه أسباب إخضاع حزب الله؟
والسؤال الأهم في الأسئلة المترتبة: هل لديه يقين بأنّ حربه المفترضة ستعزز منجزاته في الحرب السابقة؟ أم لديه شك بخسارة تلك المنجزات وزيادة؟ والحقيقة أنّ اختلال ميزان الردع في إحدى مراحل الصراع، أو بعد معركةٍ مهما كانت قاسية، لا يخوّل الطرف الذي اختلّ الميزان لصالحه أن يعدّ هذه النتائج أبديّة، وإلّا سيكون اختلّ عقله، فاختلال موازين الردع هي دائماً مؤقتة وقابلة للتجاوز.
وسؤالٌ آخر من الأسئلة الأصيلة: هل يملك حزب الله خياراً غير الصمود وعدم الاستسلام؟ والحقيقة أنّ لبنان كله لا يملك خياراً سوى الصمود؛ لأنّ البديل المطروح ليس لبنان السيد المستقل كامل الجغرافيا مُصان الثروات براً وبحراً، بل لبنان المستباح كله، دماء شعبه وجغرافيته وثرواته براً وبحراً وجواً، وتصلح الضفّة الغربية كمثالٍ على ما ينتظره حال تسليم السلاح، أو الحالة السورية في أفضل الأحوال.
وهذه الإجابة تأخذنا مباشرة للسؤال التالي: هل يدرك العدوّ هذه الإجابة؟ يقيناً هو يدركها جيداً، ويعلم أنّ حزب الله ليس في قاموسه الخضوع والاستسلام، وأنّ مخزونه العميق من الفقه الجهادي، ومخزونه الملحمي بالتجارب التاريخية، من كربلاء مروراً بالاجتياح «الإسرائيلي» عام 1982، وصولاً لمعركة «أولي البأس»، تجعل من مجرد فكرة الاستسلام كفراً بواحاً شرعياً ووطنياً وإنسانياً.
وهذه الإجابة تنقلنا كذلك لسؤالٍ آخر لا يقلّ أهمية، وهو: هل يملك الكيان خياراً غير الحرب؟ فالعدو تكلّف بمهمةٍ أمريكية لم يستطع إنجازها، فهل يستطيع التعايش مع هذا القصور؟ وهل يستطيع التعايش مع فكرة وجود تنظيمٍ صارمٍ يستطيع الترميم، ويعيد بناء نفسه حسب تقاريره؟ والإجابة هي: لا؛ فالعدو بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تخلّى عمّا كان يُعرف بسياسة الاحتواء إلى غير رجعة.
وفي ضوء ذلك، فخيارات العدوّ، رغم ما يبدو من تغوله وغطرسته، ليست أقل حرجاً من خيارات حزب الله. وعليه فإنّ التهويل كما تتم ممارسته على لبنان، يخضع العدو لتهويل ذاتي مثله، فليس هناك من يهوّل عليه، ففي لبنان والعالم العربي يهولون على أنفسهم مع العدو، وهو يخضع للتهويل الذاتي لإدراكه محدودية خياراته، فإنّ كان محور المقاومة جريحاً، بما فيه حزب الله، فهو يدرك ذلك ويقوم بمحاولات التعافي، فيما العدوّ جريحٌ لا يحاول الاستلقاء وينزف واقفاً.
وهنا نصل للسؤال الذي نعنيه: ما فائدة التهويل؟ خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار اختلال ميزان الردع لصالح العدو، واختلال أهم في اتزانه الاستراتيجي. يحاول العدوّ استثمار منجزاته التكتيكية عبر التهويل، في محاولةٍ يدرك أنّها يائسة، لتكفيه مُرّ الخيارات: التعايش مع سلاح الحزب، أو حربٍ لا يضمن نتائجها؛ لذا يجب التعامل مع هذا التهويل باعتباره سلاحاً لا مقدمة حرب.










المصدر إيهاب زكي
زيارة جميع مقالات: إيهاب زكي