الخطأ الأمريكي في اليمن ودور الأمّة
 

إيهاب زكي

إيهاب زكي / لا ميديا -
اليمن، الذي أباحَ الإمبراطورية الأعظم في التاريخ لأمةٍ مستباحة، أمةٌ استباحتها كل الأمم، وهي مستكينةٌ وادعةٌ إلّا على نفسها، تطعنُ نفسها في الظهر مرةً وفي القلب مرة، وتفقأ عينها مرةً وتسمل جفنها مرة... اليمن الذي جعل من الإمبراطورية الأعظم فرارةً بأساطيلها وحاملات طائراتها، ولا تعرف صدّاً للبأس اليمانيّ، هذا اليمن يكظم غيظاً أمام جارٍ لدودٍ هش، لا يعرف عن الحروب إلّا استئجار المرتزقة.
وبعد ما يزيد على العامين من الاتفاق على خارطة طريق وتهدئة، ما زالت السعودية تماطل، بفعل القرار الأمريكي؛ لأنّ العدوان بالأصل أمريكي صهيوني، وما فِعل السعودية وما عُرف بالتحالف الإسلامي إلّا الصيغة المعرّبة المؤسلَمة من العقيدة الصهيونية عن «إسرائيل» الكبرى، المتمددة جغرافياً والمتسيّدة سلطوياً على عروش المنطقة.
وما يزيد كذلك عن تسعة أشهر من انطلاق «طوفان الأقصى»، والمساندة اليمنية لغزة وشعبها ومقاومتها، والسعودية ما تزال تحاول عرقلة كل جهود الإسناد وإفراغها من محتواها، وكل ذلك بأوامر أمريكية لمصالح «إسرائيلية»، من جسر الإسناد البري للكيان، بكل ما يحتاجه من سلع، مروراً بشيطنة الإسناد اليمني لفلسطين باعتباره عرقلةً للملاحة الدولية، وصولاً إلى محاولات الإلهاء عبر افتعال الأزمات والاستفزاز حد العسكرة.
بأوامر أمريكية تحاول السعودية لعب دور كيس الرّمل دفاعاً عن «إسرائيل»، من خلال استفزاز اليمن لاستجرار ردودٍ عسكرية، وبالتالي الانشغال في معركةٍ بعيدة عن «طوفان الأقصى»، وهذا في الوقت الذي تلعب فيه دور كيس الرّز لكل من أراد سوءاً بمصير الكيان والهيمنة الأمريكية.
ولكن السعودية التي لا تتصرف عن عقلٍ سعودي، بل عن عصا أمريكية، لا تفهم أنّ استهداف اليمن لها ليس حرباً بعيدةً عن «طوفان الأقصى»، بل هي في القلب منها، حيث إنّ السعودية بنظامها القائم جزءٌ من تحالف العدوان مادياً ومعنوياً على غزة، وأن توجيه الصفعات لها من اليمن هو خدمةٌ لكل المنطقة ولكل شعوبها بما فيها الشعب الحجازيّ.
ويجب على الإدارة الأمريكية ألّا تجعل من السعودية كيس رملٍ أمام اليمن؛ لأنّ هذا سيبدو خيار العاجز أولاً، كما سيكون خياراً سريع العطب ثانياً؛ لأنّ اليمن بأنصاره أثبت امتلاكه لقدراتٍ استخبارية وتكنولوجية هائلة، قادرة على رفد قدراته العسكرية الهائلة، خصوصاً الصاروخية منها والجوية، حد عجز الأساطيل الأمريكية عن ردعها مادياً ومعنوياً، بل اضطرارها لمغادرة البحر الأحمر الذي أصبح بحيرةً يمنية، بعد أن كان العدوان السعودي على اليمن، يريد له أن يكون بحيرةً «إسرائيلية».
إنّ أفضل خيارٍ للولايات المتحدة هو تجنيب السعودية هذا المنزلق العسكري مع اليمن مجدداً، خصوصاً أنّ غضبة السيد عبد الملك الحوثي كانت باديةً في خطابه الأخير بمناسبة غرّة محرم، كما لم تتبدَّ من قبل، حين قال: «البنك بالبنك والمطار بالمطار»، لأنّ من أخرج «آيزنهاور» من البحر الأحمر أيسر بالنسبة له إخراج مطار الرياض عن الخدمة، وجعل بنوكها مراتع للأشباح والفئران أكثر يسراً.
يجب أن نقف بإجلالٍ كبير أمام أولئك الواثقين بأنفسهم الذين يعتقدون بالقطع أنّهم أوتوا الكثير من نباهة البصيرة، ويعرفون كيف يخاطبون العالم، ولا تطيش عقولهم بالمديح، ولا تهتز أركانهم بالشيطنة والانتقادات، لذا علينا كأمةٍ واحدة أن نصنع من اليمن مثالاً نقتديه، وفي الوقت ذاته من السعودية نموذجاً نتجنبه، مهما ظنَّت أنّ نجابتها تُحتذى، ويجب أن يشعر الكثيرون بالندم، لأنّهم منذ عقدٍ من الزمان كانوا في خندق «إسرائيل»، تحت رايةٍ تحمل شعار التوحيد.

أترك تعليقاً

التعليقات