العبث مع لبنان ليس آمناً
 

إيهاب زكي

إيهاب زكي / لا ميديا -
على الكيان المؤقت أن يفهم جيداً أن الصدام مع لبنان ليس لعبة انتخابية، إنّه محكّ المصير، حيث إنّ في لبنان سلاحاً جاداً صارماً لا يعرف مزاحاً، والوقت الوحيد المتاح أمام الكيان، هو الوقت الذي يشتريه بإعلان الهزيمة أمام هذا السلاح دون قتال، عبر الاعتراف بحقوق لبنان، تحت طائلة الخشية من الجدية القاطعة لهذا السلاح.
في إحدى خطبه إبّان ثورة عرابي في مصر، خطب عبدالله النديم في الجماهير، وهو يحفزهم على الثورة، فقال: “أيها المصريون، شمّوا رائحة أجسامكم، إنها نتنة قذرة والنيل يجري بينكم، استمعوا إلى صرخات أمعائكم، وواديكم يملأه الخير، أنصتوا إلى صوت الله يلعنكم، مع أنكم حفظة كتابه وحملة رسالته. أيها المصريون، لعن الله من يكره الحرية، لعن الله من تعفّ نفسه عن أطايب الطعام، لعن الله من يكره الراحة، لعن الله من يقعد متفرجاً، لعن الله من لا يتبعنا”.
كتب الشيخ البشري عن أحمد زيور باشا، وقت شغله منصب رئيس وزراء مصر (1924-1926)، ما يلي: “إذا اطّلعت عليه -رئيس الوزراء- رأيت أنّه مؤلف من عدة مخلوقات، لا تدري كيف اتصلت ولا كيف تعلق بعضها ببعض، فمنها الثابت ومنها المختلج، ومنها ما يدور حول نفسه، ومنها ما يدور حول الغير، وأهل مصر يأخذون على زيور كله ما لا يُحصى من جرائم ضد الوطن، ولكن من الظلم أن يؤخذ البريء بجريرة الآثم، وأن يُعاقب المظلوم بجريمة الظالم، فقد يكون من ارتكب الخيانة هو كوع زيور الأيسر، أو القسم الأسفل من لُغده، أو المنطقة الوسطى من فخذه الأيمن، والحق والعدل يقضيان تأليف لجنة تقوم بالتحقيق مع جسم صاحب الدولة، فتسأل أعضاءه عضواً عضواً، وتسأل أشلاءه شلواً شلواً، ولعل العضو الوحيد المقطوع ببراءته، من كل ما ارتكب من آثام، هو مخ زيور باشا، فما أحسبه شارك، وليس له دخلٌ في شيء مما حصل”.
لو أردنا إسقاط هذه الخطابات التاريخية على الحاضر، فكم من شعبٍ عربي سيستثني نفسه وحكامه، وهي شعوب تعاني من الأزمات المتلاحقة ومعيشة الضنك، وحكومات تتبع خطوات الأجنبي المستعمر حتى إلى جحر الضبّ، والأسوأ أنّ بعض النخب العربية لدى بعض الشعوب، تسعى لإحراق من يحاول إضاءة شمعة، في عتمة هذا العصر العربي.
في سوريا مثلاً، لم يكن المبعوثون الدوليون يتعاملون مع السوريين باعتبارهم شعباً واحداً، بل باعتبارهم مجموعات عرقية وطائفية ومذهبية، لولا إصرار الدولة السورية وصمود شعبها، لأصبح الشعب السوري بالفعل شعوباً وقبائل متناحرة، وهذا ما فعله دستور بول بريمر في العراق، حيث كان الهدف عرقنة سوريا ولبننة العراق.
وبمناسبة اللبننة، وهي في سياق الأمثلة، فإنّ عاموس هوكشتاين الموفد الأمريكي، لا يريد التعامل مع الشعب اللبناني باعتباره شعباً، بل يراه مجموعات طائفية ومذهبية تختلف ولا تأتلف، شاءت الظروف أو الأقدار أن يجتمعوا على هذه البقعة من الأرض، لذلك يحاول شراء الوقت لصالح الكيان المؤقت، اعتماداً على هذه الخلافات واستحالة التآلف.
إنّ زيارات هوكشتاين المتكررة إلى لبنان وإلى كيان العدو، وما يصدر بعدها من تصريحات صهيونية، لا تؤدي سوى إلى هذا المعنى، اعتماداً على الاختلافات اللبنانية، سنشتري الوقت الذي نحتاجه، فاللبنانيون لا جامع بينهم حتى ثرواتهم، والفئة التي تدفع باللبنانيين لحماية ثرواتهم والدفاع عن حدودهم، هي فئة نافرة عن النسيج اللبناني، وكأنّ التفريط والاستسلام للإرادة “الإسرائيلية” هما سمة لبنان وشعبه.
ويهدف هوكشتاين لتطويع الدولة اللبنانية، حتى تصبح هي السدّ المنيع، بين من يريد حماية الثروة وكيان العدو، والدولة بغض النظر إن كانت دولة قائمة بمؤسساتها، أو تعاني من فوضى الفراغ.
كما قال بني غانتس وزير حرب الكيان المؤقت: “لا نريد عمليات قتالية قبل الانتخابات المزمع إجراؤها في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر”، وهذا بالطبع يتطلب عملية شراء الوقت، والحصان الرابح في هذه الحالة، حسب الرؤية الصهيونية، هو المبعوث الأمريكي، وواقع الاختلافات اللبنانية، التي ستؤدي إلى شغور رئاسي، وبالتالي عدم صلاحية هذا الطرف للتفاوض باعتباره لا طرف، ويُجري الكيان انتخاباته ثم يُشكّل حكومته ويستغل حقول المتوسط، ولبنان يقاتل نفسه، ويقتتل على اسم الرئيس ومواصفاته، وشكل الحكومة وصلاحياتها.
إنّ نجاح هوكشتاين في هذه المهمة يُقارب نسبة الصفر، لأنّ العبث مع لبنان ليس آمناً، والوقت ثمينٌ جداً، حد عجز الكيان المؤقت عن دفع ثمنه، فالصدام مع لبنان ليس لعبة انتخابية، إنّه محكّ المصير، حيث إنّ في لبنان سلاحاً جاداً صارماً لا يعرف مزاحاً، والوقت الوحيد المتاح أمام الكيان، هو الوقت الذي يشتريه بإعلان الهزيمة أمام هذا السلاح دون قتال، عبر الاعتراف بحقوق لبنان، تحت طائلة الخشية من الجدية القاطعة لهذا السلاح.

أترك تعليقاً

التعليقات