حكمة وعقلانية وخيانيَّة الحدث ذاته
- إيهاب زكي الخميس , 3 يـولـيـو , 2025 الساعة 3:55:44 AM
- 0 تعليقات
إيهاب زكي / لا ميديا -
يتدثَّرون بدثار الحرص على فلسطين ودماء غزة، ثم يوغلون في دماء كل من ساند ودفع الغالي والنفيس في سبيل فلسطين وغزة، وهؤلاء يمتلكون الكثير من الألسنة الحِداد الشِّداد، والعيون الزجاجية التي لا حياء فيها ولا حياة، ولمجرد أنّه استخدم حبراً إلكترونياً مجانياً في كتابة كلمة تضامنية مع غزة، يحسب أن من حقِّه استخدام حبره لجَلد من جاد بدمه؛ لأنّه أدَّى للعلا والذرى دوره!
يلوون أعناق الوقائع لخدمة توجهاتهم، بمهاجمة كل من يقاوم، فيتخذون من وقف النار في لبنان وفي إيران، ابتداءً ذريعةً لبرهنة أن وقف النار هنا خيانة لغزة، ثم يتخذونه مثالاً عقلانياً وحكيماً، في حماية المجتمع والعباد والبلاد، مقارنةً بتعنُّت حماس، التي لا يهمها دم شعبها ودمار بلادها، فتصرُّ على استمرار الحرب!
هم لا ينتبهون للتناقض الصارخ والفاضح في كلا القياسَين؛ فمن جهةٍ يعتبرون وقف النار خيانة؛ لكنه يتحول حين القياس بغزة إلى حكمة وعقلانية؛ ثم يعتبرون أنَّ مهاجمتهم لوقف النار هو هجوم لاعتباره خيانة؛ لكنهم في الوقت ذاته يطالبون حماس بارتكاب «الخيانة» ذاتها! وخلاصة حقيقتهم أنّهم يريدون من حماس ممارسة حكمة الاستسلام، حتى إذا ما استسلمت، كانوا أول من يتهمها بالخيانة.
ولكن الحقيقة أنَّ الوقائع بعيدة كل البعد عن هذا التسطيح الذي يتم طرحه بسذاجة وغرائزية مفرطة. ولعل هذا ما يجعل له مريدين، وهذا سبب وجود مؤيدين ومصفقين، من جمهورٍ يمتلك ذاكرة السمك وذكاء الدجاج.
القاسم المشترك بين لبنان وإيران، على اختلاف خلفيات ومسوغات وقف النار، وكذلك على اختلاف منطلقات الحرب وأسباب العدوان، هو أنّ العدو هو الذي طالب بوقف النار، وقد رضخ للشروط في كلتا الساحتين، رغم الاختلاف في نسبة الالتزام والتطبيق.
بالمقابل في غزة، يرفض العدو رفضاً قاطعاً وقف النار، فيما حماس هي التي تطالب به كشرطٍ لازم لإبرام صفقة. ولو كانت شروط العدو ذاتها في لبنان أو إيران لما تمت الموافقة على وقف النار. وهنا يأتي دور التدليس، حيث يشيعون أن حماس ترفض وقف النار مضحيةً بدماء شعبها، لمجرد رفضها التنازل عن السلطة في غزة.
رغم أنّ موقف حماس كان معلناً منذ البداية، أنّها ليست راغبةً في أيّ سلطة في غزة، مع الموافقة على حكومة تكنوقراط، والشرط الوحيد أن تكون حكومة بقرار فلسطيني، وليست إدارة تحت سلطة الاحتلال وقراره؛ لكن هؤلاء لا يريدون سمعاً ولا تعقلاً.
اليوم، وبعد إشاعة تفاؤل أمريكي عن توجهات لوقف الحرب على غزة، وأنّ هناك انعطافة في مواقف نتنياهو تجاه وقف الحرب، تثار الشائعات ومهاجمة مواقف حماس، للضغط عليها معنوياً أولاً، ولتحميلها مسبقاً نتائج الفشل في التوصل لاتفاق وقف النار ثانياً.
رغم أنّه، حتى لحظة كتابة هذه السطور، لا توجد مفاوضات كالسابق بين حماس والعدو عبر الوسطاء، إنّما هي مفاوضات بين نتنياهو وترامب من جهة، لصياغة مقترح وقف النار بشروط «إسرائيلية»، ثم وضعه على طاولة الوسطاء، ليحملوه إلى حماس ويضغطوا عليها لقبوله، ثم تحت الضغط كالعادة؛ تقول حماس: نعم؛ ولكن...! على سبيل رفض الاستسلام بدبلوماسية.
قد نكون هذه الأيام أمام تطوراتٍ دراماتيكية، خصوصاً على ضوء قبول المحكمة تأجيل محاكمة نتنياهو بعد شهادة رئيسيّ «الموساد» و»أمان»، وهو ما يشي بإمكانية حدوث جرائم كامتدادٍ لجرائم الكيان على مدى ساحة الصراع؛ إلّا إذا كان الحدث الدراماتيكي هو موافقة نتنياهو على وقف الحرب في غزة وإنجاز صفقة.
يبدو أنَّ الكيان وترامب أعجبهما فكرة الخداع والإرباك، وأنّ نتائجها كانت فعّالة في عدوان اليوم الأول على إيران، لذلك يعيدون لعبة الخداع والإرباك ذاتها، فيضربون ضربةً غادرة، لكنهم في الوقت ذاته لم يتعلموا أنّ المكسب التكتيكي لا يصنع انتصاراً استراتيجياً؛ إذ سرعان ما سيدفعون الأثمان الاستراتيجية مقابل مكاسب تكتيكية، وهذه قاعدة لن تتغيّر مهما استحضروا من شياطين الغدر؛ لأنّ للتاريخ نواميس ولله سنناً، ولن تجد لها تبديلاً.
المصدر إيهاب زكي
زيارة جميع مقالات: إيهاب زكي