إيهاب زكي

إيهاب زكي / لا ميديا -
 بعد خطاب السيد حسن نصر الله في يوم المقاومة والتحرير، أصبح متعذراً قوقعة الحديث عن محلياتٍ بحتة، حيث إنّ ما قاله عن العمل على الوصول لفكرة الحرب الإقليمية، في حال التعرض للقدس بشكلٍ يؤدي لتغيير الوضع القائم، بمثابة ركيزة لعملٍ يتخطى الحدود القائمة، ويجعل من الأحداث مهما بدت محلية ذات بعدٍ إقليميٍ ودولي.
فلم يعد بالإمكان رؤية نتائج الانتخابات السورية -مثلاً- بعيداً عن سيطرة الجيش اليمني واللجان الشعبية على عشرات المواقع العسكرية السعودية في جيزان، ولم تعد كذلك رؤية استشهاد محمد الطحان على الحدود اللبنانية الفلسطينية برصاص قوات العدو الصهيوني، بعيدة عن معركة الحشد في العراق لإخراج القوات الأمريكية، حيث إنّ الحرب الإقليمية بين محور المقاومة وبين «إسرائيل» تتطلب أكثر من تنسيق بين دول ومنظمات المحور، وقد تتطلب ساحاتٍ ناجزة النصر داخل حدودها، وقد عمل العدو كثيراً مع بعض أتباعه على كيّ الوعي باعتبار هذه أوطاناً لا ساحات، والأوطان حتى تكون قابلةً للعيش يجب مسالمة «إسرائيل»، باعتبارها الخطوة الضرورة للاستقرار والسلام.
وقد تحدث يحيى السنوار، قائد حركة «حماس» في غزة، بعد انتهاء معركة «سيف القدس»، بكلام يشبه المضمون ذاته الذي تحدث به السيد نصر الله. وهنا تبدو خيارات «إسرائيل» شديدة الضيق والمحدودية، حيث إنّ اندلاع الحرب الإقليمية لا نتائج لها، طالت أو قصرت، سوى زوال الكيان من الوجود، وهذا اليقين يتم تلمسه في السياسة الأمريكية، أكثر مما يمكن تلمسه في السياسة «الإسرائيلية»، أو بالأحرى في سياسة نتنياهو الذي يطغى الجانب الشخصي على سياسته، والذي دخل في طورٍ هستيريٍ مؤخراً، يجعل من الصعوبة بمكان التمييز بين سياسة الكيان ورغباته. بينما السياسة الأمريكية تبدو أكثر تخوّفاً وأكثر إدراكاً لمصير الكيان، فبعد معركة «سيف القدس» أيقنت من محدودية القدرة «الإسرائيلية» على تحقيق نصرٍ واضح وحاسم أمام غزة المحاصرة والصغيرة، حتى أنّ بعض المحللين الصهاينة ذهبوا أبعد من ذلك، حين قالوا إنّ ما حدث في «حارس الأسوار» حسب تسميتهم «يشكّل صفراً مما سيحدث في حال اندلاع حربٍ مع حزب الله»، وعليه كيف سيكون الحال وقت اندلاع حربٍ إقليمية مع كل أطراف محور المقاومة مجتمعين؟ قد تكون حرب ساعاتٍ لا أيام أو أسابيع.
لذلك تنشغل الولايات المتحدة الأمريكية بدبلوماسية مكوكية نشطة، لإعادة الأوضاع إلى ما قبل اندلاع معركة سيف القدس، حيث الإغراء بالمساعدات المالية وإعادة الإعمار، وإعادة تأهيل وترميم ما يسمى «حل الدولتين» وإحياء مسار التفاوض، وقد يتطلب ذلك تغييب نتنياهو عن المشهد.
أثناء العدوان على غزة، قال نفتالي بينيت، زعيم حزب «يمينا» اليميني المتطرف: «ّحان الوقت لحكومة وحدة مع نتنياهو»، فيما هو اليوم يتفق مع يائير لبيد، زعيم حزب «يوجد مستقبل» لتشكيل ما تسمى حكومة وحدة وطنية. إذا كان هذا السلوك بإيعازٍ أمريكي، سيستطيع إنجاز حكومته، وسيدخل نتنياهو السجن، ويتم تغييبه عن المشهد في إطار استراتيجية أمريكية تحدثنا عنها سابقاً، تلحظ حماية «إسرائيل» من نفسها أولاً. أمّا إذا كان «بينيت» و«لبيد» يتصرفان حسب قواعد سياسية داخلية، فقد يُخرج لهما نتنياهو أرنباً من قبعته، يؤدي للذهاب إلى انتخاباتٍ خامسة.
أمريكا، التي تخطط للخروج من المنطقة، ما زالت بحاجة لوجود الكيان، وهذا الوجود يتطلب أن تعمل جاهدةً على كبح السلوكيات «الإسرائيلية»، خصوصاً في القدس، التي أصبحت برميل بارود يهدد وجود الكيان في حال انفجاره، ولكن الخطأ القاتل هو أنّه إذا كانت حكومة نتنياهو تشكل صاعقاً لتفجير برميل البارود على المدى القصير، فإنّ حكومة بينيت تشكّل صاعقاً أشد خطراً على المدى المتوسط والبعيد، ذلك أن نتنياهو ليس بحاجة لإثبات تطرفه وعنصريته، وذلك بعكس بينيت وحكومته. وبالتالي، ما تتجنه الولايات المتحدة مؤقتاً، قد ينفجر في وجهها لاحقاً.
إذن المشهد اليوم في منطقتنا باختصار هو أنّ الأوضاع تتجه إلى حربٍ إقليمية، مع محاولاتٍ أمريكية لقطع الطريق عليها، أو على الأقل تأجيلها لأقصى زمنٍ ممكن. فالولايات المتحدة ليست في وارد الدخول في حربٍ عسكرية مباشرة، كما ليست في وارد التخلي عن بقاء الكيان. لذلك المتاح اليوم للعمل على تأجيل الحرب الإقليمية أو قطع الطريق عليها، هو العودة للاتفاق النووي مع إيران، كما العمل على محاولة إشغال الساحات داخلياً في سورية ولبنان والعراق واليمن لأكبر وقتٍ ممكن، وأيضاً تنفيسي اقتصادي في غزة مع عودة ولو شكلية لما يسمى «عملية السلام» أو بالأحرى عملية التفاوض، وهذا بدوره سيعطي دفعةً هائلة لعملية التطبيع و»الأسرلة» التي كانت جارية قبل العدوان على غزة. وقد تنجح هذه الاستراتيجية الأمريكية، ولكنه نجاحٌ مؤقت، حيث إنّ بقاء الكيان يتطلب أكثر من مجرد تبريد ساحات وتسخين أخرى، وأكثر من تغيير الوجوه في زعامات الكيان. إنّه يتطلب تفكيك محور المقاومة، كما يتطلب نزع أسلحته بعمليات حربية حاسمة، تقوم بها «إسرائيل» في غزة أولاً ولبنان ثانياً كمرحلةٍ أولى، وهذا أصبح مستحيلاً يشبه استحالة بقاء الكيان، لذلك فإنّ نجاح الولايات المتحدة في هذا المسعى على سبيل حماية «إسرائيل» من نفسها، سيكون بمثابة آخر مظلة حماية تقدمها أمريكا للكيان، بعد كثير المظلات على مدى 5 عقود.

كاتب وباحث سياسي فلسطيني 

أترك تعليقاً

التعليقات