حكومة العدو وتخطي المرحلة بين زمنين
 

إيهاب زكي

إيهاب زكي / لا ميديا -
إنّ الكيان المؤقت يعيش لحظات الضمور والتآكل الداخلي. وسواء استمرت حكومة نتنياهو أم تعثرت أو سقطت، فإنّ الكيان تخطى مرحلة الحياة، ودخل مرحلة المنحدر، التي لا نهاية لها سوى الزوال. ومع اجتماع الضمور الداخلي والعصف الخارجي، سيكون سقوط هذه الحكومة دليلاً على أنّ الكيان ميتٌ سياسياً في الداخل، وعجوزٌ عسكرياً في الخارج.
حكومة نتنياهو المنتظرة هي حكومة "اللّا مفر"، كما سماها وزير القضاء الأسبق، يوسي بيلين، الذي أضاف: "إنّ كل الذين حذروه إنمّا يتحدثون مع أنفسهم، بينما هو ماضٍ إلى حتفه السياسي المؤكد، نظراً لخطورة اتفاقياته مع شركائه الائتلافيين، في مجالات الأمن والقضاء والقانون والتعليم". كما وصف بيلين كلام نتنياهو بالهذيان، حين يقول إنّ "الأمور ستكون على ما يُرام، وكل شيء في يده".
ولا اختلاف على كون هذه الحكومة تشبه كل حكومات الكيان المؤقت، باستثناء أنّها ستكون أكثر هشاشة، فهي حكومة تمتاز بالتطرف والغلو والعنصرية، والرغبة في التوسع، وانفتاح شهيتها على القتل والقمع، مع مخططاتٍ جامحة للاستيطان، كذلك عدوانية فظّة تجاه العرب والمسلمين جميعاً، إمّا قتلهم بالنار وإما احتناكهم بالتطبيع. والعدوانية في كلتا الحالتين واحدة، لناحية المنطلقات والخلفيات والمآلات.
ومصدر هشاشة هذه الحكومة ليس الخلافات على سُبل العداء ووجه العدائية، حيث إنّ التوافق تامٌّ بين كل مكونات الحكومة على العدوانية تجاه إيران، ونظرة موحدة للملف النووي، كذلك توافق حول العدوانية تجاه سورية ولبنان وغزة، حتى النظرة إلى السلطة الفلسطينية لا تختلف، وأيضاً المشاريع التطبيعية، حيث إنّ احتناك المطبعين أقل كلفةً وأكثر فائدة من قتلهم.
إنما مصدر الهشاشة الرئيسي هو الاختلافات الداخلية، وبرامج الأحزاب الدينية، المتطرف منها والأكثر تطرفاً، حول قضايا دينية توراتية وصراع بين وجه علماني تجميلي مزوَّر ووجه توراتي حقيقي ومتغوّل. كذلك صراع على مناصب وزارية، أو بمعنى آخر صراع على حصةٍ أكبر من الفساد. وهذه الصراعات هي التي عبّر عنها رئيس الكيان المؤقت، إسحاق هرتسوغ، بعد تجديد المهلة الممنوحة لنتنياهو بتشكيل الحكومة، حين حذّر من تقويض ما سماه "الدولة"، وقال "إنّ إسرائيل تشهد انشقاقاً خطيراً يهدد بتقويضها من الداخل".
ستحاول هذه الحكومة انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام، للفكاك من أزماتها الداخلية وانشقاقاتها وهشاشتها، وذلك من خلال التركيز على الملف النووي الإيراني، أو تكثيف الاعتداءات داخل سورية، والذهاب أكثر نحو تسعير الاستيطان المستعر والمسعور في الضفة الغربية، كذلك إضفاء طابع أكثر دموية على الاجتياحات والاستهدافات في الضفة، فقد تتطور إلى عملية عسكرية محدودة أو موسعة حسب الحاجة، خصوصاً أنّ هذه الحكومة لن تفكر كثيراً في أهمية هذه السياسات لبقاء أو زوال السلطة الفلسطينية، كما لا تفكر كثيراً في أهمية السلطة بحدّ ذاتها.
وكذلك فإنّ هذه الحكومة ستجد طرقاً جديدة للهرب من الداخل إلى الخارج، من خلال الكشف عن اتفاقيات تطبيع مع أطرافٍ جديدة في المنطقة العربية، وهذا ما لمّح إليه نتنياهو مؤخراً.
ولكن المؤكد أنّ هذه السياسات العدائية لن تؤدي على الإطلاق إلى حرب مبادرة يشنّها الكيان على إيران أو لبنان مثلاً، حيث يدركون جميعاً البَون الشاسع بين الرغبة والقدرة، وكذلك بين الصراخ و"البروباغندا" والواقع، وأنّ طريق الهروب هذه ستكون طريق اللا عودة، وطريقاً باتجاهٍ واحد، وطريقَ مَن ذهب ولم يعُد، حيث ستتغير الجغرافيا والمعادلات والتوازنات.
نتنياهو، الذي يهذي حسب وصف "بيلين"، حين يقول إن "كل الأمور جيدة وهي كلها بيدي"، يحتاج إلى استنزاف كل فترات التمديد القانونية، لإنجاز تشكيلة حكومته السادسة، فكيف بها لو لم تكن جيدة ولو لم تكن كلها بيده؟!
إنّ الكيان المؤقت يعيش لحظات الضمور والتآكل الداخلي. وسواء استمرت حكومة نتنياهو أم تعثرت أو سقطت، فإنّ الكيان تخطى مرحلة الحياة بين الصعود والزوال، ودخل مرحلة المنحدر، التي لا نهاية لها سوى الزوال، خصوصاً حين اجتماع الضمور الداخلي مع العصف الخارجي، حيث سيكون سقوط هذه الحكومة بعد كل هذا المخاض الانتخابي المزمن، على مدى سنوات، دليلاً مانعاً على أنّ الكيان ميتٌ سياسياً في الداخل، وعجوزٌ عسكرياً في الخارج.

أترك تعليقاً

التعليقات