فقط التوابع يستغربون مفاجأة موسكو. بوتين خبير مفاجآت. فطالما التوابع والمخابرات والطابور السادس الثقافي اعتبروا المساعدة الروسية لسوريا تدخلاً، فلا شك أنهم صُدموا من انسحاب الروس! فهذا الخروج هو إثبات السيادة السورية. لكن التوابع لا يفهمون هذا لأنهم يعتبرون التبعية هي الحياة.
الصورة أبعد وأوسع. فإذا كان الخروج النسبي الروسي للضغط على طموحات سوريا، فهذا يعني, أن سوريا ليست تابعة , وأن موسكو لا تستطيع المد في موقفها لأنها لا تزال قطباً عالمياً خداجاً شأنها شأن آل بريكس، وخاصة لأن الصين لا تنحو منحى روسيا في مشاكسة الوحش الإمبريالي، على الأقل لأنها أيضا لم تكتمل قطبياً، ولأنها الرابح الأساس من العلاقة الاقتصادية بالمركز الإمبريالي. أليست هي اليوم ورشة العالم؟
 كما أن هذا درس لشرفاء العروبة بأنه لا يبقى في الوادي غير حجارة كما أبدع الطاهر وطار، بمعنى أنت من يجب أن يقاتل لاستكمال تحرير سوريا.. 
 هذا إضافة إلى أن كل سوري وكل عربي ليس خائناً بالتكوين أو عميلاً بالتمويل، صار عارفاً بأن ما يحصل في سوريا هي حرب على الوطن، ولا علاقة لها لا بالديمقراطية، ولا حتى بالفوارق الطبقية كما يزعم كثيرون من التروتسك ومن اليسار العربي والفلسطيني الذين ينهشون سوريا (بعضهم سراً وبعضهم علانية) عبر الزعم بأن ما يحصل هي ثورة (بروليتاريا)!.
نعم روسيا بوتين تلاعب أمريكا بخفة الفهد أو لاعب الجودو، وليس بالمصارعة. روسيا ليست بوحشية أمريكا ولا بقوتها الاقتصادية والعسكرية. والأهم هو التالي:
اقرأوا تجربة تفكك الاتحاد السوفييتي، كان أحد أسباب تفككه في اعتماد محيطه القريب إلى حد كبير عليه (شرق أوروبا -ها هي اليوم مزرعة مخابرات وجنس واقتصاد للغرب الرأسمالي)، ومحيطه البعيد، وهي الدول التي استفادت من الدعم السوفييتي بما أهلها لتنام في سرير الغرب! ومع ذلك كنا نرى الاتحاد السوفييتي على حافة دور إمبريالي.
بينما الإمبريالية الغربية كانت ولا تزال تعيش الى حد هائل على حساب محيطها الأوسع، توابعها وعملائها، وخاصة عرب النفط وغير النفط من عملائها. لذا دائماً لديها زخم مالي. والزخم المالي هو شريان مختلف أنواع ومجالات الاستثمار، ولا سيما البحث والتطوير في المدفع والزبدة.
لعل الصورة واضحة أكثر اليوم. فالخليج هو المصدر الأساس لإسعاف الجريح الرأسمالي الأمريكي خاصة، سواء بحروبه ضد العرب، وتحديداً العراق ليبيا وسوريا واليمن، أو بفتح الصناديق السيادية لتغرف منها واشنطن. 
بيت القصيد أن روسيا ليست جاهزة كنقيض وحيد للغرب الإمبريالي، كما أن روسيا ليست نقيضاً عقائدياً للغرب الإمبريالي، فهي كما كتب غيري وأنا، نظام رأسمالي، ولكن وطني، وليس من طراز أنظمة الخليج مثلاً.
ولذا تلجأ روسيا إلى ضغط هنا وتراجع هناك. مثلاً حتى الآن روسيا كسبت أكثر سواء في القرم أو حتى في أوكرانيا وسوريا. بينما أمريكا تحاول الكسب في العراق.
من هنا، روسيا مضطرة لتقديم تنازلات لأمريكا، وخاصة في هذه اللحظة، أي المفاوضات في جنيف، لتجبر الوفد السوري على مرونات معينة. تذكروا قبل إعلان الانسحاب الروسي بيوم، كانت المنازلة بين المعلم ودي مستورا حول من يقرر في سوريا.
هل نسمي هذه انتهازية روسية أم محاولة تحكُّم أم خشية من أمريكا أم غزلاً من بعيد للكيان، أم مناورة بالتنسيق مع دمشق... الخ.. المهم أن روسيا لا تستطيع المواجهة وكأنها تدافع عن موسكو. ومن يجب أن يدافع عن دمشق هو نحن. وليس هذا سوى واجبنا.
لا مساحة هنا للتوسيع، ولكن أتناول أموراً ثلاثة أساسية:
الأول: أن بوتين لا يحكم كل روسيا. فنصف مؤسسته وحزبه معه، ونصفه مع مدفيديف الذي كان مرشح الاتجاه الغربي في الحزب، والذي حاول تنصيب ميدفيديف خلفاً ليلتسين، فحصلت مساومة بين المخابرات الروسية وبين كبار رجال المال الذين دفعوا مدفيديف كمنافس ليلتسين. ومن هم رجال المال؟ 
(كانت روسيا في فترة يلتسين محكومة فعلياً بما يسمى( semibankirshchina, the rule of the Seven Bankers). 
أي حكم البنكيين السبعة، وهذه تملك خمسين بالمئة من الاقتصاد الروسي، وجميعهم ما عدا واحدا هو (بوتانين) هم يهود).
ولا أعتقد أن الأمر تغير كثيراً.
يبقى السؤال في هذه المساحة، هل سيضحي بوتين بعلاقته بدمشق؟ لا أرى الأمر بسيطاً إلى هذا الحد. فلا شك أنه كان وراء منع أمريكا عام 2013 من العدوان المباشر على سوريا بسحب الكيماوي. ولعل الأهم ما يلي:
(... حينما تمت خيانة ليبيا وإيران من قبل مدفيديف، قال بوتين هذا غباء).
 (انظرPutin and Israel – a complex and multi-layered relationship ,27618 ViewsDecember 23, 2015 328 Comments).
والثاني: إن الهجوم والتحقير الذي شنه أوباما على توابعه وأدواته، ربما هو مقدمة لموقف روسيا هذا، والذي مهما كانت تكويناته السرية لم يمس هيبة الحليف السوري.
كما أن حلفاء سوريا ليست روسيا وحدها، بل إن الاشتباك بين حلفاء روسيا وحلفاء أمريكا على أشده، ولا أوضح من الهجوم الصهيوني العربي على حزب الله وإيران، وحتى على الحشد الشعبي.
ثالثاً: هناك مكونات عديدة للمشهد حتى لو بدت جانبية. روسيا أوصلت ضغطها على تركيا إلى الحد الأقصى، وهي محكومة بتصدير الطاقة إلى تركيا، وتركيا تقدم إغراءات لإيران كي تخفف من دعمها لسوريا، وخاصة على إثر تقوية معسكر الليبراليين، وليسوا فقط إصلاحيين، وهي التقوية التي رد عليها الطرف الآخر بالتجارب الباليستية. 
لعل دمشق أقل حيرة من تركيا وإيران. فتركيا قلقة من التقوية الأمريكية والروسية للانفصاليين الكرد في سوريا (وهم بالمناسبة مستوطنون لجأوا لسوريا قبل أكثر من مئة عام، بعد الذبح التركي، وهذا مختلف عن كرد العراق وإيران)، هذه التقوية خطرة على تركيا وإيران، ولكنها ـ أي تركيا ـ تطمح في تفكيك سوريا واغتصاب حلب. وإيران قلقة حين ترى أن الصهاينة العرب واليهود يبنون جبهة ضدها مما يشاغلها في محيطها، وهو ما يهدف إلى ابتعادها عن سوريا وحزب الله، وفي الحالتين تضحية. فهل تتمكن من الإمساك بالموقفين؟ حتى اليوم نعم.
قد يكون الخاسر الأكبر في هذه الاختلاطات هم الكرد والفلسطينيين. . فالكرد الذين طالما تم استخدامهم فتحملوا العِصِيَّ ولم يصل فمهم الجزرة.
أما الفلسطينيون فيتم تلقفهم من كل اتجاه سياسي ومصدر مالي، ولولا الانتفاضة الحالية لكان الأمر سواداً مطلقاً. ذلك لأن قلة من الفلسطينيين في محور المقاومة، وكثيرون في محور الثورة المضادة بنفطها خاصة، وهناك وسطيون خبثاء يلعبون في المنتصف. والأخطر على الفلسطينيين أنهم أجبن من أن يقولوا للنفط كفى تآمراً على المقاومة، فما بالك أن يتخندقوا في معسكر المقاومة!
ويكون الرابح المباشر الكيان الصهيوني، فأي تعب على سوريا هو فردوس للصهيونية.
أما سوريا، فقد فهمت تماماً أن الأمر المذبحة هي ضدها كسوريا العروبة ورفض الاعتراف بالكيان، والإصرار على شرف السيادة الممتدة كحضارة حينما كان العالم بدائياً، وفهم كل ذي عقل في سوريا أن المؤامرة سابقة على 2011 وعلى 2003 وعلى 1991 وحتى على 1948. 
لذا تقول سوريا، لا تقرؤوا هراء القاعدة المقلوبة (كل كاتب بدولار)، بل اقرأوا ما يكتبه شرفاء من خارج الوطن، محايدون شرفاء لهم عقول ويعيشون بجهدهم، لقد كشفوا وأرخوا بدقة للقرار الإمبريالي الصهيوني (بشقيه اليهودي والعربي) بتدمير الدول العربية الجمهورية. 
هي حرب طويلة الأمد، ولا خيار سوى المواجهة.
@ كاتب فلسطينيالصورة أبعد وأوسع. فإذا كان الخروج النسبي الروسي للضغط على طموحات سوريا، فهذا يعني, أن سوريا ليست تابعة , وأن موسكو لا تستطيع المد في موقفها لأنها لا تزال قطباً عالمياً خداجاً شأنها شأن آل بريكس، وخاصة لأن الصين لا تنحو منحى روسيا في مشاكسة الوحش الإمبريالي، على الأقل لأنها أيضا لم تكتمل قطبياً، ولأنها الرابح الأساس من العلاقة الاقتصادية بالمركز الإمبريالي. أليست هي اليوم ورشة العالم؟
 كما أن هذا درس لشرفاء العروبة بأنه لا يبقى في الوادي غير حجارة كما أبدع الطاهر وطار، بمعنى أنت من يجب أن يقاتل لاستكمال تحرير سوريا.. 
 هذا إضافة إلى أن كل سوري وكل عربي ليس خائناً بالتكوين أو عميلاً بالتمويل، صار عارفاً بأن ما يحصل في سوريا هي حرب على الوطن، ولا علاقة لها لا بالديمقراطية، ولا حتى بالفوارق الطبقية كما يزعم كثيرون من التروتسك ومن اليسار العربي والفلسطيني الذين ينهشون سوريا (بعضهم سراً وبعضهم علانية) عبر الزعم بأن ما يحصل هي ثورة (بروليتاريا)!.
نعم روسيا بوتين تلاعب أمريكا بخفة الفهد أو لاعب الجودو، وليس بالمصارعة. روسيا ليست بوحشية أمريكا ولا بقوتها الاقتصادية والعسكرية. والأهم هو التالي:
اقرأوا تجربة تفكك الاتحاد السوفييتي، كان أحد أسباب تفككه في اعتماد محيطه القريب إلى حد كبير عليه (شرق أوروبا -ها هي اليوم مزرعة مخابرات وجنس واقتصاد للغرب الرأسمالي)، ومحيطه البعيد، وهي الدول التي استفادت من الدعم السوفييتي بما أهلها لتنام في سرير الغرب! ومع ذلك كنا نرى الاتحاد السوفييتي على حافة دور إمبريالي.
بينما الإمبريالية الغربية كانت ولا تزال تعيش الى حد هائل على حساب محيطها الأوسع، توابعها وعملائها، وخاصة عرب النفط وغير النفط من عملائها. لذا دائماً لديها زخم مالي. والزخم المالي هو شريان مختلف أنواع ومجالات الاستثمار، ولا سيما البحث والتطوير في المدفع والزبدة.
لعل الصورة واضحة أكثر اليوم. فالخليج هو المصدر الأساس لإسعاف الجريح الرأسمالي الأمريكي خاصة، سواء بحروبه ضد العرب، وتحديداً العراق ليبيا وسوريا واليمن، أو بفتح الصناديق السيادية لتغرف منها واشنطن. 
بيت القصيد أن روسيا ليست جاهزة كنقيض وحيد للغرب الإمبريالي، كما أن روسيا ليست نقيضاً عقائدياً للغرب الإمبريالي، فهي كما كتب غيري وأنا، نظام رأسمالي، ولكن وطني، وليس من طراز أنظمة الخليج مثلاً.
ولذا تلجأ روسيا إلى ضغط هنا وتراجع هناك. مثلاً حتى الآن روسيا كسبت أكثر سواء في القرم أو حتى في أوكرانيا وسوريا. بينما أمريكا تحاول الكسب في العراق.
من هنا، روسيا مضطرة لتقديم تنازلات لأمريكا، وخاصة في هذه اللحظة، أي المفاوضات في جنيف، لتجبر الوفد السوري على مرونات معينة. تذكروا قبل إعلان الانسحاب الروسي بيوم، كانت المنازلة بين المعلم ودي مستورا حول من يقرر في سوريا.
هل نسمي هذه انتهازية روسية أم محاولة تحكُّم أم خشية من أمريكا أم غزلاً من بعيد للكيان، أم مناورة بالتنسيق مع دمشق... الخ.. المهم أن روسيا لا تستطيع المواجهة وكأنها تدافع عن موسكو. ومن يجب أن يدافع عن دمشق هو نحن. وليس هذا سوى واجبنا.
لا مساحة هنا للتوسيع، ولكن أتناول أموراً ثلاثة أساسية:
الأول: أن بوتين لا يحكم كل روسيا. فنصف مؤسسته وحزبه معه، ونصفه مع مدفيديف الذي كان مرشح الاتجاه الغربي في الحزب، والذي حاول تنصيب ميدفيديف خلفاً ليلتسين، فحصلت مساومة بين المخابرات الروسية وبين كبار رجال المال الذين دفعوا مدفيديف كمنافس ليلتسين. ومن هم رجال المال؟ 
(كانت روسيا في فترة يلتسين محكومة فعلياً بما يسمى( semibankirshchina, the rule of the Seven Bankers). 
أي حكم البنكيين السبعة، وهذه تملك خمسين بالمئة من الاقتصاد الروسي، وجميعهم ما عدا واحدا هو (بوتانين) هم يهود).
ولا أعتقد أن الأمر تغير كثيراً.
يبقى السؤال في هذه المساحة، هل سيضحي بوتين بعلاقته بدمشق؟ لا أرى الأمر بسيطاً إلى هذا الحد. فلا شك أنه كان وراء منع أمريكا عام 2013 من العدوان المباشر على سوريا بسحب الكيماوي. ولعل الأهم ما يلي:
(... حينما تمت خيانة ليبيا وإيران من قبل مدفيديف، قال بوتين هذا غباء).
 (انظرPutin and Israel – a complex and multi-layered relationship ,27618 ViewsDecember 23, 2015 328 Comments).
والثاني: إن الهجوم والتحقير الذي شنه أوباما على توابعه وأدواته، ربما هو مقدمة لموقف روسيا هذا، والذي مهما كانت تكويناته السرية لم يمس هيبة الحليف السوري.
كما أن حلفاء سوريا ليست روسيا وحدها، بل إن الاشتباك بين حلفاء روسيا وحلفاء أمريكا على أشده، ولا أوضح من الهجوم الصهيوني العربي على حزب الله وإيران، وحتى على الحشد الشعبي.
ثالثاً: هناك مكونات عديدة للمشهد حتى لو بدت جانبية. روسيا أوصلت ضغطها على تركيا إلى الحد الأقصى، وهي محكومة بتصدير الطاقة إلى تركيا، وتركيا تقدم إغراءات لإيران كي تخفف من دعمها لسوريا، وخاصة على إثر تقوية معسكر الليبراليين، وليسوا فقط إصلاحيين، وهي التقوية التي رد عليها الطرف الآخر بالتجارب الباليستية. 
لعل دمشق أقل حيرة من تركيا وإيران. فتركيا قلقة من التقوية الأمريكية والروسية للانفصاليين الكرد في سوريا (وهم بالمناسبة مستوطنون لجأوا لسوريا قبل أكثر من مئة عام، بعد الذبح التركي، وهذا مختلف عن كرد العراق وإيران)، هذه التقوية خطرة على تركيا وإيران، ولكنها ـ أي تركيا ـ تطمح في تفكيك سوريا واغتصاب حلب. وإيران قلقة حين ترى أن الصهاينة العرب واليهود يبنون جبهة ضدها مما يشاغلها في محيطها، وهو ما يهدف إلى ابتعادها عن سوريا وحزب الله، وفي الحالتين تضحية. فهل تتمكن من الإمساك بالموقفين؟ حتى اليوم نعم.
قد يكون الخاسر الأكبر في هذه الاختلاطات هم الكرد والفلسطينيين. . فالكرد الذين طالما تم استخدامهم فتحملوا العِصِيَّ ولم يصل فمهم الجزرة.
أما الفلسطينيون فيتم تلقفهم من كل اتجاه سياسي ومصدر مالي، ولولا الانتفاضة الحالية لكان الأمر سواداً مطلقاً. ذلك لأن قلة من الفلسطينيين في محور المقاومة، وكثيرون في محور الثورة المضادة بنفطها خاصة، وهناك وسطيون خبثاء يلعبون في المنتصف. والأخطر على الفلسطينيين أنهم أجبن من أن يقولوا للنفط كفى تآمراً على المقاومة، فما بالك أن يتخندقوا في معسكر المقاومة!
ويكون الرابح المباشر الكيان الصهيوني، فأي تعب على سوريا هو فردوس للصهيونية.
أما سوريا، فقد فهمت تماماً أن الأمر المذبحة هي ضدها كسوريا العروبة ورفض الاعتراف بالكيان، والإصرار على شرف السيادة الممتدة كحضارة حينما كان العالم بدائياً، وفهم كل ذي عقل في سوريا أن المؤامرة سابقة على 2011 وعلى 2003 وعلى 1991 وحتى على 1948. 
لذا تقول سوريا، لا تقرؤوا هراء القاعدة المقلوبة (كل كاتب بدولار)، بل اقرأوا ما يكتبه شرفاء من خارج الوطن، محايدون شرفاء لهم عقول ويعيشون بجهدهم، لقد كشفوا وأرخوا بدقة للقرار الإمبريالي الصهيوني (بشقيه اليهودي والعربي) بتدمير الدول العربية الجمهورية. 
هي حرب طويلة الأمد، ولا خيار سوى المواجهة.
@ كاتب فلسطينيالصورة أبعد وأوسع. فإذا كان الخروج النسبي الروسي للضغط على طموحات سوريا، فهذا يعني, أن سوريا ليست تابعة , وأن موسكو لا تستطيع المد في موقفها لأنها لا تزال قطباً عالمياً خداجاً شأنها شأن آل بريكس، وخاصة لأن الصين لا تنحو منحى روسيا في مشاكسة الوحش الإمبريالي، على الأقل لأنها أيضا لم تكتمل قطبياً، ولأنها الرابح الأساس من العلاقة الاقتصادية بالمركز الإمبريالي. أليست هي اليوم ورشة العالم؟
 كما أن هذا درس لشرفاء العروبة بأنه لا يبقى في الوادي غير حجارة كما أبدع الطاهر وطار، بمعنى أنت من يجب أن يقاتل لاستكمال تحرير سوريا.. 
 هذا إضافة إلى أن كل سوري وكل عربي ليس خائناً بالتكوين أو عميلاً بالتمويل، صار عارفاً بأن ما يحصل في سوريا هي حرب على الوطن، ولا علاقة لها لا بالديمقراطية، ولا حتى بالفوارق الطبقية كما يزعم كثيرون من التروتسك ومن اليسار العربي والفلسطيني الذين ينهشون سوريا (بعضهم سراً وبعضهم علانية) عبر الزعم بأن ما يحصل هي ثورة (بروليتاريا)!.
نعم روسيا بوتين تلاعب أمريكا بخفة الفهد أو لاعب الجودو، وليس بالمصارعة. روسيا ليست بوحشية أمريكا ولا بقوتها الاقتصادية والعسكرية. والأهم هو التالي:
اقرأوا تجربة تفكك الاتحاد السوفييتي، كان أحد أسباب تفككه في اعتماد محيطه القريب إلى حد كبير عليه (شرق أوروبا -ها هي اليوم مزرعة مخابرات وجنس واقتصاد للغرب الرأسمالي)، ومحيطه البعيد، وهي الدول التي استفادت من الدعم السوفييتي بما أهلها لتنام في سرير الغرب! ومع ذلك كنا نرى الاتحاد السوفييتي على حافة دور إمبريالي.
بينما الإمبريالية الغربية كانت ولا تزال تعيش الى حد هائل على حساب محيطها الأوسع، توابعها وعملائها، وخاصة عرب النفط وغير النفط من عملائها. لذا دائماً لديها زخم مالي. والزخم المالي هو شريان مختلف أنواع ومجالات الاستثمار، ولا سيما البحث والتطوير في المدفع والزبدة.
لعل الصورة واضحة أكثر اليوم. فالخليج هو المصدر الأساس لإسعاف الجريح الرأسمالي الأمريكي خاصة، سواء بحروبه ضد العرب، وتحديداً العراق ليبيا وسوريا واليمن، أو بفتح الصناديق السيادية لتغرف منها واشنطن. 
بيت القصيد أن روسيا ليست جاهزة كنقيض وحيد للغرب الإمبريالي، كما أن روسيا ليست نقيضاً عقائدياً للغرب الإمبريالي، فهي كما كتب غيري وأنا، نظام رأسمالي، ولكن وطني، وليس من طراز أنظمة الخليج مثلاً.
ولذا تلجأ روسيا إلى ضغط هنا وتراجع هناك. مثلاً حتى الآن روسيا كسبت أكثر سواء في القرم أو حتى في أوكرانيا وسوريا. بينما أمريكا تحاول الكسب في العراق.
من هنا، روسيا مضطرة لتقديم تنازلات لأمريكا، وخاصة في هذه اللحظة، أي المفاوضات في جنيف، لتجبر الوفد السوري على مرونات معينة. تذكروا قبل إعلان الانسحاب الروسي بيوم، كانت المنازلة بين المعلم ودي مستورا حول من يقرر في سوريا.
هل نسمي هذه انتهازية روسية أم محاولة تحكُّم أم خشية من أمريكا أم غزلاً من بعيد للكيان، أم مناورة بالتنسيق مع دمشق... الخ.. المهم أن روسيا لا تستطيع المواجهة وكأنها تدافع عن موسكو. ومن يجب أن يدافع عن دمشق هو نحن. وليس هذا سوى واجبنا.
لا مساحة هنا للتوسيع، ولكن أتناول أموراً ثلاثة أساسية:
الأول: أن بوتين لا يحكم كل روسيا. فنصف مؤسسته وحزبه معه، ونصفه مع مدفيديف الذي كان مرشح الاتجاه الغربي في الحزب، والذي حاول تنصيب ميدفيديف خلفاً ليلتسين، فحصلت مساومة بين المخابرات الروسية وبين كبار رجال المال الذين دفعوا مدفيديف كمنافس ليلتسين. ومن هم رجال المال؟ 
(كانت روسيا في فترة يلتسين محكومة فعلياً بما يسمى( semibankirshchina, the rule of the Seven Bankers). 
أي حكم البنكيين السبعة، وهذه تملك خمسين بالمئة من الاقتصاد الروسي، وجميعهم ما عدا واحدا هو (بوتانين) هم يهود).
ولا أعتقد أن الأمر تغير كثيراً.
يبقى السؤال في هذه المساحة، هل سيضحي بوتين بعلاقته بدمشق؟ لا أرى الأمر بسيطاً إلى هذا الحد. فلا شك أنه كان وراء منع أمريكا عام 2013 من العدوان المباشر على سوريا بسحب الكيماوي. ولعل الأهم ما يلي:
(... حينما تمت خيانة ليبيا وإيران من قبل مدفيديف، قال بوتين هذا غباء).
 (انظرPutin and Israel – a complex and multi-layered relationship ,27618 ViewsDecember 23, 2015 328 Comments).
والثاني: إن الهجوم والتحقير الذي شنه أوباما على توابعه وأدواته، ربما هو مقدمة لموقف روسيا هذا، والذي مهما كانت تكويناته السرية لم يمس هيبة الحليف السوري.
كما أن حلفاء سوريا ليست روسيا وحدها، بل إن الاشتباك بين حلفاء روسيا وحلفاء أمريكا على أشده، ولا أوضح من الهجوم الصهيوني العربي على حزب الله وإيران، وحتى على الحشد الشعبي.
ثالثاً: هناك مكونات عديدة للمشهد حتى لو بدت جانبية. روسيا أوصلت ضغطها على تركيا إلى الحد الأقصى، وهي محكومة بتصدير الطاقة إلى تركيا، وتركيا تقدم إغراءات لإيران كي تخفف من دعمها لسوريا، وخاصة على إثر تقوية معسكر الليبراليين، وليسوا فقط إصلاحيين، وهي التقوية التي رد عليها الطرف الآخر بالتجارب الباليستية. 
لعل دمشق أقل حيرة من تركيا وإيران. فتركيا قلقة من التقوية الأمريكية والروسية للانفصاليين الكرد في سوريا (وهم بالمناسبة مستوطنون لجأوا لسوريا قبل أكثر من مئة عام، بعد الذبح التركي، وهذا مختلف عن كرد العراق وإيران)، هذه التقوية خطرة على تركيا وإيران، ولكنها ـ أي تركيا ـ تطمح في تفكيك سوريا واغتصاب حلب. وإيران قلقة حين ترى أن الصهاينة العرب واليهود يبنون جبهة ضدها مما يشاغلها في محيطها، وهو ما يهدف إلى ابتعادها عن سوريا وحزب الله، وفي الحالتين تضحية. فهل تتمكن من الإمساك بالموقفين؟ حتى اليوم نعم.
قد يكون الخاسر الأكبر في هذه الاختلاطات هم الكرد والفلسطينيين. . فالكرد الذين طالما تم استخدامهم فتحملوا العِصِيَّ ولم يصل فمهم الجزرة.
أما الفلسطينيون فيتم تلقفهم من كل اتجاه سياسي ومصدر مالي، ولولا الانتفاضة الحالية لكان الأمر سواداً مطلقاً. ذلك لأن قلة من الفلسطينيين في محور المقاومة، وكثيرون في محور الثورة المضادة بنفطها خاصة، وهناك وسطيون خبثاء يلعبون في المنتصف. والأخطر على الفلسطينيين أنهم أجبن من أن يقولوا للنفط كفى تآمراً على المقاومة، فما بالك أن يتخندقوا في معسكر المقاومة!
ويكون الرابح المباشر الكيان الصهيوني، فأي تعب على سوريا هو فردوس للصهيونية.
أما سوريا، فقد فهمت تماماً أن الأمر المذبحة هي ضدها كسوريا العروبة ورفض الاعتراف بالكيان، والإصرار على شرف السيادة الممتدة كحضارة حينما كان العالم بدائياً، وفهم كل ذي عقل في سوريا أن المؤامرة سابقة على 2011 وعلى 2003 وعلى 1991 وحتى على 1948. 
لذا تقول سوريا، لا تقرؤوا هراء القاعدة المقلوبة (كل كاتب بدولار)، بل اقرأوا ما يكتبه شرفاء من خارج الوطن، محايدون شرفاء لهم عقول ويعيشون بجهدهم، لقد كشفوا وأرخوا بدقة للقرار الإمبريالي الصهيوني (بشقيه اليهودي والعربي) بتدمير الدول العربية الجمهورية. 
هي حرب طويلة الأمد، ولا خيار سوى المواجهة.
@ كاتب فلسطيني