تحولات يافطات العدوان السعودي الأمريكي خلال عام
26 مارس 2015م: إعادة (شرعية هادي)
26 مارس 2016م: المأزق: وقف التداعيات في المملكة، وتثبيت (محمد سلمان) ملكاً

عامٌ استوفاه عمر العدوان السعودي الأمريكي العسكري المباشر على اليمن بين تاريخي 26 مارس 2015م و2016م، كان ولا يزال حافلاً بخليط معقد متناقض من التصريحات واليافطات الذرائعية الصادرة عن حلف العدوان إزاء تبرير حربهم الكونية على اليمن، وأغلب الظن حين ترصُّها تسلسلياً في شريط عرض صوري ستصاب بالوعكة العقلية والصداع، ولا شك أن ما سيتبادر لذهنك هو أن محاولة اعتبارها نسقاً منسجماً وطبيعياً ولو في الأدنى؛ محال بالمطلق، ويطابق محاولة تنفيذ معادلة مستحيلة -على الأقل للآن- هي مزج الماء والزيت.. هذا ما نستوضحه بمراجعة سريعة لما يمكن تسميته فلكلور اليافطات العدوانية.
فلكلور ذرائع وتصريحات تبرير العدوان لم يكن على وتيرة متسقة، لا مانع بأن تكون - على عكس ما هو قائم- تصاعدية منسجمة ومتصلة بأول نقطة في حبل الذريعة الطويلة التي أُعلن عنها دافعاً لشن الحرب على اليمن، فبين ليلة وضحاها تنقلب العناوين رأساً على عقب، فهل هي سياسية لـ(استعادة شرعية...) أم دينية و(حرب مقدسات) و(حروز هادوية وأحصنة بيضاء)؟ أهي من أجل الشعب اليمني و(وحدته وسلامة أراضيه واستقراره)، أم لتصفية حسابات إقليمية وحروب وكالة محضة... هكذا تبدو اللوحة على الأقل ظاهرياً، إذ تبدو خفايا الحرب ودوافعها هي هي ذاتها لدى العدوان، وباتساق تام معها، لكن دونما إفصاحها، وخلافاً لما جاهر العدوان به.
قبيل الشروع في العدوان، أسابيع منه، تقاطرت التصريحات الدولية والإقليمية في وسائل الإعلام، حول مستجدات الأوضاع في اليمن عقب 21 أيلول، وكانت تصريحات دول عدوان اليوم تتفاوت في حدة أقوالها بين مطالبة بالتدخل في ظل الفصل السابع، وبين ضرورة العودة لطاولة الحوار من الجميع، والتراجع عن التحركات العسكرية، لكنها جميعاً بدت -أول الأمر- متفقة حول (شرعية) الفار هادي وحكومته، وأمن ووحدة اليمن واستقراره.
المدعو تركي الفيصل، أمير سعودي وسفير سابق لدى الولايات المتحدة، أعلن في تصريح متلفز قبل أسبوع من بدء العدوان، أن بلاده (تدعم شرعية هادي سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً)، والحال ذاته تلك الآونة مع سعود الفيصل وزير الخارجية السابق، خلال تصريح صحفي له مع نظيره البريطاني، مضيفاً أهمية مواجهة إيران في اليمن، وعدم التفاوض معها، وعلى ذات الشاكلة كانت الجامعة العربية التي تقود دفتها وتدفع أجرها السعودية، بمعية منظومة السيطرة الدولية، والأمر عينه مع عمر البشير في مقابلة لقناة (الحياة) المصرية، وغيره الكثير، وكلها طالبت بالتدخل العسكري تحت ذريعة ما سموه: وقف التمدد الإيراني في اليمن عبر أنصار الله، وصون الأمن والسلم الدولي والإقليمي! اليافطة التي سبقت قميص (الشرعية) المزعومة للفار هادي. وإذ كانت الجامعة العربية، بما فيها مصر، تبرر الحرب على اليمن بأنها حرب (قومية عروبية) بمواجهة (القومية الفارسية)، تظهر تل أبيب أكثر بشاشة عن ذي قبل، فهي من جانبها رأت الواجب يحتم عليها الرد إزاء هذا التوجه المدعو (عربياً)، معلنةً أنها (صديقة السنة) بمواجهة أعدائهم (الشيعة)، كما جاء على لسان رئيس وزرائها نتينياهو، ولم يكن هذا الطرح مجرد ألاعيب كلامية على شاشات التلفاز، بل خرجت التصريحات عن العلاقات الإسرائيلية/ السعودية والعربية، وظهورها لحيز العلن سواء في الإعلام والصحافة الإسرائيلية أو الأمريكية والأوروبية، وقريباً قد ينضم الكيان الإسرائيلي للجامعة العربية، حسبما يطلب ذلك المخبول الإماراتي ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي، مؤخراً، على حسابه في (تويتر).
بادئ الحال، استقر خطاب العدوان مع بدئه في مارس العام الماضي، وتحديداً في أهداف: استعادة شرعية هادي وحكومته وعودتهم للعاصمة، و(تحرير المدن المحتلة) بما فيها صنعاء وصعدة، و(إسقاط الانقلاب)، و(حماية أمن اليمن واستقراره ووحدته)، و(الحيلولة دون تفكيك المجتمع اليمني وانزلاقه إلى صراعات وانقسامات اجتماعية على أسس مذهبية ومناطقية وجهوية)، و(حماية الأمن والسلم الإقليمي والدولي)، و(الالتزام بمبادئ الشراكة والتوافق)، وبسط كامل نفوذ اليمن على أراضيها، وأخيراً (مكافحة الإرهاب).
كان ذلك أبرز ما أورده بيان إعلان العدوان بعد منتصف ليل الـ26 من مارس 2015، وفي رسالة الفار هادي بأيام قليلة سابقة إلى قادة العدوان، ثم العودة والتنبه لها بعد ذلك في بيان مؤتمر الرياض منتصف مايو الماضي.. وعلاوة على ذلك، شددت أبواق العدوان على التذكير المتواصل بأن الحرب تهدف لإخماد نار (الطائفية) في البلاد، التي أشعلتها إيران وأتباعها، ووقف عمليات القمع التي يتعرض لها المواطنون، بحسب زعمهم.

اضطراب العدوان بين السياسة والإثنيات
الحرب سياسية.. أمريكا تضبط الإيقاع
اليافطات الآنفة سريعاً ما انقلب عليها أصحابها ضمن خطاب طويل للعدوان متسم باللا عقلانية واللا اتزان، وبين الخلفيات السياسية والخلفيات الدينية والطائفية وصراع القوميات والأعراق، ظل خطاب العدوان يتخبط دون الاستقرار على طرح واحد، فمن جانبها المؤسسات الدينية للعدوان، وخاصة السعودية منها، وعلى رأسها مفتيها عبد العزيز آل الشيخ والسديس قيم مكة...، أعلنوا أنها (حربٌ طائفية) بمواجهة (اليمنيين الشيعة الرافضة)، وبأنها (حرب عقيدة، سنة وشيعة لا توسط فيها)، نافين أن تكون (سياسية) بالمطلق، مؤكدين أنها: (إن لم تكن طائفية لجعلوها طائفية).
في قناة (العربية الحدث) تكرر ظهور سياسيين سعوديين يرددون أن حركة أنصار الله (لا تنتمي للزيدية)، بل هي (اثناعشرية)، مفيدين أن (الزيدية) معتدلة وقريبة من المذاهب (السنية)، ولا توجد (مشكلة) معها؛ لكن في تلك الأثناء (في شهر أبريل بالأخص)، وعلى النقيض من الطرح السابق، أخرج أتباعهم من عصابات الوهابية والإخوان، منتمين لها في بعض المحافظات اليمنية كمحافظة تعز، تردد: (برع برع يا زيدية...)، ونشرت تلك الفيديوهات على (يوتيوب)!
ومن جهة أخرى، بدأ العدوان يمعن التركيز بتأكيد هذا المنحى المتناسي للأهداف السياسية للعدوان التي أعلنوها، فطيران العدوان شرع باستهداف مواقع أثرية ووجدانية من التراث اليمني عموماً، بدأت بالزيدي منه، وأمعنت باستهدافه بشكل أكثر سفوراً وقصدية، كتدمير جامع الإمام الهادي بصعدة المتجاوز عمره 1200 عام، وكتدمير ضريح الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي في مران، بأكثر من 13 غارة، أواخر مارس ومطلع أبريل العام الماضي.
مباشرة، هرعت الصحافة الأمريكية، لا شك بإيعاز رسمي من البيت الأبيض، تسارع إلى إعادة ضبط الإيقاع العدواني الذي اختل بشكل فج عما كان مرسوماً، وعما أعلن من يافطات ذرائعية أمام الرأي العام الأمريكي في المقام الأول، وأمام الرأي العام العالمي، فمثلاً قالت صحيفة (واشنطن بوست) المقربة من الإدارة الأمريكية، في الـ10 من أبريل، إن (الحرب في اليمن) ليست طائفية، ولا يصح توصيف أنصار الله بالطائفية، مؤكدة أن الحرب سياسية، وأن بعض القوى تريد توظيفها خارج هذا الواقع، مضيفة أن أنصار الله لا تحركهم إيران التي هي لاعب هامشي في الميدان اليمني، طبقاً لوصفها. كما يفسر هذا الطرح لا سيما تلك الآونة حرص واشنطن على بقاء أجواء المفاوضات مع إيران بعيدة عن التعكير، ولذا لم يكن غريباً أن تعلن الحرب على اليمن من واشنطن، لكن مع تأكيد عادل الجبير، في ختام مؤتمره الصحفي، أن (الولايات المتحدة ليست طرفاً) في العدوان على اليمن.
وبرغم صحة هذا الطرح القائل بأن الحرب على اليمن سياسية اقتصادية؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن السعودية تواصل حركتها بذات الذهنية الداعشية المتواجدة في العراق وسوريا.
في السياق الطائفي نفسه، ظهر الفار هادي، مطلع مايو 2015م، على قنوات العدوان الرسمية، يلقي خطاباً استجلب عليه وبال السخرية الهجينة بالسخط من قبل المتابعين، بمن في ذلك مؤيدين له، ففي اللحظات التي انتظر فيها مؤيدوه خطاباً مطمئناً واستراتيجياً وتوجيهياً حول الخطوات المستقبلية في خضم الحرب الكونية على اليمن، يليق بمستوى رجل يشغل في نظرهم أعلى موقع سياسي في البلد؛ جاء هادي يتحدث عن: (الحروز الهادوية والخيول البيضاء)! ما جعل وقع الصدمة والدهشة قاسية عليهم، إذ لم يعد ممكناً التفريق بين (رئيس يدعي رعايته لكل الشعب دون تمييز، ويراهن عليه الآمال والخلاص)، وبين (رجل دين متعصب مشحون بالكراهية وغارق بالخرافات والتفاهة والدماء).
وخلال الاحتشاد العدواني للكيانات في المنطقة استجدت ذرائع كإضافات متأخرة بلهاء، تبدو كنوع من المجاملة المدفوعة الأجر أو تبرير الذات والتملص من حرج الموقف المتمثل بالاشتراك في الحرب على اليمن.. المغرب والسودان بانضمامهما لحلف العدوان، أبرز ما نضحا به من ذرائع إلحاقاً بما سبق، هو (الدفاع عن المقدسات الإسلامية) في السعودية من الخطر اليمني! وهكذا دواليك.

ضد الإرهاب، مع الإرهاب
اليافطة التالية التي اتخذت مبرراً ضخماً للعدوان، كانت (مكافحة الإرهاب) التي وضعت كأحد المسببات الرئيسية الهامة التي يزعم تحالف العدوان وعميلهم هادي أنهم شنوا الحرب على اليمن لأجلها، سواء في رسالة هادي، أو بيان إعلان الحرب. وهي التي سريعاً ما لبثت تزاح تدريجياً من قائمة الأهداف العدوانية، وسريعاً ما تضاءل الحديث عنها كأولويات. وفي الوقت الذي بدأت فيه القاعدة وداعش التفشي على مرأى ومسمع من العالم، خصوصاً في حضرموت وعدن ولحج وأبين ومأرب وشبوة، اشتعلت حملة الإعلام العدوان تبرر أنها قاعدة وداعش (عفاش)، وهو ما ألح بالتساؤل لدى المتابع: إذن، وكيف لا تستهدفها طائرات العدوان، خصوصاً وأنها تابعة لصالح الذي يقول العدوان إنه يستهدف قواته؟! ومن أبرز التناولات لهذا التساؤل كان على قناة (BBC) في لقاء مشترك بين مؤيدين ومناهضين للعدوان، قبل أشهر ثلاثة من الآن.
أحمد العسيري، ناطق العدوان، وبالتزامن مع إعلان القاعدة السيطرة على المكلا، وفي تصريح صحفي له أمام وسائل الإعلام، 2 أبريل العام الماضي، أي بعد مضي ستة أيام على بدء العدوان، ورداً على التساؤل ذاته: (لماذا ليست القاعدة وداعش هدفاً للطيران كما أُعلن؟)؛ أجاب بجملة وجيزة تختصر كل المعاني: ضرب مواقع القاعدة وداعش ليس من أولوياتنا!
في بيان مؤتمر الرياض، جاء ذكر (الإرهاب) -الذي يعد الخطر الأكبر المداهم للعالم- على استحياء في موضعين أهمهما المتناول في باب (المقررات) بالقرار رقم (7) الذي اكتفى آخر الأمر بعد كل تلك الجلبة حول (مكافحة الإرهاب)، بـ: (وضع استراتيجية وطنية بمشاركة كافة الأطراف السياسية والمجتمعية لمحاربة العنف والإرهاب، ومناهضة التعصب (الطائفي والمناطقي والمذهبي والسلالي)، والعمل على نشر القيم الوطنية والقومية والإسلامية وثقافة التسامح والقبول بالآخر)، وهو ما يعني ليس بالحرب على (الإرهاب)، بل بالثقافة والتعايش! والقرار نفسه يتناقض مع الهدف رقم (7) من باب (الأهداف)، الذي نص على: (تجنيب اليمن أن تكون مقراً لجماعات العنف والتنظيمات الإرهابية ومرتعاً لها... واتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة لتحقيق ذلك).
أما الفار هادي في حواره الأخير لصحيفة (عكاظ)، منتصف مارس الحالي، لم يختلف عن الطرح والتوجه السابق، فقد كانت الإجابة على سؤال حول وجود القاعدة وداعش في حضرموت وباقي الجمهورية، بقوله: داعش التي يديرها علي عبد الله صالح! على الرغم التصريحات الدولية بما في ذلك الولايات المتحدة، حول وجود القاعدة وداعش وتوسعهما المستمر لا سيما في المحافظات الجنوبية، إضافة لإعلانات التنظيمين عن وجودهما وسيطرتهما على عدة مناطق يمنية، وإقامة إمارات لهما، وعن العمليات المصورة العسكرية والإجرامية بحق الجيش اليمني مرات متتالية.

الأمن القومي العربي
العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، لطالما استخدم يافطة حماية (الأمن والسلم الإقليمي والدولي) الذي يهدده اليمن، كما سبق وروجت دول العدوان قبيل شن حربها على اليمن، والغرض الأبرز لهذه اليافطة لا جدل بكونه توسيعاً دولياً لشركاء الحرب على اليمن، وتبرير كسر قمقم (العروبة) المدعى، ودخول الحلفاء الدوليين أصحاب القرار الفعليين في الحرب على اليمن تحت مظلة الأمن والسلم الدولي. وهو ما فعلته الولايات المتحدة وغيرها، بذريعة حماية أمنها القومي.
مؤخراً نشرت (نيويورك تايمز) الأمريكية جانباً لجلسة استماع في الكونجرس الأمريكي حول مستجدات المنطقة، وعن اليمن تساءل السيناتور الديموقراطي كرستوفر ميرفي: (من خلال قراءتي للصراع في اليمن لديَّ صعوبة في معرفة ما هي مصالح الأمن القومي الأمريكي في ذلك). فيما كان أهم مقطع من رد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: (إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تدعم كل حروب السعودية التي تخوضها بالوكالة بمواجهة إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط). وفي العدد نفسه من الصحيفة، رجحت أنه قد لا يلعب هادي أي دور في تسويات سياسية قادمة.. وهُنا تسلك الولايات المتحدة طريقها المعتاد، التملص من الحلفاء ونجدة نفسها قبل دوي الخسارة المتوقعة.
اللافت في ذريعة (اليمن تهديد للأمن...) كان دعوى (تهديد الأمن القومي العربي) الذي تشكله اليمن! إذ اعتبر باب المندب خاصةً تهديداً لمصر وللكيان السعودي والنفط العالمي...، في حالة حكم أنصار الله البلاد، الذين هم بحسب العدوان مسيرون من قبل إيران، ويتحركون في فلك مصالحها. لكن لو افترضنا جدلاً صحة الطرح السابق، أليس الكيان الإسرائيلي لا يقل خطورة على الأمن القومي العربي وكامل الوجود العربي؟
في غمرة اندفاع العدوان أول أكتوبر، ظهر بني هانتس رئيس الأركان السابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يقول في محاضرة أقيمت في أمريكا، إن الخطر الذي يمثله باب المندب على أمن إسرائيل يفوق الخطر الذي تمثله إيران، موضحاً توجه الاستراتيجية الإسرائيلية في إطار العدوان لتأمين المنفذ.
في الإعلام الإسرائيلي كان وصف أنصار الله، وتحديداً في (القناة العاشرة)، أنهم حزب الله آخر في العداء ضد الكيان المستمد من ثقافتهم التي شبوا عليها، لا في كون أنصار الله يوالون إيران، ولذا اعتبرت بدورها وصول أنصار الله لباب المندب يضع إسرائيل على المحك.
ويذهب مراقبون إلى أن ما دفع الكيان السعودي لشن العدوان على اليمن، هو الأمن القومي الإسرائيلي لا العربي، ويؤكد ذلك ما تناقلته الصحافة الغربية والإسرائيلية عن العلاقات المتينة بين الكيانين السعودي والإسرائيلي، كانت آخرها تقارير (يديعوت أحرونوت) التي تحدثت عن الدعوة الصادرة عن نتنياهو لإعلان العلاقات جهاراً مع ما يطلق عليه (دول الاعتدال العربية) كالخليج وغيرها، وتم تناول هذا الخبر بمصادقة أمنية إسرائيلية، وعقب زيارة مسؤول صهيوني رفيع للرياض. علاوة على ذلك، أضاف الباحث الأمريكي في معهد (واشنطن) للدراسات سايمون هندرسون، عن مسؤول رفيع المستوى في سفارة إسرائيل، أن التعاون والتحالف بين العرب، وخاصة السعودية، وبين إسرائيل، يعد مكسباً ضخماً وقوة بالنسبة للأخيرة، وهو تعاون وثيق وبدأ قديماً وفق ما يذكره، كان آخره في الحرب على اليمن، والذي حرصت إسرائيل أن يكون سراً، كما حرصت أن تضرب طائراتها فوق رؤوس اليمنيين، طبقاً لما نقلته صحيفة (رأي اليوم).
في السياق ذاته حول أهداف العدوان المبطنة، يؤكد الصحفي البريطاني بيل لو الخبير في شؤون الخليج والشرق الأوسط في (الإندبندنت) البريطانية، من خلال دراسة له نشرتها الصحيفة، أن الإماراتيين ذهبوا إلى الحرب على أمل الحصول على عدن والجنوب باعتباره منطقة نفوذ استراتيجية لهم.
بجانب ما سبق، لا غرابة أن يكون من الدوافع الرئيسية لشن الحرب على اليمن، هو البحث عن منفذ هروب لحل صراع الأقطاب الداخلية للعائلة الحاكمة في الرياض، وسريعاً قبل تفجرها بحدة، إضافة لصراعها المهووس في المنطقة أملاً ببسط سيادتها عليها بالمطلق، وترسيخ قواعد تفاوض لصالحها، خاصة وأن إيران فرضت وجودها في المنطقة أمام القوى العالمية التي سلمت أنه لا يمكن تجاوزها، فالعالم اليوم صار محكوماً بهوس السلطة وشبق الربح، التي تغدو أمامها الإنسانية جمعاء محض تذكرة عبور ولا رقم لها بعين هذه النزعات القميئة والمروعة.. وقد ظلت تكرر الصحف الدولية من (الجارديان) البريطانية إلى (التايمز) الأمريكية وغيرهما من الصحف، أنه وضمن جملة من الدوافع المتشابكة المتعددة الجنسيات عدا الجنسية اليمنية، وقعت الحرب على اليمن.
وقد لخصت (الإندبندنت) البريطانية جانباً من دوافع العدوان الخفية بحنكة بالغة، فقالت إن الحرب على اليمن وفوضاها العارمة التي تطوف أرجاء البلاد، هي كوكتيل أمير معتوه (محمد بن سلمان) ظن أن انتصار العدوان على اليمن سيمكنه سريعاً من إزاحة منافسه محمد بن نايف الذي تعده الإدارة الأمريكية لامتطاء العرش، مضيفة أن هادي وشرعيته (سيرمى للذئاب) بعد أن استخدمته وحكومته لخوض حربها لا أكثر، وبأن التفاوض الآن مع القوى الوطنية في اليمن يجري، لكن وفقاً لشروطهم، مما سيصيب هادي بالحزن.
إنها صدمة هائلة لواهمي العدوان وأبواقه الذين راهنوا عليه جلبابهم للثراء والعودة للفردوس أو دخوله، وربما لا فرق لدى صحف العدوان وإعلامه كصحيفة (الرياض) أن الحرب على اليمن انتصرت وحققت (إنجازات ساحقة) ساعة قالوا انتهت (عاصفة الحزم) وبدأت (إعادة الأمل) في أبريل الماضي، دون أن يعود شيء عدا الشعور السابق بالخذلان وفزع فقدان المصالح بتفجر ثورة 21 أيلول، وهو ما يؤكده واقع اليوم، ويزيد عليه العالم تأكيداً أن يافطات العدوان جلها كذبت، والمآرب الفعلية للعدوان فشلت لا محالة.

تأمين الخليج واشتراط الملك
قميص (الشرعية) و(وحدة) اليمن واستقراره وأمنه، كثيراً ما نسفتها تصريحات العدوان، وألقتها غير آسفة أو آبهة مع كل منعطف حاسم يمرون به. على عكس ما أعلنه العدوان عن إعادة الحكومة الشرعية للأراضي اليمنية بعد فرارها إليه، رد العسيري في تصريح للإعلام أواخر ديسمبر، على سؤال: لماذا لا ترسل السعودية قوات إلى عدن لتعزيز أمن (الحكومة الشرعية)؟ فأجاب أن أولوية بلاده تأمين الحدود الآن، وليس الحكومة اليمنية في عدن وبقاءها من عدمه.
وفي مقابلة (عكاظ) السعودية مع هادي، سأل المحاور: (التحالف العربي في 310 أيام ماذا حقق؟)، فأجاب: (حقق الأمن والاستقرار لدول الخليج؛ لأن إيران إذا كانت سيطرت على اليمن، فإن دول التحالف ستكون تحت نظر إيران، والتحالف نجح، وعاصفة الحزم أرعبتهم(.
هادي بحديثه المقتضب المتوخي الحذر، أفصح عن حقائق ناقضت تماماً جل ما قدمه العدوان على اليمن من يافطات ذرائعية.
فعلاوة على إيجازه انتصار العدوان كما يزعم بتأمين الخليج، وربما عمداً، أفلت من لسانه ما تتم طباخته في كواليس العدوان عن انفصال (مرتب) عبر بوابة (دولة كونفدرالية من ثلاثة أقاليم) كسبيل اعتبره وحيداً أمام الحراك الجنوبي، وجاء ذلك كرسالة للحراك المتشنج بمطالبه على الساحة الجنوبية.
(الانضمام لمجلس التعاون الخليجي يكون باستثناء صالح والحوثي). هكذا أجاب هادي عن اشتراط الملك سلمان لقبول عضوية اليمن في المجلس، و(صالح والحوثي) بحسب ما يفيد هادي في سرده لوصف الجغرافيا اليمنية، ليسا بشخصهما، بل ما يقتطعانه من جغرافيا الشمال المؤتمرة لهما. وتأكيداً يستمر هادي بالإجابة لأسئلة مدروسة بعناية، عن الشمال والجنوب، إذ واصل الحديث طيلة المقابلة عن بلدين لا بلد، هما الشمال والجنوب، وعن خصائصهما والفوارق بينهما، حتى في ما يخص من حوله من (الشماليين) كعلي محسن، منتهياً آخر الأمر باعتبار الصراع الدائر والعدوان هو صراع جغرافيا الشمال مع الجنوب. ويعزز هذا ما أعلنه هادي في خطابين شهيرين له قبيل العدوان بأيام وبعد العدوان، بأنه (سيرفع العلم اليمني في مران) كحالة يعيشها هادي من الاستعداء للجغرافيا، ويستثمرها العدوان كحيلة للاستفراد بالمناطق اليمنية وعزلها عن بعضها في سياق مشروعه التمزيقي للبلاد.
وعن يافطة الحوار والتوافق والشراكة التي استمر العدوان بترديدها مرجعية أساسية له، يتناقض معها بالرفض المتواصل الاعتراف بـ(اتفاق السلم والشراكة) الموقع عقب ثورة 21 أيلول بين جميع القوى السياسية اليمنية، وباركته الأمم المتحدة ومجلسا الأمن والتعاون الخليجي، وطالبت بالالتزام، فلا في بيان الرياض ذكرته، ولا في جولات المفاوضات (جنيف 1و2) قبلت الاعتراف به.. ومن ناحية أخرى، فإن طلب سلمان الذي ذكره هادي في الحوار عن إزاحة (الحوثي وصالح)، في حال اعتبر توجهاً ضد أشخاص، يعد تناقضاً صارخاً مع ما جاءت به القرارات الدولية والاتفاقات الداخلية التي أشرف عليها دولياً وإقليمياً.