125 ألفاً، وأكثـر من 17.600 أسرة نازحة في العاصمة صنعاء  
البدايـــة مــــن الصفـــر

يعيش النازحون أوضاعاً صعبة في اليمن، وبالذات في العاصمة صنعاء. البعض يتعامل مع هذه الشريحة الكبيرة التي فقدت كل ما تملك بتصرفات غير مسؤولة، سواء كانت هذه التصرفات من قبل الجهات الرسمية أو المنظمات المشهود عنها أنها غائبة الدور تجاههم، أو من الجمعيات أو المواطنين. فالنازحون لا يملكون شيئاً، فقدوا كل ممتلكاتهم ومحلاتهم، وأصبحوا مشردين في كل مكان، يبحثون عن حياة آمنة ومستقرة، والعودة الى ديارهم. آملين العمل الجاد إلى مساعدتهم ودعمهم في كل الجوانب التي يحتاجونها في مخيماتهم، وفي شققهم، سواء كانوا في العاصمة صنعاء أو في الأرياف والمدن الأخرى. في هذا التحقيق سنرصد بعض معاناة النازحين في العاصمة صنعاء. 
فوزية عبد الولي تبلغ من العمر 51 عاماً. في مصادفة خاطفة لا تتعدى الخمس دقائق جمعتنا معها في حي سوق القاع بالعاصمة صنعاء، لتقاطع حديثي مع صاحب المحل عن الحرب والقصف والعدوان على تعز. 
قالت فوزية إنها نازحة في صنعاء منذ حوالي أربعة أشهر، متنقلة بين أقاربها بين الحين والآخر، وطلبت من الله أن يوقف هذه الحرب حتى تتمكن من العودة الى منزلها في تعز، والعيش فيه، رغم أنه مدمر بقصف طيران العدوان السعودي. متابعة حديثها بقولها إن العدوان قصف منزلها بعد أن نهبت كل محتوياته من قبل مسلحين تابعين (للمقاولة).
فوزية واحدة من آلاف النساء والأسر النازحة والمشردة المتواجدة في العاصمة صنعاء، والتي قدمت من مدينة تعز هروباً من قصف العدوان، وبلطجة يمارسها مرتزقته ضد المواطنين، حتى جعلوا أهلها أذلة وضحايا ضياع ومأساة، وفقدانهم كل ممتلكاتهم وحقوقهم المادية والمعنوية في الحياة.  

إحصائية مخيفة
قال مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين عبد الوهاب شرف الدين، في تصريح سابق، إن عدد النازحين في محافظة صنعاء والأمانة في آخر إحصائية وصل إلى 125 ألف نازح، وأكثر من 17.600 أسرة نازحة، وأشار إلى أنه وصل أيضاً الى العاصمة آخرون لم يتم تسجيلهم منذ أسبوع، ومتوقعاً زيادة العدد إلى 350 ألف نازح.
وأضاف شرف الدين، عن دور المنظمات تجاه النازحين: الحقيقة أن دور المنظمات الدولية والمحلية وفقاً للوضع، يكاد يكون غائباً، وكما هي عادة اليمنيين من التراحم والترابط والتكافل الاجتماعي، فنجد أن المجتمع هو من يقوم بدور لا بأس به في عملية الإغاثة وتقديم المستطاع من المساعدات، إلى جانب بعض رجال الأعمال ـ وليس الكل ـ الذين يقدمون الدعم لهم. 
وتابع بقوله: يجب على الجميع أن يتفاعلوا في هذا الجانب. كذلك لا ننسى الدعم والمساعدة التي قدمتها شركتا (يمن موبايل) و(تيليمن للاتصالات)، فهؤلاء لهم دور بارز في دعم النازحين، داعياً بقية القطاعات الاقتصادية من خلال الصحيفة، إلى التفاعل والمساهمة في دعم النازحين.. ويجب أن يكون هناك دعم سخي للنازحين، وأن يكون لهم اهتمام خاص ومتزايد، كونهم بحاجة إلى من يخفف من معاناتهم ومتاعبهم وآلامهم وهمومهم ومشاكلهم.
ووجه مدير الوحدة التنفيذية نداءً عاجلاً إلى اللجنة الثورية العليا بأن يعملوا على إصدار قرار باستقطاع قسط يوم من مرتبات موظفي الدولة لصالح النازحين الذين هم بحاجة للتخفيف من معاناتهم، وكونهم بحاجة لمن يساعدهم ويقدم لهم الدعم اللازم. كما وجه رسالة الى المنظمات الحقوقية والجمعيات الخيرية وجميع رجال المال والأعمال، بأن عليهم القيام بدورهم الفاعل تجاه هؤلاء النازحين الذين هم بحاجة لمساعدتهم.

تحت الأمطار ينامون 
ينام مئات النازحين في العاصمة صنعاء على أرصفة الشوارع الرئيسية تحت الأمطار وتحت الشمس الساطعة وجوار ضجيج السيارات. في لقاء لصحيفة (لا) مع عدد من النازحين جوار سور الجامعة القديمة وأحياء أخرى، قال زيد محمد علي البالغ من العمر 28 عاماً، إنه نزح من تعز الى العاصمة ليستأجر له دكاناً صغيراً لمدة شهرين في بداية الأمر. ولكنه ـ حسب قوله ـ عجز عن الاستمرار في دفع الإيجار بسبب وضعه المادي الصعب، مما أرغمه على ترك سكنه والخروج الى رصيف الجامعة القديمة، لينصب مرقده هناك. وذكر أنه قبل أسبوع نصب خيمته الصغيرة جوار ثمانية مخيمات صغيرة لنازحين سبقوه الى جوار سور الجامعة. 
النازحون قالوا لصحيفة (لا) إنهم لا يملكون إلا هذا الرصيف، بعد أن نزحوا وشردوا من منازلهم في تعز وعدن والبيضاء الى هذا المكان الذي لم يتوقعوه في ذات يوم، حسب قولهم، وهو الرصيف، راضخين للأمر الوقع، ووضعهم المادي والمعنوي المحطم. ورغم هذا كله إلا أن هناك أخباراً قالوا إنهم أبلغوا بأن أمين العاصمة سوف يقوم بجرف مخيماتهم الصغيرة والعشوائية المتواجدة جوار سور الجامعة القديمة، والتي يقدر عددها بحوالي 10 الى 15 خيمة في نفس المكان، وأغلبية النازحين هناك لا تتجاوز أعمارهم الـ30 عاماً، يداومون على رصيفهم باحثين عن أمل من وجوه المارة وسائقي السيارات التي لاتسمن ولا تغني من جوع.
بعضهم ينتظر عملاً، وآخر يقوم بجمع الخردة والقناني البلاستيكية لبيعها على محلات الخردة بأسعار زهيده لا تفي بقضاء صرفتهم اليومية، حسب قولهم. 
   
نازحون من تعز
تسمع قصصاً كثيرة بين النازحين، وجميعها محزنة، وأخرى عن مغامرات نجاتهم من الموت المحقق. سمعنا ونحن نرصد هذا التحقيق أن أحد النازحين فقد سيارته ومحله، وآخر فقد شخصاً من عائلته أو طفلاً له، وثالثاً فقد أسرته بالكامل. في هذا اللقاء الذي كان مع إحدى الأسر النازحة في العاصمة صنعاء، قالت لنا بعبارة محزنة إنها فقدت كل ما تملك في تعز: منزلها تدمر، وكل محتوياته نهبت، وبقي لها أرضية المنزل. وقد تتمكن من سرقتها عصابة ولصوص حمود المخلافي. وتابعت قولها إنه في حالة توقفت الحرب وتمكنا من العودة، سوف نعود الى الصفر.
نشطاء حقوقيون أفادوا أن النازحين فقدوا كل شيء، والبعض منهم فارق الحياة، وهناك معلومات أن بعض النازحين مصابون بحالات نفسية وإحباط، ومنهم من أصبح مجنوناً في الشوارع بسبب الفراغ والبطالة والتشرد. الى جانب ذلك هناك أسر تمزق نسيجها الاجتماعي، وهناك حالات طلاق كثيرة بين النازحين.
وأشارت ناشطة حقوقية إلى أن النازحين بحاجة الى اهتمام ورعاية كاملة في كل الجوانب الصحية والنفسية، وتوفير كل احتياجاتهم أسوة بالمواطنين غير النازحين.
أما عبد الله الصلوي فقال إنه نزح مع أسرته جميعاً الى العاصمة صنعاء، بعد أن اكتظ الحي الذي كان يقطن فيه بمدينة تعز بالمسلحين التابعين (للمقاولة) التي قال إنها تقوم بتصرفات سيئة ضد أبناء حيهم خاصة، وأبناء تعز عامة. وعبر بقوله إنه أثناء نزوحه إلى صنعاء لم يصل بتلك السهولة، فقد كلفه ذلك مبالغ كبيرة، وواجه صعوبات عدة حتى غادر تعز، وهذا ما حصل ـ حسب قوله ـ مع الكثير من الأسر التي يعرفها.
وأشار الصلوي الى أن قصف العدوان الكثيف على مدينة تعز تسبب في وفاة الكثير من المواطنين، وتدمير أعداد كبيرة من المنازل، وكل مقومات الحياة، مما حول شوارع المدينة الى مكان أشباح ومخيف يعتليها القناصة مرتزقة العدوان.

أمراض نفسية تهدد النازحين    
في أحد المخيمات العشوائية في العاصمة صنعاء، وجدنا أن جميع النازحين يعانون أوضاعاً صحية صعبة، خاصة أثناء فصل الشتاء، حيث انتشرت أمراض عدة كالتيفوئيد والروماتيز والإسهال والربو، بسبب البرد، والحمى بين النساء والأطفال وسط انعدام الخدمات الطبية والاحتياجات الأساسية.
وعن الوضع النفسي قال مختصون إن غالبية النازحين يعانون من صدمات نفسية، خاصة الأطفال، نتيجة الفزع والهلع الذي تعرضوا له. (وهم بحاجة ماسة إلى عناية نفسية مستمرة). ويعاني غالبية النازحين في العاصمة صنعاء نقصاً حاداً في المواد الغذائية والطبية ومياه الشرب النقية، والخدمات الأساسية. 
وقالت إحدى النازحات لصحيفة (لا) إن النازحين لم يحصلوا على أي دواء، وإنهم بحاجة ماسة الى العلاج والأغطية والملابس والمخيمات التي تخفف من معاناتهم، وتقيهم من انتشار الأمراض.
ويشكل الأطفال نصف النازحين البالغ عددهم أكثر من 2,3 مليون شخص، والنصف من 19 مليون شخص يكافحون يومياً للحصول على حصصهم من المياه، فيما يهدد خطر سوء التغذية الحاد والتهابات الجهاز التنفسي حوالي 1,3 مليون طفل دون سن الخامسة، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
 وطالب عدد من النازحين، أثناء زيارة الصحيفة لمخيمهم، الضمير الإنساني بتقديم المساعدات الإغاثية لهم، وتوفير الأغطية والخيام المؤهلة للسكن والمواد الغذائية والأدوية، حيث إنهم يكابدون حرارة الشمس نهاراً ولفحات البرد ليلاً. ولا تتوقف معاناة النازحين عند تشردهم وفقدانهم كل ممتلكاتهم، وتضيف لهم الظروف المناخية أعباء صحية أخرى.

نازحون من صنعاء الى صنعاء
منذ أكثر من عام، يمضي (جمال وعادل) وعائلتهما المكونة من سبعة أفراد، أياماً عصيبة في غرفتين صغيرتين شمال العاصمة، نزحوا إليها من قصف العدوان على نقم، حيث منزلهم الذي تدمر بالكامل.
جمال وعادل أجبرا على النزوح، ومثلهما آلاف الأسر أجبرت على النزوح الداخلي من مساكنها في العاصمة صنعاء، حسب تقديرات منظمات محلية، إنهم نزحوا من أماكن واقعة بالقرب من جبلي عطان ونقم وألوية الحماية الرئاسية بمحيط دار الرئاسة، شرقي وجنوب العاصمة.

 البحث عن مستأجرين 
بسبب موجة النزوح الكبيرة اندفع ملاك العقارات الفخمة في حيي عطان ونقم، إلى تأهيل البعض لمنازلهم مؤخراً، حيث قاموا بتخفيض أسعار إيجارات الشقق السكنية.  
عبد الوكيل قال إن أحد المؤجرين عرض عليه أن يؤجر له شقة فخمة مقابل 25 ألف ريال يمني كإيجار شهري. وأضاف أن المالك اشترط عليه في حال انتهت الحرب، أن يدفع 50 ألف ريال.
وفي الآونة الأخيرة شهدت أحياء وسط العاصمة ازدحاماً كثيفاً بالسكان، كالدئري، السنينة، هائل، والرباط، لبعدها عن أماكن القصف التي مازالت هدفاً لغارات طيران العدوان.. وحسب سكان محليين قالوا إن الإيجارات ارتفعت، وزاد الطلب على استئجار الشقق، لكن حسبما قالوا لـ(لا) فإن المؤجرين رفضوا تخفيض الإيجارات. وفي ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية في العاصمة، وانخفاض نسبة الدخل، وتسريح عشرات وربما مئات آلاف العمال جراء إغلاق الكثير من المنشآت أبوابها، خَفض بعض ملاك العقارات 50% من السعر السابق للإيجارات.

 عوائق أمام الإغاثة 
وأشار عبد السلام سلطان، في تصريح صحفي سابق، بشأن عوائق أعمال الإغاثة، إلى (غياب التنسيق بين الداعمين والعاملين بالميدان، عدم وجود قاعدة بيانات، وطغيان الجانب السياسي على العمل الإنساني، ما يعني صرف مساعدات متكررة لنازحين محددين، بينما آخرون محرومون تماماً).
ويعطي هؤلاء النازحون صورة سوداوية لأوضاع ملايين السكان المعدمين، الذين قذف بهم الصراع في المدن والأرياف بعيداً عن ديارهم. وتشير منظمات دولية إلى أن (الجيل الجديد في اليمن سيعاني أضراراً ربما لا يمكن التعافي منها إذا لم يتم التدخل في الوقت المناسب).