إن ترسيخ الاحتلال وإقامة قواعد تأبيده، وسلخ الجنوب وسعودته وأمركة الساحل الغربي والحديدة وميدي وباب المندب وخليج النفط والجزر الكبرى من سقطرى إلى كمران وزقر وميون، والاستيلاء على القلاع والجبال والمرتفعات المنيعة الشامخة غرب جنوب تعز التي تتحكم بالملاحة في البحرين الأحمر والعربي من قلعة المقاطرة ومنيف وإرف وصبر والمنصورة وراسن وحنو والجاهلي وميراب، لهي أهداف السيطرة الامبريالية على تعز الآن، لأنه دون هذه الأهداف لا يمكن له تحقيق تموضعه المطلوب وتأبيده.
 إنهاك العدو على جبهات الساحل الغربي لتعز
بعد حملة الـ150 يوماً-المنكسرة- يكون العدو قد أصيب بالإنهاك والانهيار، والرسالة السرية الموجهة من قيادة جبهة المضاربة ورأس العارة، الأسبوع قبل الماضي، إلى قيادة العدوان، تشكو بحسرة من حالة الانهيار التام الذي تعاني منه الجبهة بعد الانتصارات التي حققها الجيش اليمني واللجان الشعبية بعد السيطرة على مواقع حيوية في راسن والحجرية مشرفة على قواعد العدو في رأس العارة والمضاربة والمندب، وتحذر الرسالة من كونهم يريدون الانسحاب وتسليم الجبهة لغيرهم من المرتزقة.
حيث يؤكدون حقيقة فقدانهم الأمل في تحقيق أي تقدم ولطيلة عامين من الهزائم.. لتصير هذه المواقع المنهارة معنوياً واستراتيجياً -كما ذكرنا في عدد الصحيفة قبل الماضي- ميداناً متاحاً للوطن أن يحرك خياراته فيها، خاصة وأن المرتزقة لم يعد لديهم الدافع للاستماتة في الدفاع، من إدراك بأنها أهداف مستحيلة وعبثية، إذ يزج بهم العدوان في مغامرات دامية مميتة بلا جدوى.
إن كل تحرك للعدو، يفتح مقابله خياراً عسكرياً للقوات اليمنية، وموفراً لها الشروط الملائمة وبنضوجٍ أفضل من سابق؛ فكل هجمة يخسرها العدو تنقص من حجم طاقاته وتراكم المزيد من انهياراته.
وفي هذا السياق، نجدد التأكيد على أن جيب المرتزقة المفتوح كخطي الإمداد الأخيرين: تعز لحج، المار عبر طور الباحة - المضاربة - الوازعية - الشمايتين - المعافر، لابد من إغلاقه من وهو بداية كل عمل حاسم ينهي العدوان على تعز وعلى الساحل الغربي وعلى الحديدة، لأنه الشريان الأخير الذي يضخ الدماء والقدرات للعدوان، ويهدد خطوط الجيش واللجان من خلفه، كما يواصل تزويد العدو بزخم كبير باتجاه محاولات اجتياح تعز الشرقية، وقطع طريق الجيش واللجان بين الحوبان والبرح - مقبنة - موزع، وجعل الجيش اليمني بين مطرقة المرتزقة من الشرق وسندانها من الغرب المتجهة من الساحل نحو الكدحة بالمعافر ومفرق البرح.

اختراقات استراتيجية في جدار دفاع العدو الخلفي
لكن اختراق الجيش الموفق في نقطة العفيرة -البيرين- المعافر، ونقطة راسن - الشمايتين - المساحين - التربة، وفي نقطة الضعيف - الوازعية - النشمة، تجعل العدو بوضع المحتضر، وأعادته لنقطة الصفر، وأفشل المخططات العدوانية المراهَن عليها.
 
تحكم الجيش اليمني بسير المعارك
مازال الجيش اليمني يفصل بين قوات العدوان الأجنبية القادمة من الساحل إلى شمال المخا وشرقها بغرض التقدم نحو هضبة تعز عبر موزع وحمير والمعافر والكدحة، ويعزلها عن قوات المرتزقة الداخليين الذين يسيطرون على غرب تعز ويقفون خلف الجيش على طريق تعز - طور الباحة لحج، في شريط هو ما يمنيهم في تحقيق تقدم على الجبهة، عبر هجومات مزدوجة تتقدم من الداخل والخارج القادم من الساحل الغربي، حيث تتلاقى مع العدو الغازي في نقطة التمفصل الممسك بها الجيش بقبضة من فولاذ.
وبعد معارك ضارية تمكن الجيش واللجان من شق قوات المرتزقة التي كانت تسيطر على جبال ومرتفعات حاكمة على الطريق بين الكدحة والمعافر ومقبنة في جبال الروي والشقيراء، والتقدم على جبهة الكدحة - المعافر - البيرين، على بعد 4 كيلومترات عن الخط الرئيس لإمداد العدوان، والتي تتعاضد مع ما تحقق من إنجازات وطنية عميقة طوال الأشهر السابقة على مؤخرة المرتزقة في مقبنة وجبل حبشي والمعافر، وهي المناطق التي كانت تفصل قواتنا عن جبهة الكدحة - المخا - ذوباب، وتسمح بالتسرب لقوات المرتزقة عبر تلك الجيوب، كما حققت الاختراق في داخل عمق المرتزقة وحواضنهم المحيطة بتعز الغربية.

كسر محاولات السيطرة
على القصر الجمهوري
منذ خسر العدو معارك الكدحة -وآخرها الخميس الفائت- والمعافر وموزع، انهمك ببناء خط دفاعي كثيف على امتداد الخط الإمدادي الأخير بين تعز وطور الباحة.
وهو يريد تبريداً مؤقتاً للمعارك على خط البيرين - الكدحة، ومحاولة تكثيف المعارك نحو وجهة القصر الجمهوري شرقاً التي لم تنتج عدا المزيد من الاستنزاف والخسائر، حيث تواصلت لأكثر من أسبوعين، سقط فيها مئات القتلى والجرحى في صفوف العدو، لدرجة أن تباكت صحافة المرتزقة في عدن بذاتها حول حجم التضحية الكبيرة بالشباب -كما ذكرت- بدون هدف يستحق، وتساءلت ما الهدف من ذلك؟
أما في جبهة البيرين الحساسة، فالعدو مازال يعيد تنظيم قواته وتعويض الخسائر في المعدات المرجو وصولها من لحج، ولإشغال الجيش بتهديد قطع خطوط تقدمه على خط الستين من جهة الحوبان طريق تعز - المخا، عبر محاولة الاستيلاء على القصر الجمهوري.
غير أن العدو يعاني من أزماته الاستراتيجية، ولا يملك الطاقات التي تمكنه من شن هجومات مضادة كبيرة من الصنف الاستراتيجي التي تغير ميزان السيطرة على الأرض، وإنما غاية العدو هي تشتيت ذهن القوات المدافعة عن تعز.
لقد بني القصر الجمهوري ليوفر أفضل شروط الدفاع والهجوم، كما يهدف العدو إلى تثبيت القوات العسكرية في مواقعها، وتخفيف الضغط على خطوط العدو- جنوباً، والخوف من توسيع الثغرة التي فتحها الجيش في جدار دفاعات العدو نحو النشمة - البيرين - بني عمر - التربة، وخاصة بعد أن سقطت جبال راسن العالية المشرفة مباشرة على منطقة التربة والحجرية، أي على الخطوط القادمة من لحج عبر طور الباحة ورأس العارة - المضاربة.
إن الحصن الأكبر في بنية الدفاع الاستراتيجي لمرتزقة العدوان في تعز الغربية ينهار اليوم بضربة جديدة كبرى للعدوان بسقوط جبال راسن، وسيترتب عليها انهيارات لأوضاع كثيرة. ويعني تحولاً جديداً في مسار المعركة عموماً، وحول الجيب العدواني الأخير للعدوان في قلب تعز.

راسن - المفتاح الاستراتيجي - للتربة والحجرية من الغرب
الجيش اليمني يلتف
 على مؤخرة العدو
الاسم بالحميرية القديمة يعني الرأس الجبلي العالي والقمة المرتفعة، وقد تمسك المرتزقة بهذا الرأس لفترة طويلة، لأنه يؤمن طريق إمداداتهم من لحج ورأس العارة والمندب، ويقطع الطرق على تقدم الجيش واللجان في المحاور القريبة منه وحواليه.. وتقطنه قبائل حميرية قديمة العهد شديدة البأس في القتال، تميل إلى الرعي والعيش البدوي والحياة البسيطة المتقشفة والاعتزاز بالذات والشجاعة، وكراهية حكم الأجنبي والغزاة والضيم، إنها قبائل تحب الحرية والسلم.. وقد تم تأمين الجبل تحت قيادة الجيش واللجان بتعاون القبائل الوطنية المحلية التي أدركت الأخطار المحيطة بالوطن من قبل العدوان.
إن التقدم في راسن يعني أن الجيش يتقدم الآن على مؤخرة العدو من الجنوب والغرب في آن، ويعني إمكانية قطع طريق التربة - لحج، ليفصل العدو عن أهم قواعده الرئيسة في رأس العارة والمضاربة والمندب، الأمر الذي يؤدي إلى إكمال طوق الحصار الاستراتيجي الطويل.

ساحة الصراع
إن مواصلة تقدم قواتنا الوطنية على هذا الطريق الرئيسي الباقي للإمدادات، يهدد العدو بإيقاعه في حصار شامل من كل الاتجاهات، تمهد للقضاء عليه، ولذلك أصبحت المعركة المنتظرة، على هذه النقطة المفصلية التي يزحف إليها الجيش واللجان بثبات، وهذه النقطة المفصلية تشكل ساحة الصراع الرئيسية حالياً مع العدو غرب تعز.
من هنا فإن العدوان وهو يحاول السيطرة على الجنوب، أضحى عاجزاً عن ذلك مادامت تعز لا سيطرة له عليها, وليس أمامه سوى خيار واحد: السيطرة على بعض تعز ليحمي عدن المحتلة والجنوب كله، وباب المندب، وهو ما يدفع الغربيين إلى محاولة السيطرة على باب المندب كله مع جزره وساحله إلى المخا، كشرط وضرورة أولية لضمان السيطرة على المضيق والبحر الأحمر وخليج عدن.

قادة الانسلاخ عن اليمن.. هم قادة العدوان على تعز
حين كان الهجوم في أوجه، صرح كلٌّ من المحافظ السابق لعدن عيدروس الزبيدي والشنفرة، قائدي الانفصاليين العملاء، أنهم يقاتلون في تعز والمخا لتأمين أمن خاصرة دولتهم المستقلة، لأن المندب في قسم منه كان يتبع الجنوب، وأنهم بذلك يحمون الخاصرة الغربية للجنوب.
كما أن أمنهم وأمن السعودية وأمن المصالح الاستعمارية الدولية، أضحى مشتركاً بعد الاتفاق معها على منحهم الانفصال مقابل احتلالهم للساحل الغربي لتعز والحديدة.

الكابوس والأمل.. الانقلاب من اليسار إلى جراري مبغى البترودولار
لقد تحول الانفصاليون إلى أحقر الأدوات في يد العدو الأجنبي، ويمارس قادته وقوادوه أحط الأساليب للتقرب من الحضن المالي السعودي الصهيوني الأمريكي، بلا حياء، وتحول المفكرون الجهابذة -المنظرون للأمن القومي العربي والوحدة والثورة- إلى مجرد بهلوانات أجيرة صارت أسماؤها تثير الاشمئزاز في الوجدان الوطني، لاسيما أولئك الذين كانوا يوماً قادة لليسار اليمني..!
إن التاريخ اليمني والعالمي حتى، لن يرحمنا أبداً نحن اليساريين اليمنيين.. أيحدث هذا الكابوس القبيح ونحن أحياء! فلا نامت أعيننا ولا حيينا إن نكثنا بعهود المؤسسين والقادة وشلالات شهداء الحركة الوطنية اليمنية لأربعة قرون من الجهاد والكفاح والتضحيات والمعاناة من أجل تحرير وتوحيد الوطن اليمني.. إن هؤلاء القردة المارقين يتخيلون أن بإمكانهم إيقاف التاريخ وحرفه يميناً صوب مواخير الرياض والدوحة وواشنطن ولندن وباريس.

الأهداف الجيوسياسية الراهنة للعدو
1- ضمان أمن الاحتلال للجنوب وباب المندب وسلخه عن الوطن.
2- إجبار الشمال اليمني على قبول المناصفة الإقليمية، في تسوية سياسية مفادها فيدرالية من حكومتين في عدن وفي صنعاء، تتفاوضان على الانفصال برعاية دولية غربية, في سياق المخطط الإمبريالي السعودي - الأمريكي المهيمن.
3- إقامة الإمارة الوهابية السعودية الإرهابية في قلب اليمن ورسم الخارطة السكانية على الخطوط المذهبية الطائفية.
4- التأسيس لحروب دائمة بين أقاليم اليمن المرجوة للعدو، التي تكون مانعة من التفكير في استعادة وحدة الوطن وتحرير مناطقه المحتلة.
5- توفير الغطاء والوقت والعوامل التي تجعل الاحتلال شرعياً.
6- إن عملية احتلال الحديدة وجني المكاسب الاستراتيجية عبرها وحصار عاصمة الثورة وأوراق الضغط، تبدأ من احتلال تعز.
7- تمكين المخطط الإمبريالي الدولي من التموضع في الطرق الحيوية الاستراتيجية وخطوط التجارة العالمية البحرية التي تحوزها السواحل اليمنية؛ لفرض قواعد اللعبة الدولية واتجاه السياسة العالمية طبقاً للمصالح الإمبريالية الدولية المتأزمة بتعدد الأقطاب الدولية.

مقاربة لآليات العدو
في تحقيق أهدافه
1- توزيع الأدوار بين عملائه من الجهتين السعودية والإماراتية ضمن تخطيط أمريكي بريطاني مشترك يدير فصول المسرحية المأساوية اليمنية.
2- إعلان المجلس الانتقالي، مجلساً جنوبياً عربياً خارج الهوية اليمنية، تديره الإمارات ظاهرياً، يتبعه إعلان ما يسمى دولة الجنوب العربي الاتحادية، وبعد إقامة دويلة حضرمية في الشرق وأخرى لحجية يافعية في الغرب، حيث يحق لكل دويلة أن تختار علاقاتها واتحادها مع أية جهة تشاء أو حتى التحاقها متى شاءت بالسعودية والإمارات.
إن تحقق هذه الأهداف العدوانية يعني أن العدو قد قطع شوطاً حاسماً في تحقيق أهداف حربه، واقترب من مخططاته الاستراتيجية الكبرى؛ لكن الرياح لا تجري كما يشتهي العدوان.
ومما لا شك فيه أن هناك تكتيكات يجري التحضير لها حالياً في كواليس العدو، وأهمها الاستعداد للاعتراف بالشرعية الانسلاخية الانفصالية بين الأوساط العبرية والعربية والدولية من دول العدوان ومؤسساته، وسيباركها الراعي الأمريكي الذي أعد الأصوات المطلوبة في الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي.
لقد صبغ العدوان على تعز واليمن انطلاقاً من الأرضي اليمنية الجنوبية، بطابع مزور صورها كمحاولة تحرر قومية لشعب مجهول مظلوم جاؤوا لنصرته على طريق حرب التحرير الإمبريالية الرجعية.
وهذه هي الصفقة الجديدة التي عقدها العملاء من الجنوب والشمال في الرياض أخيراً، والواضح أن العدو يسعى لشرعنة احتلاله عبر عملية الانسلاخ عن الوطن اليمني وهويته الجامعة، تماماً على غرار العمليات الوهابية الإلحاقية  في مناطق عسير ونجران وجيزان، خلال الثلاثينيات من القرن الماضي.
@ كاتب ومحلل استراتيجي وسياسي - رئيس تحضيرية الحزب الاشتراكي اليمني