لا يبعد الجيش اليمني عن قواعد العدوان جنوب غرب تعز سوى 30 كيلومتراً، وهو في وضع احتواء للعدو على محاور الجنوب والغرب الساحلي.. وبين كهبوب والمندب تكمن أهم قواعد العدو على الساحل الغربي، ونقطة انطلاق جميع زحوفاته الأخيرة على المحور الغربي الساحلي.
من جهة مقابلة، لا يخفى أن العدو ما يزال يتراجع على خط المواجهة في كدحة المعافر - البيرين - مقبنة، حيث يتقدم الجيش اليمني إلى مناطق العفيرة والتبة السوداء وتبة القرون وحول جبل هان، ويقف على بعد 4 كيلومترات من الطريق العام بين تعز وطور الباحة في لحج.
4 كيلومترات، تقرر مصير العدو على هذه الجبهة، لاسيما مع توقع سقوط البيرين - النشمة خلال فترة قريبة جداً، وبهذا ينقطع أهم خطٍّ إمدادي للعدو إلى تعز الغربية، المار بمناطق النشمة - بني عمر - الأصابح - التربة - ذبحان - شرجب - الزريقة - المقاطرة - العلقمة - راسن.
وما أشعله العدو من جبهة لتأخير النتيجة الآنفة قد انكسرت جميع زحوفها المتجهة نحو القصر الجمهوري، وتكبد الخسائر الموجعة في الأفراد والعتاد، ولم تصمت عنها حتى الصحافة والإعلام المعادي نفسه، وترددت أصداؤها في الرسائل الداخلية بين العدو وأفراده في الجبهات.
عموماً، فإن موقف الجيش اليمني في تحسن مستمر على مختلف الجبهات التي يفتحها العدو، وكانت آخرها في منطقة الصلو الاستراتيجية ودحر العدو منها، وهي منطقة مطلة على مدينة الدمنة والطريق العام ومناطق حيوية أخرى باتجاه قرى الحجرية.

الدائرة المركزية للاشتباك
يتركز الاشتباك الرئيسي حالياً على الدائرة الممتدة بين موزع - الكدحة المخا - مقبنة - المعافر - جبل حبشي، وفيها يخسر العدو من الداخل ومن الخارج.
كانت النقطة المركزية التي يركز عليها العدو وما يزال هي اختراق محور موزع - مقبنة - البرح - المعافر -الكدحة، وبلغت زحوفات أبريل الماضي أوج هجماته. ومنذ أبريل دخل العدو بالتراجع بعد الانعطافة الأساسية أمام العفيرة والبيرين والمعافر التي وضعته أمام مأزقه الاستراتيجي الخانق، الذي حاول دوماً تجنبه.

 المعادلة الاستراتيجية الجديدة
في نهاية يونيو أعلن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية، عن نشوء معادلة استراتيجية جديدة بين طرفي المعركة الراهنة، على المستوى الوطني للحرب ككل، تميل لصالح الجيش اليمني، وتسمح له بالانتقال إلى الهجوم التدريجي، بينما تدفع العدو نحو وضع الدفاع الاستراتيجي، وتمنعه من خوض هجومات استراتيجية شاملة، وهو ما يدخله نحو حالة من الركود والتقهقر الميداني والعملياتي ضمن هذه الحالة، وهناك مجموعة من المؤشرات على طبيعة هذه التغيرات الاستراتيجية الجديدة.
التطوير الصاروخي
 الاستراتيجي اليمني
جاء إعلان القوة الصاروخية اليمنية عن تطوير الأجيال الجديدة من الصواريخ المضادة للطائرات مترافقاً مع التقافها عدداً من الإف 15 و16 في أسبوع واحد، مما يعد إنجازاً ضخماً في مجال تطوير القدرات الصاروخية اليمنية، وسبق إعلان الجيش اليمني عن تحييد قدراتنا الصاروخية لجميع الصواريخ المعادية من الجيل الأول والثاني والثالث من الباتريوت الأمريكية المضادة للصواريخ، وتمكنت صواريخنا الاستراتيجية من الوصول إلى قواعد العدو على بعد 1200 كيلومتر، وفي أعماق عاصمته، وإصابة أهدافها بدقة. وتضاف هذه الإنجازات إلى جانب ما حققته صناعة الطائرات بدون طيار التي كشفت عنها (دائرة التصنيع العسكري) مؤخراً، ما أدى لإحداث تغيرات ميدانية كبيرة في مسار الحرب.
 
 نتائج على الأرض
هذه النتائج تمثلت في تقليص مساحة سيطرة الطيران المعادي، وتراجع قدراته على التحليق والضرب من مناطق قريبة من الأرض، مما يضيق عليه إمكانات وفرص الإصابة بدقة، الأمر الذي أدى بدوره لتراجع تأثيره في المعارك على الأرض.
أيضاً، فإن امتلاك الجيش اليمني لصواريخ حديثة من كل الأنواع، مكنه من امتلاك المبادرة في المعارك والمواجهات، بالتزامن مع نمو قاعدة دفاعية جوية كبيرة تكسر احتكار السيطرة العدوانية على الجو تدريجياً.
كما أنتجت إخفاق الهجومات الاستراتيجية الكبيرة عن تحقيق أي من أهدافها طوال المعارك الماضية، وعجز العدو عن القيام بهجوم استراتيجي شامل على جميع الجبهات، بالرغم من هجماته الجزئية التي تأتي لتغطية عجزه العام، ومحاولة لاستنزاف القوات اليمنية وإعاقتها عن التقدم مؤقتاً.

مقاربة لاتجاهات الحرب العدوانية خلال المرحلة القادمة
يظهر أن العدو يدخل في هجومه الساحلي الغربي طوراً جديداً الآن بعد تطورات الأشهر السابقة التي انتهت بانعطافة هامة جداً على صعيد الميدان وعلى صعيد الاستراتيجيات والتكتيكات، وخسائر فادحة في جبهات تعز وميدي والساحل التي فاقت في أشهر ما خسرة خلال عامين.
ووحدها معارك القصر والتشريفات طحنت خلال أسبوعين أكثر من 500 قتيل وجريح، وعشرات المعدات والعربات والمدافع.
لكن المستنقع الكبير لخسائر العدو تركزت في مناطق ذوباب والمخا ويختل وموزع والكدحة وكهبوب وحوزان، إذ أكلت ودمرت أكثر من لواء مدعم بكل إمكاناته.. يمكن تقدير مجموع الألوية التي استنزفت خلال الهجوم الطويل الجاري، بأكثر من 3 ألوية من مرتزقة محليين وأجانب وجنجويد وداعش وقاعدة...

إخفاق آمال العدو
إن تحطم آمال العدو في تحقيق حلم الالتفاف على الجيش اليمني أفقده توازنه الاستراتيجي، وفرض عليه حصاراً طويلاً من البر - شمالاً وجنوباً وغرباً- وتعرض لقطع إمداداته البرية بين ذوباب والمخا، بعد أن فشل في الاقتراب من معسكر العمري الذي يشرف على مدينة ذوباب نفسها ويطل عليها، ويضع العدو وخطوط إمداداته تحت السيطرة النارية اليمنية، الأمر الذي دفع بالعدو إلى مواجهة مصيره المحتوم.
 
فشل اللجوء إلى الإنزالات البحرية
لقد فقد العدو أمن الطريق الساحلي البري الوحيد الباقي له من المندب إلى المخا في مراكز ذوباب - الجديد - حوزان، وصار مصيره معلقاً بهجوم الجيش المتوقع حول ذوباب. ولذلك لجأ العدو إلى تطوير هجومه لإنقاذ قواته المتواجدة على مواقع مجزأة في الساحل بطول 90 كيلومتراً وعرض 25 كيلومتراً في المخا شرقاً، عبر البحر، واستخدام البوارج البحرية لنقل القوات والمعدات لتعزيز قواته المتواجدة في الساحل الغربي.. لكنه جوبه بتدمير وإحراق بارجتين حربيتين وعدد من الزوارق بصواريخ جديدة منتجة محلياً، وهما البارجتان رقم 13- 14 اللتان تم تدميرهما أمام شواطئ المخا خلال أقل من شهر واحد، تقدر قيمة البارجة الواحدة بأكثر من ملياري دولار.

 القاعدة الجديدة للهجوم
 القادم شرقاً
كانت المندب - لحج هي القاعدة الرئيسية لانطلاق الهجوم في طوره السابق، وقد فشل هذا الهجوم وفشلت قاعدته في الحفاظ على خطوط إمداداتها أمام ضربات الجيش اليمني وهجماته الخاطفة.
وحين لم يعد ممكناً له استخدام هذا الطريق البري، اتجه العدو إلى استخدام الجسر البحري بين زقر وميون وحنيش والمخا، مباشرة عبر البوارج البحرية الكبيرة والزوارق الحربية والناقلات للتعويض عن فقدان الطريق البري السابق، وفتح طريق آمن من البحر، غير أن العدو فوجئ بيقظة الجيش وقواته البحرية وصواريخه الجديدة، وهي تحاول إنزال القوات على ساحل المخا استناداً إلى كون العدو يسيطر على الشاطئ البحري الضيق غرب المخا - المندب.

أهداف العدو الآن
التوسع شرق المخا وشمالها، وإقامة قاعدة آمنة للإنزال البحري، وتعويض الخسائر، نحو التحضير للهجوم الكبير الجديد انطلاقاً من المخا بالذات، والاستغناء عن الخط البري مؤقتاً بتعزيز الجسر البحري الجوي المتحرك عبر البوارج البحرية والسفن العملاقة وطائرات النقل الكبيرة، ويتركز هدفه الآن في توسيع سيطرته البرية شرقاً نحو الهضبة الجبلية الداخلية لتعز مرحلياً لإقامة رأس جسر بري دائم يكون قادراً على الدفاع عنه، وإقامة تحصينات متوالية مركبة وثابتة ومتعددة وخطوط دفاعية وخنادق عميقة وخطوط وحتى أنفاق محصنة تحت الأرض، تغطي المساحة الضرورية الأقل من 30 كيلومتراً، التي تراهن نظرية الحرب الغربية بقدرتها على قلب موازين القوى بضربة واحدة، والتمسك بالرقعة الشاطئية لفترة طويلة، علماً أنه مع مرور الوقت تقام المزيد من التحصينات حتى تتحول لما يشبه (خط برليف) الصهيوني على قناة السويس عام 67م، فما إن وقعت تحت السيطرة الإسرائيلية حتى حولها لقاعدة دفاعية محصنة، أصبحت مصاعب تحريرها أكثر تكلفة مع مرور كل يوم من الاحتلال، إضافة إلى آلاف الضحايا والمعدات والدبابات والمدرعات.
بعد 7 سنوات في 73م، أرادت مصر تحرير (بعض) منها من 5 إلى 10 كيلومترات فقط، فلم تستطع رغم ما أنفقته وما زجت به من قوات وصلت إلى مليون جندي، إلا بعد دفع ثمن باهظ جداً شمل وقوع الجيش الثالث المصري رهينة لرحمة الصهيونية، وتدمير القواعد الصاروخية الجوية المصرية، إلى استباحة سماء مصر، وإلى حصار بقية الجيوش في سيناء، إلى التوقيع على صك هوان كامب ديفيد 79م الشهير، ورهن مصر كلها بعد ذلك. وبالطبع وما ينطوي عليه ذلك من خيانات السادات.
إن خطورة السيطرة على رؤوس جسور بحرية على الشواطئ هي أكبر مما تبدو بكثير في البداية، ولكن الخبرة السابقة للحروب في المنطقة تبين لنا بوضوح معنى خطورتها وكم تكلف من التضحيات إذا تأخرنا عن تصفيتها مبكراً. وما حدث في عدن كان واضحاً.

استراتيجية العدو الراهنة
إنها محاولة مستميتة لقلب ميزان القوى المحلي على الساحل ثم على الهضبة ثم على ساحل الحديدة الجنوبي.
نعم العدو سلم الآن أنه خسر استراتيجياً في الجبال، لكنه بوصفه: العدو الدولي الإمبريالي، لا يُسَلِّم بخسارته نهائياً في الساحل، خاصة أن قواته البحرية الساحلية مازالت سليمة، وإذا ما جمعها في منطقة محددة تعطي له تفوقاً محلياً على الساحل الصحراوي المكشوف، لأن الجيش اليمني لا يمكنه البقاء في معارك طويلة على الساحل بسبب اختلال التفوق الجوي البحري لصالح العدو.
وهذا فيما لو حدث سوف نعطي للعدو الفرصة في إقامة المزيد من التحصينات، فالمنطقة الساحلية - إذا ما تمكن من إقامة التحصينات- ستصبح بالنسبة له خشبة الخلاص الأخيرة من المصير المحتم الذي يواجهه، وسيعمل على تجميع المزيد من القوات وبناء التحصينات واستقدام المزيد من المعدات وإقامة المخازن والأنفاق والبنية التحتية -لاستقرار يرى فيه خياراً اضطرارياً بل وانتحارياً- للإمساك بالمنطقة الساحلية وإيقاف اندفاع الجيش إلى الساحل لإنقاذها حتماً، ومنعه من التقدم جنوباً صوب قواعد العدوان في العارة والمضاربة وكرش وجحاف.
أخيراً يهدف العدو إلى خلق معادلة استراتيجية جديدة محتواها هو أنه كلما تقدم الجيش اليمني جنوباً تقدم العدو شمالاً وشرقاً.. وأهم أهداف القاعدة الكبرى هو تحويلها إلى قاعدة انطلاق للهجوم على الحديدة من الجنوب، فيما يواصل محاولاته للسيطرة على مساحات من الأرض على صحراء ميدي وجنوبها، ولا ضير لديه أن يرمي المئات والآلاف من الضحايا من أجل حفنة من الرمال طوال العامين، وليس له بها حاجة ملحة غير الارتباط بمعركة محاصرة الساحل الغر بي للحديدة من الشمال، فيما تتقدم قوات العدو من الجنوب من المخا والمندب براً وبحراً وجواً.
إن ازدياد وتيرة معارك ميدي مؤخراً- بشكل مترافق مع ما يجري في الساحل الجنوبي الغربي - يشير بوضوح لنوايا العدو وخططه.. والتي قد ترافقت كذلك مع النية بإنزالات بحرية تحت مظلة (قوات حفظ السلام) وربما (شمال الأطلسي) والتي أعلنت ضمن مطالب (إقامة مناطق آمنة) لحماية خطوط التجارة الدولية في البحر، باعتبار أن اليمن (تشكل تهديداً عليها)! والمطالبة بتسليم ميناء الحديدة لإشراف المجتمع الدولي!

التحديات الوطنية المضادة
وآفاق المعركة
إذا لم ينجح العدو في تأمين خط الانتقال البحري والإنزال بأمان للأسلحة والمرتزقة على المخا وساحلها الطويل الممتد حتى يختل وحيس، سوف يركز على الإنزال في المناطق البعيدة عن متناول الجيش اليمني. والمناطق النموذجية بالنسبة للعدو هي الواقعة بين شمال ذوباب وجنوب المخا في مناطق الكدحة والجديد على الأغلب.
إن استذكار عمليات استهداف البوارج الـ14، سيوضح المزيد حول تقديرات العدو وتصوراته الجغرافية للمعارك الرئيسية على الساحل. ومعنى هذا أنه لا يملك خيارات كثيرة ومساحات جغرافية طويلة للإنزالات، بل هو محصور في نقاط ومناطق محددة يعتقد أنه بإمكانيته التحرك فيها بأمان، وقد أثبت الوقائع أنه غارق في وهم كبير.
فيقظة الصواريخ بحر - بر، وطيارات المراقبة اليمنية بدون طيار، والزوارق البحرية اليمنية والكومندوز البرمائية، تبقى قادرة على إجهاض تحركاته في الصميم، لأن تحرك البوارج والإنزالات هو جوهر السيطرة على الساحل وجوهر المشروع الرئيسي كله، وإذا ما ضرب في الصميم من وقت مبكر فإنه ينكسر في أهم محاوره، ولو حسبنا قيمة البوارج والزوارق والمعدات التي دُمرت في هذا المحور لأدركنا سبب إصرار العدو على السيطرة على الساحل الغربي وما يحمله من آمال.

 مصير العدوان والاحتلال مرهونان بنتائج هذه المعركة الحاسمة
 يمكن تقدير ثمن البوارج والزوارق والمعدات التي أغرقت ودمرت في هذا المحور وحده إلى الآن بما يساوي 60 مليار دولار، ومع إضافة خسائر ميدي ومحاور تعز لعامين ونصف، سيصل الرقم إلى 100 مليار دولار وأكثر.
لا يوجد أي محور حربي استنزف مثل هذه الخسائر المادية الكبيرة للعدو..!
ما أهمية هذا المحور حتى يستنزف كل هذه الأموال ومازال العدو مصراً على السيطرة عليه ولو جزئياً رغم حجم الاستنزاف؟!
إن هناك معادلة استراتيجية قد تكونت في واقع ووضع وتصور العدو، وهي:
أنه معرض لخسارة كل شيء في عدوانه واحتلاله وبنيته وتحالفاته ومواقعه الإقليمية وأطماعه في المنطقة المركزية الحاضنة للثروات والطاقات والطرقات البحرية والمحيطية والجزر والبحار؛ فيما لم يجنِ على الشاطئ الغربي ولو بعض المرتكزات الاستراتيجية التي توزن وتحمي مناطق السيطرة والنفط جنوباً وشرقاً من الضياع.. من هنا يمكن اعتبار هذه المعركة الساحلية - الهضبية المزدوجة، هي أهم تحدٍّ أمام الطرفين المتقابلين الآن: العدوان الإمبريالي، والجيش اليمني والشعب اليمني ككل، وستحدد مصير الحرب.
 @ كاتب ومحلل استراتيجي وسياسي - رئيس تحضيرية الحزب الاشتراكي اليمني (ضد العدوان)