حين تقتضي الوطنية والدين أن تلعن الحسن بن علي وتهتف: شكراً (سلمان بن عبدالعزيز)
- تم النشر بواسطة رئيس التحرير / صلاح الدكاك
(إبراهيم الحمدي وجمال عبدالناصر وأبو ذر وكاسترو..) مجموعة مرتزقة في تحالف العدوان
حين تقتضي الوطنية والدين أن تلعن الحسن بن علي وتهتف:
شكراً (سلمان بن عبدالعزيز)
على الأطراف الجنوبية الشرقية من حي الجحملية بتعز، يرابط (سلمان بن عبدالعزيز) مع مجموعة من رفاقه، يقظين متوثبين خلف متاريسهم الرملية، تحسباً لمحاولات تسلل مستمرة يقودها (الحسن بن علي) و(أبو العباس) بمجاميع غفيرة، منذ منتصف نوفمبر الفائت، بهدف احتلال التباب المشرفة على وادي صالة والحوبان.
وفي (حيفان) جنوب تعز يتصدى (عمر فاروق المكنى بأبي بكر) على رأس فصيل من المقاتلين، لهجمات غادرة لا تفتأ تشنها مجاميع مسلحة يرأسها (جار الله عمر)، مستهدفاً ضعضعة سياج هذه الجبهة لتأمين شريان صلة لوجستي وعسكري مع (عدن)..
ليس هذا خبراً - بطبيعة الحال- وإنما مدخل لتناول مفارقات مثيرة ولافتة في أسماء بعض القيادات والأفراد على ضفتي الصراع، لا يخلو معها مشهد المواجهات العسكرية الدامية في تعز من مسحة كوميديا وكاريكاتيرية ناجمة من زيغ الأسماء عن دلالاتها الأيديولوجية المفترضة.
يقاتل (سلمان بن عبدالعزيز) في صفوف الجيش واللجان، دفاعاً عن الأرض والعرض والشرف، وهو أحد ليوث الجحملية الذين تخندقوا منذ لحظات العدوان الأمريكي السعودي الأولى في ضفة الوطن والعقيدة، وأثخنوا مرتزقة تحالف الشر أفدح الخسائر، وعلى النقيض من هذا الليث وهذه الضفة، يقف (الحسن بن علي).. فهو أحد أبرز جزاري تحالف العدوان الذين أرخصوا العرض، وسمسروا على شرف التراب ببخس الأثمان..
لا حظ لكلا الشخصين من اسمه على الإطلاق؛ فاللعنات التي يكيلها غالبية الشعب اليمني، صباح مساء، لـ(سلمان بن عبدالعزيز) ملك مملكة داعش الكبرى السعودية، تجرف ضمناً (الحسن بن علي) جزار (لواء الصعاليك)، بوصفه أحد أحذيته، فيما تتنزل ترضيات المسلمين على (الحسن بن علي) سبط الرسول الأعظم، غيث رحمة وتثبيت على قلب (سلمان بن عبدالعزيز) ليث الجحملية، بوصفه اتصالاً لقيم ومواقف الإمام علي عليه السلام ومحبيه..
يطلق الناس الأسماء من قبيل التيمُّن بالعموم، ويسمي البعض أبناءهم بأسماء مشاهير ورموز عرفاناً لأصحابها أو حثاً للأبناء على اقتداء سلوكهم ومواقفهم؛ غير أن الأسماء تبقى في الغالب مجرد تمائم وحروز عالقة بين المأمول منها مجازاً، وواقع البخت المائل الماثل حقيقة..
إنها ليست (خضراء ولا لوزيات ولا كحلي بحري ولا عسليات) كما تؤكد السيدة فيروز، فاللون موضعه العين ووجهة النظر.. لذا فلا غرابة على سبيل المثال أن تصادف (كاسترو)، وهو اسم شائع في بعض مديريات حجرية تعز، مرتزقاً رخيصاً يعمل بالأجر اليومي في صفوف التحالف الأمريكي، أو أن تجد (إبراهيم الحمدي القدسي أو الشرعبي) عميل إحداثيات وجاسوساً ضد بلده لدى بني سعود قتلة الزعيم اليمني الراحل (إبراهيم الحمدي 1977م).
بالنسبة لمراقب خارجي من ذوي الفرز الطائفي، فإن المشهد اليمني يزداد التباساً كلما اتضح له أن (عباس وعلي وحسين وحسن وزهراء،..) أسماء شائعة بوفرة في أوساط مفروزة باعتبارها سنية، فيما تحفل الأوساط المفروزة كـ(شيعة وزيدية) بأسماء من قبيل (أبي بكر وعثمان وعمر وسفيان،..)، ويحدث أن يكون (زيد وعمرو) اسمين لشقيقين من صلب واحد.
لم تشهد اليمن طيلة عهود ما بعد الإسلام انقسامات أو استقطابات مذهبية حادة، تعكس نفسها في صورة أسماء منتقاة بقصدية طائفية تهدف لتسوير هوية إزاء خطر اجتياحها من قبل هوية أخرى، وما شذَّ عن هذا السائد الاجتماعي الديني هو طارئ دخيل جلبته رياح الوهابية خلال هَبَّاتها المتلاحقة على المجتمع اليمني، طمعاً في تجريف مضامينه الحضارية القيمية الإسلامية السامية، وملئه بعُقَدها وتشوهاتها.
تسرَّبت الوهابية إلى اليمن كفكرة دخيلة بدءاً نهاية النصف الثاني من القرن الثامن عشر ومطلع التاسع عشر، على يد أحمد علي الشوكاني، وتعمَّد حضورها رسمياً مع دخول حركة ما يسمى الإخوان المسلمين، بمؤازرة من الاحتلال البريطاني في الجنوب اليمني المحتل، وعقب قيام الجمهورية العربية اليمنية باتت لها حواضنها التعليمية الرسمية الممولة حكومياً، والمتمثلة في الهيئة العامة للمعاهد العلمية المتأسسة عام 1974، وسواها من أربطة ودور ومراكز التحفيظ والحديث والجمعيات الدعوية ذات مصادر التمويل السعودي الكويتي المباشر بمنأى عن الحكومة.
إلا أن النقيض لهذه الشبكة الوهابية الإخوانية الاستعمارية لم يكن نقيضاً مذهبياً رغم بغضها (للزيدية والشافعية والصوفية)، وإنما كان نقيضاً يسارياً اشتراكياً قومياً، وعليه فقد دارت المواجهات معها من قبل اليسار بوصفها حركات رجعية حليفة للاستعمار البريطاني الحديث وأطماع الهيمنة الأمريكية الامبريالية المعاصرة، وهكذا فقد شاعت في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم أسماء رموز قومية واشتراكية عربية وأممية أطلقها كثير من اليمنيين على أبنائهم كتدليل على الانحياز لمسار ومشروع الكفاح في طريق التحرر الوطني والقومي وإرساء دعائم التحديث والتنمية والعدالة الاجتماعية في ظل دولة وطنية مستقلة ذات مقاربة اشتراكية، وصولاً لتحقيق الوحدة العربية الشاملة.
في هاتين الحقبتين انتشرت أسماء (جمال، عبدالناصر، أبو مدين، عبدالفتاح، فيديل، جيفارا، الحمدي، روزا، نضال، يزن، ذو يزن،...،....) وسواها من أسماء قادة ورموز الكفاح التحرري الاشتراكي القومي.. وضمن هذا التوجه ذاته حضرت أسماء ثورية إسلامية كـ(أبي ذر، والحسين وحيدرة وعمار،..)، لا كانحياز طائفي ضيق، بل بوصف أصحاب هذه الأسماء رموزاً للعدالة في مواجهة الجور والاستغلال والإقطاع، كما وتجسيداً لجوهر الإسلام المحمدي الثوري التحرري النقيض لرجعية وعصبية دين السلطان وسياط وعَّاظه ومفتيه وعلماء بلاطه المشرعين لأهوائه.
في المقابل ـ ولذات الحوافز الثورية التحررية ـ كان اسم (معاوية) مستهجناً لدى اليمنيين، وإذا أطلق أحدهم على ابنه اسم (يزيد) فبوصفه اسماً عربياً لا صلة له بسلطان الطنابير والقردة والبهلوانات، (يزيد بن معاوية).
كذلك الحال بالنسبة لأسماء العائلة المالكة السعودية، التي لم تسجل حضوراً على قائمة الأسماء المفضلة في اليمن، إلا في حالات نادرة قَصَدَ من خلالها بعض من أطلقوها على أبنائهم ـ بالأرجح ـ العرفان للريوع التي حققوها كحصيلة لاغترابهم في المملكة إبان الطفرة النفطية، لا باعتبار أصحابها الأصليين رموزاً تحتذى.
ومن الطريف في هذا السياق أن نشير إلى اضطرار بعض اليمنيين لتغيير أسماء أمهاتهم في وثائق السفر الرسمية كشرط سعودي للسماح لهم بدخول المملكة، نظراً لأنهن يحملن اسم (سعود) الشائع تداوله في اليمن كاسم مؤنث منذ قرون سابقة لتأسيس سلطة بني سعود.
لقد شاعت كذلك تسمية المواليد بأسماء قصور وحضارات ومدن تاريخية كغمدان وسام وآزال وأوسان، وجبال يمنية شهدت بزهو عنفوان الكفاح الوطني ضد الاستعمار والرجعية العربية وعملائه ومرتزقته في الداخل، على غرار (شمسان وعيبان) بالأمس و(عطَّان) اليوم، والذي حظي بأوفر نصيب من غارات تحالف العدوان الأمريكي السعودي، منذ بدء العدوان في مارس 2015.
فلاش مرتجع
ليس ثمة ما هو أكثر إثارة لقرف واشمئزاز الفطرة الإنسانية السوية للإنسان اليمني، من عبارة الترحاب الشهيرة بالاحتلال الأجنبي (شكراً سلمان)..
إلا أننا بحاجة اليوم لأن نرددها بدورنا عرفاناً بصمود (سلمان بن عبدالعزيز) ورفاقه من ليوث جحملية تعز، كما وبحاجة ـ على المقلب الآخر ـ أن نصرخ تباً لـ(الحسن بن علي، وأبي ذر، وجيفارا والحمدي) التي لوث حملتُها سمعة أصحابها الأصليين في وحل العمالة والارتزاق والقصابة، مرضاة تحالف العدوان، وتفريطاً في كرامة وطنهم، وتخييباً لرجاء آباء أرادوا لهم أن يشمخوا بهذه الأسماء فنكسوها في مستنقعات المذلة، ونشأوا أقزاماً.
المصدر رئيس التحرير / صلاح الدكاك