تجري المعارك على أشدها في محيط معسكر خالد وموزع ضمن الرقعة الحيوية الواقعة بين البرح شرقاً إلى المخا غرباً وبين الكدحة جنوباً إلى حيس والخوخة شمالاً (من المعسكر)، يمكن أن نصف هذه الرقعة بالمربع الذهبي.. يدفع العدو باحتياطات استراتيجية كبيرة من البشر في ظل الاستنزاف الضاري الذي تلقاه قواته على يد قواتنا الوطنية -ولامبالاة لديه بحجم الخسائر البشرية طالما وأسواق الارتزاق مفتوحة- في معركة حاسمة يحاول العدو فيها اختراق الطريق الرئيسي إلى غرب تعز، والسيطرة على المربع الذهبي آنف الذكر، والذي سيكون المحدد للمرحلة التالية من الهجوم العدواني على الساحل الغربي.
رأس جسر الإنزالات البحرية القادمة.. 
تغيرات داخلية
بالتزامن مع هذه المعارك الجارية، تعمل فرق العدوان الهندسية والتقنية على مواصلة إعداد بنية دفاعية قوية على الساحل، تضعه أمام إمكانية الاستقرار على تلك المساحة الاستراتيجية المظللة بالطيران والأساطيل الامبريالية الحربية، ما يمكنه من مواصلة هجماته شمالاً وشرقاً بضمانة انتظام وصول تعزيزاته وإمداده.
يواصل العدو هجماته اليومية على محور المخا ـ موزع ـ البرح، لكن مع وجود تغيرات في أوضاعه الداخلية عما كانت عليه الشهر الماضي، من حيث تعبئته لألوية جديدة من قبائل الصبيحة الموالية للأحمر وداعش والقاعدة -وما أقدمت عليه من ممارسات قذرة بحق الأسرى الأيام الماضية يعد دلالة دامغة على حجم الهزيمة النفسية والمادية- مقابل تراجع ألوية العميل هيثم قاسم والحراك إلى النسق الثاني من الهجوم بعد استنزاف طال الـ7 أشهر. وغير بعيد أن تشير التغيرات إلى تحركات جانبية والتفافية أخرى للعدو.

استفزازات وهابية أمريكية قذرة
توالت أعمال إجرامية قذرة مؤخراً من قِبل العدو بحق الأسرى من ذبح وتنكيل ودفن أحياء، وسبقها منذ دخول المخا عمليات اغتصاب وهتك أعراض بشعة. هذه العمليات ليست مجرد سلوك ونزعات فردية لدى جند العدو، بل هي أكثر من ذلك، إذ تتضح كنهج ثابت رُسم بوعي استراتيجي أعلى عزز هذه السلوكيات المريض والمأزم أصحابها، ووظفها منهجياً في حربه!
منذ بداية المعركة دوخت تكتيكات الحرب الوطنية اليمنية قيادة العدوان وعملياته من أصغر ماخور وكيلي في الداخل إلى الرياض حتى البيت الأبيض، خاصةً إدارة المعارك في الجبال لا في المناطق المكشوفة، وهُنا لجأ العدو إلى عمليات استفزاز معنوية بغرض الدفع بالجيش واللجان إلى الاندفاع والخروج لملاقاة العدو مكشوفاً على الساحل الغربي، ليتم تصيده من البحر والجو والبر. وهو ما لم يحدث.
وعلى العكس من ذلك، ها هو العدو غارق في مستنقعات موزع والوازعية والهاملي ومعسكر خالد، وهي مناطق تكاد تتحول تربتها إلى وحل عميق جراء سيل الدماء المهدورة للمرتزقة هناك بلا حساب.

مستنقعات جحيمية تلتهم العدو
ها هو العدو يحصد الكوارث في كل خطوة يخطوها بمواجهة أبطال الجيش واللجان، فالمعركة الأخيرة التي باشرها المرتزقة خلال الأسبوعين الماضيين على معسكر خالد -الهاملي - هي بذاتها جحيم كامل، فعلى منطقة الهاملي موزع ومحاور الهجوم الأخرى الثلاثة -التي استهدفت تطويق المعسكر واقتحامه- قد انتحر أكثر من لواءين من ألوية المرتزقة، أولهم لواء العمالقة الجديد، بقيادة الشيخ اللواء حمدي شكري الصبيحي، أحد أكبر مرتزقة علي محسن وداعش، وهو أداة الإرهاب الأولى على المحور المذكور، وبطل السبي للنساء والاغتصابات، ورجاله هم من دفنوا الشهيد الجبري بتوجيهاته، وقبلها تنظيم حفلة ذبح الأسرى الأربعة.
ولو حسبنا حجم خسارة العدو على هذا المحور خلال الأيام الماضية -فقط- لكان الحساب مذهلاً، فخلال بضعة أيام خسر أكثر من 50 مدرعة أمام معسكر خالد وحده، وفي الهاملي غرقت في الحصار وأفنيت كتيبة كاملة من اللواء الثاني عمالقة، واعترف العدو في إعلامه بمقتل عدة مئات من عناصره بشكل يومي أمام معسكر خالد، كما اعترف هيثم قاسم نفسه بذلك، مدعياً أنهم ترجعوا أمام كثافة الألغام، وأن أكثر من 2000 قتيل وجريح و100 مدرعة على الأقل هي الحصيلة الأولية للمعارك خلال أيام فقط هي أيام الأسبوعين الماضيين في موزع والهاملي وخالد.
وقد نشر العدو في صحافته كشفاً بأسماء أكثر من 170 قتيلاً مرتزقاً في يوم واحد من أيام الهجوم الأولى، بينهم أكثر من 50% صبيحي، وبينهم أكثر من 5 قادة كتائب شاركت في الهجوم الكبير.
وبطبيعة حال المعارك، فإن الإصابات لا تصل إلى قادة الكتائب المهاجمة إلا حين تتضعضع قوى الكتيبة نفسها وسراياها، وتصل الضربات إلى الرأس نفسه في مؤخرة قواته.
إن 5 كتائب قد طحنت من المرتزقة الغزاة خلال الغزوة الأخيرة على الأقل، مع 50 مدرعة و200 آلية وطقم، ما تعادل تسليح لواءين ميكانيكيين على النمط الإماراتي السعودي. وهناك ما لا يقل عن 200 آلية وعربة وطقم تم تدميرها خلال الأيام الأخيرة، ويكون مجموع ما تم تدميره خلال الأشهر الـ7 من بداية الحملة الهجومية الكبيرة، ما بين 3 إلى 5 ألوية ميكانيكية ومتنوعة، وما بين 5 إلى 8 آلاف مرتزق بين قتيل وجريح، ما نسبته 50% من قوة الهجوم و30% من قوة الحملة على الساحل ككل البالغة أكثر من 30 ألفاً.
وهناك 3 كتائب تعرضت للتدمير التام خلال الحملة، إحداها في حوزان العمري وتتبع اللواء عبد الغني الصبيحي، والأخرى في ساحل الدريهمي وتتبع اللواء معمر الصبيحي، والثالثة هي كتيبة لواء العمالقة 2 وتتبع شكري الصبيحي الداعشي، وهناك عشرات القادة الكبار من ألوية وعمداء وعقداء الذين أفنوا خلال الهجوم، يتقدمهم قائد الهجوم الأول اللواء عمر الصبيحي، ثم اللواء أحمد سيف اليافعي قائد المنطقة الرابعة عدوان، ثم اللواء معمر الصبيحي قائد القوات الخاصة، وآخرون 30 قيادياً كبيراً تمت تصفيتهم خلال المعارك الساحلية الأخيرة.
إن تطوير أولويات قوات الجيش واللجان وتعزيز استراتيجيتها المواجهة ضرورة وممكنة، ذلك أن استمرارية الهجوم الداخلي للعدو وتطويره خلال الفترة الأخيرة للحركة من خلف الجيش واللجان، ومحاولة إعاقة تركيزها على الجبهة الرئيسية بكل ثقلها، وتثبيت قسم من قواته؛ تشير إلى مدى خطورة المحور الداخلي في هجوم العدوان، مما يتطلب إعادة النظر في أهمية هذا المحور وخطورته، وتوجيه ضربات موجعة نحوه.

استنزاف الغرب والالتفاف عبر الشرق
وكما أشرنا من قبل أن أولوية العدو التكتيكية الميدانية الآن هي السيطرة على (المربع الذهبي) مرحلياً، وتحويله قاعدة استقرار في المخا، ورأس جسر للإنزالات البحرية القادمة، وقطع قوات الجيش واللجان في الوازعية ـ العمري ـ كهبوب عن خطوط إمداداتها وعن قواعدها، وفصل تعز عن الحديدة، وإشعال الجبهات الداخلية خلف الجيش واللجان بين غرب تعز ـ مقبنة ـ البرح- جبل حبشي ـ المعافر - الكدحة، وتعزيز الالتفاف المفتوح بين طور الباحة ـ التربة ـ المعافر ـ تعز.
مخاطر الالتفاف الجبلي على الجيش واللجان: غرب المعافر، عبر تنشيط المحور الجنوبي الغربي- طور الباحة ـ التربة ـ المعافر ـ تعز، ومضاعفة قوة وكثافة الهجوم الخاطف من خلف قوات الجيش واللجان الرئيسية المشتبكة في موزع.
إن تعزيز وتغذية الهجوم الداخلي من غرب تعز باتجاه الغرب على جبهة المعافر ـ العفيرة -جبل حبشي - مقبنة ـ الكدحة، يهدف إلى تقسيم قوة الجيش واللجان المدافعة في موزع، وإضعاف تركيزها في مواجهة الغزو من الساحل، والالتفاف عليها من محور طور الباحة - التربة - المعافر، حيث يتجه العدو بقواته القادمة من لحج عبر طور الباحة لتدعيم وجود مرتزقته في غرب تعز الحجرية - صبر -الضباب - جبل حبشي - مقبنة حمير -الكدحة -بني عمر - موزع، من الشرق ومن الجنوب، وهو يستطيع التحرك على خط طور الباحة ـ النجيشة -الصحا أو العارة ـ المجزاع ـ الهجمة ـ بني عمر ـ المعافر أو طور الباحة -إرف -ذنوبة -الزريقة- النجلة - حنو -التربة.

 تطوير الموقف
الاستراتيجي التكتيكي 
لا ينقص أبطالنا في الجيش واللجان الشجاعة ولا الفدائية ولا القدرة ولا القيادة العظيمة، لكن يفترض بالقيادة الميدانية-الجبهية - أن تلتفت للمسائل الاستراتيجية العليا التي تحيط بالمسرح وتؤثر عليه، وأهمها الآن هي النقاط التالية: 
1-تحديد نقاط ضعف العدو واستغلالها الى المدى الأقصى، وتوجيه الضربات على تلك النقاط باستمرار دون توقف، لدفع العدو الى تغيير اتجاه حركته.
وعلى مستوى الجبهة الغربية الجنوبية، يمكن الرد الإيجابي على هجمات العدو في موزع الساحل بالهجوم على نقاط الضعف في المفاليس الصبيحة طور الباحة، وإغلاق الطريق بين طور الباحة والتربة -تعز-العفيرة -البيرين.
2- إشعال المواجهة مع العدو في مريس ـ العود- قعطبة - الخشبة ـ الضالع -مكيراس.
3-الضغط القوي على محاور الحشا - الضالع ـ ردفان ـ كرش، يؤدي إلى سحب وتجميد عدد من الوحدات العسكرية الغارقة في الهجوم على موزع والمفرق، فالهجوم كله يعتمد على الصبيحة والضالع وردفان ويافع.
4- رفع ومضاعفة الضغط على طور الباحة عبر القبيطة والمقاطرة وحيفان، يؤدي إلى تراجع الضغط العدواني في رأس العارة والمضاربة ـ الوازعية المندب - الساحل الغربي.
5- مضاعفة نسبة الفتك بالعدو الميكانيكي في الميدان وقوة وكمية وقدرة الضربات الموجهة على مفاصل وأدوات ومعدات العدو عن النسبة الراهنة لمعدل الاستخدام واتجاهاتها. 

جوهر قوة العدو على الأرض 
العدو على الأرض كله مختزل في المدرعة والمعدة والآلية الحربية التي يستخدمها أكثر من القوة البشرية، وهذه هي نقطة ضعف العدو ونقطة قوة في الوقت نفسه، فيجب أن تكون استراتيجيتنا الوطنية قائمة على مخطط مضاعفة مستمرة لقدراتنا الاستهدافية للآليات والعربات المدرعة. فهذا العتاد بالنسبة للمرتزقة والغزاة هو ربهم وجوهر معنوياتهم، وضربه يعني سحق الروح القتالية للعدو.
وهناك طرائق لصناعة تلك الأدوات بوسائل رخيصة واقتصادية وشعبية بتعميم دروس معارك الحروب الـ6 وما بعدها من حروب ومواجهات، والتي تضمنت منجزات كبيرة في الحرب الناجحة -غير المكلفة- وخاصة في مجال الألغام الحاسمة ضد الدروع والآليات والكاسحات، والتي لا يستطيع كشفها العدو بوسائله الحديثة.

تطوير التكتيكات الفتاكة
 للقوة الصاروخية وإنجازاتها
لقد تضاعفت قدرات القوة الصاروخية بشكل حاسم غيَّر من مسار المعركة، ويجب أن تنعكس فوراً تلك القدرات المتضاعفة على ميدان المعركة الحاسم -وليس مستحيلاً ذلك- ونحتاج بشكل ملح المزيد من الصواريخ المحمولة الحرارية والمضادة للمعدات والمدرعات وصواريخ مواجهة الطائرات. نحتاج هذه الصواريخ ليس في المخازن بل في أجسام الآليات، فلا قيمة لما يُخزن إذا لم يسعفنا هنا في الميدان أولاً، ولا يمكن الاعتماد كلية على الصواريخ الكبيرة لردع العدو، لصعوبة الإعداد لها ونقلها وحفظها، ومعرفة تجمع العدو وأين ومتى؟ كما أن العدو قد لا يتجمع بالطريقة القديمة التقليدية ذاتها قبل الهجوم، وكلها عوامل ليست متوفرة دوماً بالسرعة المطلوبة.
لكن يمكن تعويض ذلك تكتيكياً بالصواريخ الخفيفة المحمولة، فالصواريخ الكبرى تتطلب بقاء القوات المعادية في حالة جمود وتوقف وتجمع قبل الهجوم، وهذا لا يحدث دوماً، بل صار يلجأ إلى الحركية والمركزية، والمرونة الميدانية والتنسيق من بعد.
فهدف التجمع هو توزيع القوى وتوجيهها بعد تجميعها وتركيزها قبل العملية، ولكن العدو يمكنه التوزيع والتوجيه من مناطق خارج السيطرة وغير مكررة، كما يجب تقدير التطور في تكتيكات العدو وقدراته وشجاعته وصبره وجلده، وخاصة العنصر اليمني، والمطلوب هو القدرة على التجديد والابتداع النوعي وعدم التكرار لنفس الأساليب:
-تطوير آليات مقاومة المدرعات والعربات بالوسائل البسيطة المتوفرة.
- استعادة أهمية (المولتوف) الشهيرة - الزجاجات الحارقة.

تطوير الاستراتيجيات القتالية
 الثورية الشعبية الرديفة
هناك قصور استراتيجي-يجب تجاوزه- في إطار الجبهة الجنوبية والغربية وغيرها عموماً:
1ـ كسر الحواجز النفسية والإعلامية والفكرية التي يقيمها العدو في المناطق المحتلة، لاسيما بإقامة إذاعات متنقلة تغطي المساحات المستهدفة.
2- إعادة الأهمية للمنشورات المكتوبة المطبوعة بالوسائل البسيطة غير المكلفة، لتخاطب الشعب المقهور وتحرضه وترفع إليه الحقائق أولاً بأول، وتدله على الطريق التحرري، وتكشف له الوقائع وترفع عن عينيه الضلال والتعتيم. إن تعز وعدن ولحج والضالع وأبين أغلبية وطنية صامتة لا تدري ما تفعله، وبحاجة إلى ترشيد وتحريض وتوجيه وربط شعوري ووطني وقومي وإسلامي ثوري.
3- إشاعة الرياضات القتالية بين الجماهير وفي المدارس والجامعات والمعامل والمرافق والأحياء -يومياً - لرفع قدراتها الحربية وتوسيعها، والحفاظ على المعنويات العامة للشعب المقاوم وتعزيزها.
4- تطهير الجبهة الداخلية للوطن من الطابور الخامس.
5- إقامة مراكز ووسائل إعلام جماهيري في جميع الميادين الرئيسية المكتظة بالسكان، تعمل باستمرار على تعبئتها وتهيئتها لكل الأحداث وشحنها بمواجهة العدو، وهو ما يجعلها محصنة كثيراً أمام الأعمال الاختراقية التخريبية التي تديريها في الظل مراكز مخابراتية كُبرى تستهدف بالدرجة الأولى الوعي والسخط.. وفي سياق هذه النقطة فمن المستغرب كثيراً كيف أنه في جبهة مشتعلة كتعز لا توجد إذاعة وطنية بمواجهة العدوان!
إن من أولويات أي وطن يجاهد من أجل التحرر والاستقلال، هي البحث دوماً لمعرفة الثغرات الداخلية ومواضع القصور، والعمل الجدي على معالجتها، والعمل الدائب لتطوير الاستراتيجيات والتكتيكات الوطنية في كافة المجالات. فالمعركة ليست فقط عسكرية وأمنية مباشرة وحسب، وأساسها وقاعدتها تبدأ في العمل الشعبي الاجتماعي والتعبوي. كما أن الانتصار الحقيقي والعميق الذي يؤدي إلى ديمومة الاستقلال وإلى انقلاب شامل في حياة الأوطان، يبدأ بدرجة رئيسية من تفعيل كافة الطاقات الوطنية والشعبية الكامنة، واستنفار كل الشعب في المواجهة والبناء.

@ كاتب ومحلل استراتيجي وسياسي - رئيس تحضيرية الحزب الاشتراكي اليمني