لم تنحصر إنجازات ثورة 21 أيلول 2014 في قطع يد الوصاية وإفشال المخطط الخارجي الرامي إلى تفكيك البلد، بل تجاوزت ذلك إلى إنقاذ الشعب من استبداد دام عدة عقود مارسته عليه سلطة إقطاعية تسلقت إلى مناصب عليا في الدولة بدعوى تمثيل القبيلة وتزعمها، ومشاركتها في الإطاحة بالنظام الملكي الحاكم للبلد في 26 سبتمبر 1962م، بدعم من قوى وجماعات خارجية، لتحقيق النظام الجمهوري الذي استحوذت عليه وطوعته لتنفيذ أجندة الوصاية.
كما أنها قلّصت دور القبيلة وحرفته ليصب في مصلحتها، واستخدمت نفوذها القبلي لتهدد كل من يقف في وجه أطماعها، ويحاول عرقلة المشروع الذي كلفتها به دول الوصاية على اليمن، وفي نفس الوقت اضطهدت القبيلة وحرمتها من أشياء كثيرة، ما ولد احتقاناً في أوساط أبنائها اشتعل لهيبه بمجرد وصول شرارات ثورة 21 أيلول بقيادة أنصار الله، ليطيح بامبراطورية الإقطاع، ويعيد للقبيلة مجدها ودورها الحقيقي الذي لا يصب خارج إناء خدمة استقلال وسيادة وحرية الوطن.
الإخوان ينقلبون على حكم الإمام
ترتبط هذه السلطة الإقطاعية ارتباطاً وثيقاً مع تنظيم الإخوان المسلمين ومملكة قرن الشيطان، كونهما الداعمين لها في أول أيام ظهورها بعد سبتمبر 1962م، ضمن قالب ثوري أطاح بنظام الحكم الإمامي المستقل وذي السيادة، بدعم خارجي، لأنه رفض دخول الشركات الاستعمارية الغربية بلاده لتنقيب الغاز والنفط، حسب قناعاته بخطورة ما بعد دخولها، ليبدأ عهداً جمهورياً جديداً مات في سنواته الأولى.
وكان التنظيم الإخواني حاول قبلها بدعم بريطاني الانقلاب على النظام باغتيال الإمام يحيى في فبراير 1948، حينها نصَّب عبدالله الوزير نفسه إماماً على اليمن بحضور عضو حركة الإخوان المسلمين في مصر (الفضيل الورتلاني) الذي أطلق على الانقلاب اسم (الثورة الدستورية)، وقام بتأليف دستورها، غير أنه لم ينجح، كون الإمام أحمد نجل الإمام يحيى استعاد الحكم بعد شهر من اغتيال والده، وخاض في سبيل ذلك معارك ضارية ضد الإخوانيين، قبل أن يعودوا من جديد بلافتات مخادعة كالجمهورية، وينجحوا من خلالها في الإطاحة بحكم المملكة المتوكلية بدعم من مملكة بني سعود.
انشق ممثلو الإقطاع الإخواني عن الجمهورية في أغسطس 1965م، وحضروا مؤتمر الطائف الذي أقرّ قيام الدولة الإسلامية مكان النظام الجمهوري والنظام الملكي، وبفعل هذا الانشقاق ومؤتمر الطائف وبعده في نفس الشهر والعام اتفاقية جدة بين مصر والسعودية، تم التمهيد للانقلاب على الجمهوريين.

متدينون ومشائخ يستحوذون
 على الجمهورية
في الخامس من نوفمبر 1967، انقلبت قوة مشيخية دينية على الجمهورية، وأطاحت بها بعد احتلالها للقصر الجمهوري، وتبلورها في خليط مشائخي تكون في العام التالي كحزب سمّي (جمعية سبأ)، حسب ما جاء في كتاب (الثقافة والثورة في اليمن) للبردّوني.
ونصّت المادة 37 من دستور انقلاب 67 على أن الحزبية بجميع أشكالها محظورة، وتم اغتيال بطل حرب السبعين يوماً الشهيد عبد الرقيب عبدالوهاب، في أبريل 69، واستمرت أعمالهم الدموية حتى قيام حركة 13 يونيو 1974م، بقيادة المُقدَّم الشهيد إبراهيم الحمدي، الذي حاول استرداد جمهورية سبتمبر وتحقيق الوحدة اليمنية، والتخلص من المشائخ المسيطرين على السلطة والقبيلة معاً بوصاية سعودية أمريكية. لكنهم اغتالوه كسابقيه، وبقوا على نفس النهج حتى تمكنوا من بسط نفوذهم وهيمنتهم المدعومة من اللجنة الخاصة بالديوان الملكي السعودي، على الدولة والقبيلة.

خليط إقطاعي يتولى السلطة
تمكنت القوى الخارجية من تحقيق مبتغاها في فرض هيمنتها ووصايتها على اليمن، بمساعدة مجموعة إقطاعية إخوانية أوصلتها إلى كرسي السلطة كما أشرنا سابقاً، وعمدت إلى تمكينها من السيطرة على منابر الدين والمعسكرات والأحزاب والقبيلة، لتضمن استمرار البلد تحت إدارتها.
وبالفعل نجحت في ذلك بعد أن امتلكت هذه الإقطاعية نفوذاً سياسياً واقتصادياً ودينياً وعسكرياً كبيراً، وزعت المهام على رموزها كل حسب اختصاصه، فمنهم من هيمنت بهم على المساجد والمدارس والجامعات بدعاوى دينية استخدمتها في محطات كثيرة، كالزنداني والديلمي والفسيل، وآخرون سيطرت من خلالهم على جزء كبير من الجيش اليمني، كالعميل علي محسن الأحمر الذي وصل إلى منصبه بدعوى دفاعه عن النظام الجمهوري، وسنستعرض هنا اليد الطولى لتلك القوى الخارجية في البلد الذين تمثل دورهم في حرف مسار القبيلة اليمنية (النواة الأصلية للمجتمع اليمني) بما يلائم المخطط نفسه.

زعماء قبيلة أعمالهم تنافي عرفها
استطاعت قوى الطغيان الخارجية رسم صورة سيئة للقبيلة اليمنية، ملامحها وشخوصها عدد من المشائخ الذين يدينون بولائهم للجنة الخاصة السعودية، التي كانت تدفع لهم مليارات الريالات مقابل استهداف القبيلة ومحو الدور الذي عرف عنها في ما مضى.
واستبدت سلطة الإقطاع تلك التي انقلبت على الإمام ومن ثم على الجمهورية، بالقبيلة اليمنية التي تزعمتها عنوة، رغم وجود عدة روايات تقول بأن أصلها لا ينتمي أساساً لليمن، وأنها ألبانية الأصل.
حيث مارست أعمالاً مخالفة تماماً للعرف القبلي اليمني، وازدادت تلك الأعمال قبحاً بتوسع نفوذها وقوتها الاقتصادية، واستمر ذلك على مدى عقود، وفي هذا يقول الشيخ ضيف الله رسام، رئيس مجلس التلاحم القبلي، لصحيفة (لا): إن تلك الإقطاعية لم تمثل العرف القبلي قولاً ولا فعلاً، بل كانت تمثل معول الهدم للقبيلة والدين والوطن.
وأضاف الشيخ ضيف الله: إن العرف القبلي يحرم ويجرم أي تجاوزات تلحق الضرر بأمن الفرد أو الجماعة أو المجتمع أو الوطن، سواءً في ما يتعلق بالأرض أو العرض أو الدين، بل هو ملزم بتنفيذ الروادع المنصوص عليها في القواعد والنواميس القبلية المتعارف عليها، مهما كلف ذلك من أثمان وتضحيات، وخاصة مبادئ النصرة والنجدة ودفع الغزاة والطغاة والظالمين والفسدة المستكبرين، وتلك السلطة مارست عكس ذلك تماماً.
لقد ظهرت ممارسات الإقطاعية المسيئة لأبناء الوطن إلى السطح، وبات الجميع يعرفها ويسمع بها، من قيام أبنائها باختطاف الفتيات من شوارع العاصمة بالقوة، واغتصابهن، وخرق كافة القوانين، كونها تملك النفوذ والقوة، ويدلي أحد الأشخاص الذي فضّل عدم ذكر اسمه أن 10 فتيات عربيات تعرضن للاغتصاب من قبل نجل أحد من يسمون أنفسهم مشائخ اليمن.
بالإضافة إلى قيامهم بإطلاق النار على رجال المرور وأفراد النقاط الأمنية أثناء مرورهم في مواكبهم، وقتل العديد منهم، وفوق ذلك التعدي على المواطنين ودهسهم بالسيارات، وصولاً إلى قتل أبناء مشائخ لقبائل أخرى غير التي يتزعمونها.

استغلال النفوذ القبلي لتحقيق المصالح 
عملت سلطة الإقطاع - التي دحرتها ثورة الشعب في 21 أيلول - طوال فترة سطوتها على اليمن، على منح القبيلة دوراً غير الذي يقع على عاتقها، لتحقيق أهداف كثيرة لها، كضمان بقائها في السلطة، وكذلك الإبقاء على البلاد تحت الوصاية الأمريكية السعودية.
فالعناصر المتنفذة سابقاً اختزلت دور القبيلة في التهديد والوعيد ضد أي رأي أو قرار يتعارض مع مصالحها ومشروع أسيادها، كما يرى الأستاذ ضيف الله رسام الذي شبه أفرادها بالمنافقين الأعراب لتسخيرهم الدين والقبيلة وإمكانيات الأمة لصالح أعدائها.
ويبرهن على ذلك رد أحد أفرادها على سؤال وجهته له مذيعة قناة (الجزيرة) بعد تحريضه المباشر فيها على الإطاحة بالرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، مفاده هل أنت خائف من عودتك إلى اليمن بعد هذا اللقاء؟ فأجابها متفاخراً: من كانت حاشد قبيلته والشيخ صادق الأحمر شيخه لا ينبغي أن يخاف، وفي الوقت الذي كانوا فيه يعتمدون على القبيلة، مارسوا ضدها الظلم والتعسف، وحرموها من أبسط حقوقها كجزء كبير من المجتمع اليمني.

مشائخ يضطهدون القبيلة
رغم النفوذ السلطوي والمالي الذي كان يملكه من ادعوا المشيخة وتزعم قبائل اليمن، إلا أن قبيلتهم التي يقولون إنهم ينتمون إليها عانت كثيراً من تسلطهم وتجبرهم، فقد جعلوا دور أبنائها محصوراً في الجلوس خلف المتاريس لحمايتهم وممتلكاتهم، ومنعوهم من أبسط مظاهر التنمية أسوة ببقية المناطق، حيث لا تعليم ولا أملاك ولا شيء غير تبعية الشيخ الذي يدعي قيامه بثورة ضد استبداد الإمام بالشعب.
وأكد على هذا أحد مشائخ نفس المنطقة من أبناء عمومة الإقطاعية، الذي قال إن أبناء عمومته نهبوا أراضيه وممتلكاته، مستغلين نفوذهم في الدولة، والذي اكتسبوه بعد سبتمبر 62. مستدلاً في مقابلة أجرتها صحيفة (اليمن اليوم) معه في وقت سابق، على الظلم الذي مارسه أولئك المشائخ على أبناء محافظتهم، بقوله: (لم يقف معهم في عمران سوى لواء القشيبي وبعض الإصلاحيين).
واتهم شيخ آخر من نفس العائلة تلك الإقطاعية في مقابلة أجرتها معه إحدى وسائل الإعلام المحلية، بأنها تعمدت منذ عقود طويلة تجهيل أبناء قبيلة حاشد ليظلوا مجرد مرافقين وحراس على أبواب منازلها ومصالحها. مشيراً إلى أن الكهرباء في حاشد لا توجد إلا في المنازل التابعة لهذه العائلة الإقطاعية، بينما بيوت المواطنين من حولها مظلمة، واتخذت من شعار (جوِّع كلبك يتبعك) منهجاً لها، حتى اقتربت ثورة المسيرة القرآنية من معقل هذه الإقطاعية.

القبيلة تنضم للثورة وتطيح بالإقطاعية
كانت القبيلة من أوائل الفئات الملتحقة بثورة 21 أيلول المجيدة، بعد أن وجدت فيها الإنصاف والعدل واستكمال مشوار الأحرار الذي قطعت سلطة الإقطاع الطريق عليه.
فما إن وصلت الثورة إلى المناطق التي مارست فيها تلك المشيخات انتهاكاتها وأعمالها الجبروتية، حتى التحق بها أبناؤها، وأسقطوا معاً الإمبراطورية الإقطاعية التي استبدت بهم منذ الستينيات، ومن بين القبائل المتحررة قبيلة حاشد التي انقلبت ضد بيت الأحمر في موقف لم يتوقعه أحد، وذلك نتيجة الظلم المتراكم الذي مارسه الشيخ وأولاده عليها.
وانضمت كأخواتها إلى صف ثورة 21 أيلول 2014م، بعد أن وجدت فيها سبيلاً إلى وضع حد لمن انتهك حقوقها وخالف عرفها وتمادى عليه منذ السبعينيات، ونجحت مع بقية أبناء الشعب بقيادة أنصار الله في إزالة هذه الإقطاعية المشيخية وهدم إمبراطوريتها التي بنتها على آمال اليمنيين وثروات بلدهم. 
وحينما قضت على تلك الجماعة ضجّت قوى الظلم والاستكبار العالمية، على رأسها أمريكا والسعودية وإسرائيل، ولجأت إلى استخدام شتى الوسائل الممكنة لديها بغية إرجاعها للسلطة، ووصلت إلى إنشاء تحالف عالمي لشنّ عدوان همجي غاشم على الوطن في 26 مارس 2015، واندفاع جماعة الإخوان وبعض الذين كانوا يسمون مشائخ قبائل اليمن إلى تأييد ذلك، بل ومشاركتهم في سفك دماء أبناء الشعب وفرض الحصار الجائر عليهم براً وبحراً وجواً، وهذا جعل القبائل تبذل كل جهدها في رفد الجبهات بالرجال والقوافل الغذائية، والقتال تحت قيادة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي. 

ثورة 21 أيلول تنصف القبيلة
وتصوب مسارها
انتظرت القبيلة فترة طويلة لتستعيد دورها الحقيقي، بسبب عدم وجود قوى ثورية وطنية تسعى لتحرير البلد من طوق الوصاية الذي لفته مجموعة من الخونة حول عنقه.
غير أنها وجدت ضالتها في ثورة 21 أيلول التي حملت مشروعاً ثورياً ينسجم مع تطلعات القبائل ومبادئها وقيمها وأخلاقها، وأشار الشيخ رسام في حديثه للصحيفة إلى أنه في الوقت السابق لم تقم دولة بمعناها المكتمل إلا في مقطع زمني قصير كمشروع تم القضاء عليه قبل استكماله، لهذا كانت تستخدم في الصراع من أجل المصالح. 
وأضاف رسام: إن من أهم تطلعات ومطالب القبائل اليمنية إقامة دولة قوية وعادلة تستطيع من خلالها أخد ما هو لها وإعطاء ما هو عليها، والمشاركة فيها بقدر مكانتها وعطائها في سبيل تحقيق مصالح الوطن العليا واستقلاله وأمنه واستقراره.
لقد عملت الثورة السبتمبرية منذ 2014 وحتى الآن، على إظهار أجمل ما في القبيلة اليمنية، والذي دفنته إقطاعية عميلة للخارج طوال الفترة الماضية، حتى باتت خطابات قائد الثورة لا تخلو من الإشادة بها وبالدور البارز الذي تقوم به في مواجهة العدوان في كافة جبهات القتال، ويتحدث رئيس مجلس التلاحم القبلي عن ذلك بقوله: (دور القبيلة إلى حد الآن بارز ومحوري في أدق وأصعب الظروف التي يمر بها الوطن، والذي مكنها من استعادة سمعتها ومكانتها، ومستقبلها مبني على ترتيب صفوفها وتنظيم دورها في أخذها وعطائها ومبادئها ومغادئها ونفيرها ونكفها وإصلاح شؤونها وقضاياها وأمن ساحتها وتطهير ذاتها من عناصر الخيانة والعمالة المحسوبين عليها). مؤكداً أن السيد القائد يقدر القبيلة وأهمية دورها منذ فجر الإسلام وحتى الآن، ويعول على دورها في الحفاظ على الثورة وتحقيق أهدافها، مثلما كان لها الدور البارز في إنجاحها.