عمد النظام الذي استطاع الاستقرار ليحكم الوطن بعد محطات من العنف واغتيالات بدأت في الستينيات وانتهت في الثمانينيات، إلى استخدام جملة (مصالحة وطنية شاملة) لإعطاء فرصة لكل من فرّوا من البلد بعد الحروب التي حدثت فيه، آخرها حرب صيف 94، ليتمكنوا من العودة، ولكن هناك من استثنتهم تلك الجملة، ولم يسمح لهم بالعودة إلى الوطن مثلما سُمح لسلاطين الجنوب الذين وقفوا إلى جانب الاحتلال البريطاني، أو للأشخاص الذين حاولوا ضرب الوحدة بعد تحقيقها بأربع سنوات، أو لمن ذهبوا مع أمريكا لقتال الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، فجميعهم عادوا ونالوا نفوذاً سياسياً واقتصادياً لم يحلموا به، وهم الذين اضطروا للهرب حفاظاً على حياتهم التي أضحت في خطر بعد نجاح الانقلاب الذي مولته قوى خارجية في الإطاحة بهم وقتل العديد منهم.
عودة الأفغان العرب 
لم يعانِ من ذهبوا للقتال في صف أمريكا ضد الشيوعية في أفغانستان، أية صعوبات عندما عادوا إلى الوطن بعد انتهاء مهمتهم.
وهؤلاء الإرهابيون عمل على تحشيدهم إلى أفغانستان الإخوان المسلمون بضوء أخضر أمريكي، حسب اعتراف الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي قال في إحدى مقابلاته إنه عندما حاول منع حدوث ذلك أتت الأوامر الأمريكية بالسماح لهم.
وعندما عادوا نهاية الثمانينيات لم يواجهوا صعوبة في ذلك، ووصلوا البلد ليتقلدوا مناصب كبيرة في الدولة، ويحصلوا على نفوذ قوي، خصوصاً بعد مشاركتهم مع النظام حينها في حرب 94 التي خاضها ضد الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم للجنوب، بسبب توجهه للانفصال.
وربطتهم علاقة وثيقة بمتنفذين سابقين في جنوب اليمن كبعض السلاطين الذين حكموه بالتعاون مع الاحتلال البريطاني قبل فرارهم من بنادق ثوار 14 أكتوبر خارج البلد، وعادوا في ما بعد، لتتكشف ماهية تلك العلاقة، حيث اتضح أن جميعهم يخدمون نفس المشروع الأمريكي الذي تديره السعودية.

سلاطين عملاء يعودون إلى الوطن
يتحدث الكثير عن أن نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والذي تشارك الحكم مع حزب التجمع اليمني للإصلاح (ممثل الإخوان المسلمين في اليمن)، هو من أعاد أولئك السلاطين ليضرب بهم خصمه الاشتراكي إبان حرب صيف 94.
وبعد انتصاره فيها أعاد للسلاطين الذين وقفوا معه نفوذهم وبعض أملاكهم التي لم تؤمم على يد دولة الاشتراكيين، أما التي أممها الحزب فكانت من نصيب من أصدروا الفتاوى للناس بإباحة دماء الشيوعيين في الجنوب، وهم الوهابيون في حزب الإصلاح.
يقول عدنان باوزير، المدير العام السابق لفرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف بحضرموت، إن عودة بعض سلاطين الجنوب لم تبدأ الآن، وإنما في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبتشجيع ورعاية من الحكومة حينها، حيث تم استقبال السلطان غالب القعيطي آخر سلاطين حضرموت، بحفاوة، وقام بزيارة رسمية إلى صنعاء.
لم تكن عودتهم عابرة وضمن المصالحة الوطنية الشاملة، كونهم يمنيين فقط، بل بخطة مدروسة لها مآرب وأهداف يجب تحقيقها، وكما أضاف باوزير فإن تلك العودة فيها نوع من الريبة كونها صاحبت ظهور مشاريع الانفصال ومشاريع أخرى جهوية صغيرة على الساحة، وبسبب الإحباط الشديد الذي تولد لدى الناس نتيجة الفشل والخيبات المتراكمة التي أوجدها كثير من القصور السياسي والوطني لـ(26 سبتمبر و14 أكتوبر)، حصل العائدون على بعض من الحفاوة.

العائدون يتزعمون الإرهاب
إن من أبرز أولئك السلاطين هو طارق نجل ناصر بن عبد الله الفضلي، أحد سلاطين محافظة أبين قبيل الاستقلال عن الاستعمار البريطاني عام 1967م، والذي عاد إلى الوطن في 89، وهو الوقت الذي لاحت فيه بوادر الوحدة، وهناك من يقول إنه عاد من أفغانستان إلى السعودية التي ولد وترعرع فيها قبل ذهابه للجهاد الأمريكي في أفغانستان، ومنها إلى اليمن بعد تحقق الوحدة عام 90.
وكان طارق الفضلي من قيادات الأفغان العرب الذين قاتلوا في صف أمريكا ضد الشيوعيين (الاتحاد السوفياتي) في أفغانستان، برفقة أسامة بن لادن، لينتقل بعدها لمواجهة الماركسيين باليمن، كما وقف بقوة ضد محاولات الانفصال، وشارك في حرب 94 مع النظام الحاكم في الشمال ضد الحزب الاشتراكي الذي كان قد اتهمه بمحاولة اغتيال أحد قياداته وتفجير فندق عدن، ما استدعى اعتقاله، ولكن بعد الحرب وانتصار دعاة الوحدة على دعاة الانفصال، تقلد الفضلي منصباً قيادياً في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم حينها، وعضواً في مجلس الشورى، دعمته في ذلك علاقة المصاهرة التي تربطه مع الجنرال الفار علي محسن الأحمر.
وطالما ارتبط اسمه في اليمن بتنظيم القاعدة الإرهابي، فقد استغل نفوذه وقرابته من أعلى هرم السلطة في خدمة مشروع الإرهاب الذي ترعاه أمريكا والسعودية، وتدخل مرات عديدة للإفراج عن معتقلين على ذمة قضايا إرهابية بوساطة من العميل علي محسن.
وفي فترة من الفترات منحته السلطة المحلية أرضاً واسعة تمتد بحسب معلومات وردت في مواقع إخبارية من محافظة أبين إلى بعض أجزاء عدن، بينها مزرعتان شاسعتا المساحة هما العلمين ولينين، إضافة إلى تعيينه شيخاً على قبائل الفضلي والمراقشة بأبين.
ومن ضمن عائلات السلطنات البارزة في تنظيم القاعدة الإرهابي الأمريكي المطور عن الأفغان العرب، العوالق، ومنها قادة كثيرون انخرطوا للعمل ضمن مشاريعه.
ومنهم عوض محمد بن الوزير العولقي سلطان سلطنة نصاب بشبوة كما يصفه البعض، الذي يملك نفوذاً كبيراً في جنوب اليمن، فهو أحد أعضاء مجلس النواب، وعينه الفار هادي ضمن مستشاريه الذين التحقوا بركب تحالف العدوان الأمريكي السعودي.

سلاطين على رأس مؤيدي العدوان في الجنوب
جميع العائلات التي برزت أسماؤها في فترة ما قبل الدنبوع، من السلاطين العائدين للوطن، هرعوا إلى تأييد العدوان والعمل في سبيل تحقيق أهدافه في اليمن، بدءاً من الفضلي ثم العولقي وباكثير والقعيطي، وكما يقول البعض فهذا ليس غريباً، كون السعودية هي من احتضنتهم فترة طويلة، والغريب هو تأييد القومجيين والاشتراكيين لها، ووقوفهم مع السلاطين في خندق تحالف العدوان.
فقد عين الفار هادي منصر القعيطي محافظاً للبنك المركزي بعد نقله من صنعاء إلى عدن، في خطوة اتخذها التحالف بقيادة السعودية لتصعيد عدوانه الاقتصادي على الوطن. 
ومنصر هو أحد أفراد العائلة القعيطية التي حكمت جزءاً كبيراً من حضرموت، وطالب آخر سلاطينها قبل 4 أعوام جهاراً بانفصال المحافظة، وهو غالب بن عوض بن صالح القعيطي، الذي استقبل في صنعاء أثناء عودته من المنفى بحفاوة، ومطالبته تلك ضمن مخطط أقلمة وتقسيم اليمن الذي رعته دول الوصاية بعد 2011م، وتسعى حالياً لتنفيذه بعدوانها.
وبما أن هذه العائلات خدمت الاحتلال البريطاني في فترة سيطرته على الجنوب، فإنها أتت بإملاء من أمريكا وبريطانيا والسعودية، وتعمل جاهدة على إعادة الاحتلال كما يرى البعض، وتقول معلومات إنه يتم الترويج لإعادة مسميات الاحتلال لبعض المناطق كحديقة نشوان التي يُراد إعادة تسميتها القديمة التي كانت أثناء الاحتلال، وهي حديقة إليزابيث، والتي يوجد بها تمثال لملكة بريطانيا إلى اليوم، ومدرسة تمنع بمدرسة الباردي، ومستشفى الجمهوري بمستشفى الملكة، وكذلك منطقة بنجسار بالتواهي وبها كنيسة بنفس الاسم وعدد من مقابر ومعالم الإنجليز.
في المقابل حرمت سلطات الدولة المتبقين من العائلة التي حكمت شمال اليمن قبل 62، من العودة إلى أرض الوطن، كما فعلت مع السابقين، خوفاً من إعادة الملكية كما يروج له، غير أن الحقيقة مغايرة تماماً.

الإخوان المسلمون يحتكرون اليمن
يبدو أن عائلة حميد الدين التي هربت من التصفية على يد الإخوان في ما يسمى ثورة 26 سبتمبر، للحفاظ على من بقي منها على قيد الحياة، لم تنضم للأفغان العرب وتقاتل في صف أمريكا ضد الشيوعيين، ولم تؤيد بريطانيا وترضخ لإملاءات اللجنة الخاصة السعودية كي يسمح لها بالعودة إلى الوطن مثلما سُمح للسلاطين ومن سموهم المجاهدين الأفغان.
وحرمت السطات المتعاقبة على حكم اليمن بعد سقوط الدولة المتوكلية، عائلة حميد الدين من الجنسية اليمنية والمواطنة أو حتى زيارة اليمن، ففي 2003 رفضت الدولة التي تتحكم الإقطاعية المشيخية الدينية الإخوانية بجزء كبير منها، دفن جثمان الأمير الحسن بن يحيى حميد الدين في الوطن جوار والده، تنفيذاً لوصيته، لأن عائلته أصرت على مرافقة أحد أبنائه للجثمان.
كما أن الرئيس السابق علي صالح لم يتابع تنفيذ توصيته بإعادة الأملاك الخاصة ببيت حميد الدين إلى من تبقى من عائلته، كما فعل مع عدد من سلاطين الجنوب، كون من سيطر على 26 سبتمبر مازال مسيطراً على الحكم حينها.
وتعيش العائلة التي يربو عددها على الألف في المنفى منذ نصف قرن، غير أنها متمسكة بهويتها وعاداتها وتقاليدها اليمنية، ولم تتأثر ببلدان المنفى حسب ما روى أحد الصحفيين عن لقائه بالأمير علي بن إبراهيم بن يحيى حميد الدين عام 2009، في مدينة طرطوس السورية.
واستبعد حفيد الإمام يحيى عودة عائلته إلى اليمن، كون من يتولون حكم البلد لم يبدوا نيات صادقة في ذلك، حتى إعلان الرئيس قبلها بفترة بإعادة أملاكهم لم ينفذ حسب حديث الأمير علي.
ويؤكد المدير السابق لفرع الهيئة العامة للآثار بمحافظة حضرموت أن هناك أشخاصاً ليسوا على صلة قرابة مباشرة بعائلة حميد الدين، ولكنهم ضمن الهاشميين، اضطروا لتغيير أسمائهم وألقابهم حتى يتجنبوا القمع والتهميش والإقصاء بعد سبتمبر 1962. مضيفاً أن من حكموا الشمال بعد ذلك التاريخ اتخذوا مذهباً مغايراً تماماً لمن حكموا الجنوب، كونهم لم يستوعبوا أفراد عائلة حميد الدين ضمنهم، كما فعل الحزب الاشتراكي مع بعض أبناء السلاطين. 

ثوار الوطن ضده والأئمة معه
انجرَّ معظم من قادوا ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، إلى تأييد العدوان على الوطن فور إعلانه، ويستميتون في خدمته، في الوقت الذي يتهمون فيه أنصار الله الذين قادوا ثورة 21 أيلول 2014م، ورفعوا فيها العلم الجمهوري عالياً، بأنهم تابعون للإمامة التي قامت ضدها ثورتهم، رغم ما يبذلونه من تضحيات في سبيل الدفاع عن الوطن، وبعض من يقومون بتوجيه هذا الاتهام ظهروا في أوقات كثيرة وهم يدوسون علم الجمهورية اليمنية بأقدامهم، خصوصاً في الجنوب المحتل، مع أن من تبقى من عائلة حميد الدين سجلوا موقفاً وطنياً ضد العدوان حسب تصريحات البعض.
يقول الصحفي آزال الجاوي لصحيفة (لا) إن معظم المرتزقة الذي سهلوا أو تعاونوا مع العدوان هم إما من قيادات ثورتي سبتمبر وأكتوبر والدولة في مراحل مختلفة، أو من أبنائهم ومن تربى في كنفهم، وبالنسبة للأئمة في الشمال فلم يكن لهم أي دور سلبي يذكر حتى اليوم، بل إن بعضهم سجل مواقف ضد العدوان. 
ورجح الجاوي سبب عدم رفع أصواتهم عالياً بموقفهم الوطني، إلى خوفهم من التأويلات الخاطئة أو تجيير ذلك بشكل سلبي من قبل المستفيدين من العدوان ومرتزقته، وربما أيضاً من أجل عدم إثارة حفيظة الشعب.
بات ضرورياً إنصاف من وقف مع الوطن في أحلك ظروفه، وإعطاؤه حقه المسلوب منه ظلماً وتعدياً، وتصحيح التاريخ المغلوط الذي خط سطوره الإخوانيون بتعليمات سعودية أمريكية، شوهوا الوطنيين ولمّعوا الخونة، وبذلوا قصارى جهدهم لمنع عودة أفراد أسرة حميد الدين إلى الوطن، في الوقت الذي تعاونوا فيه مع بعض سلاطين الجنوب الذين شاركوهم نفس الأهداف والغايات المحققة لرغبات الخارج، وكذلك الشيوعيين الذي كفروهم وأباحوا دماءهم في حرب 94م، ويقفون معهم اليوم في صف واحد تلاقت فيه طموحاتهم جميعاً إلى جانب العدو المحتل.