أعادت التهديدات المتبادلة بين” إسرائيل” وحزب لله، احتمالات الحرب إلى الواجهة، خصوصاً أنها تتزامن مع إجراءات إدارة ترامب العقابية ضد إيران والحزب. إلا أن كثافة التصريحات المترافقة مع تحولات دولية وإقليمية، أخذت تنحو بهذا الاحتمال نحو الجدية. وتعزو المراجع السياسية والديبلوماسية الغربية أخطاره إلى “خطأ في الحسابات” قد يقترفه أي من الفريقين، نتيجة سوء تقدير، كما حصل في حرب تموز 2006.

فـ”إسرائيل” قد تستفيد من العداء الخليجي لإيران، ومن تفكك العرب، ومن عدم فعالية العقوبات في إضعاف حزب لله، لإقناع الدوائر الأميركية الممانعة للحرب بأن تسلحه بات خطيراً عليها. وهذا ما حصل بالفعل، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يدع مجالا للشك بأن سياسته تجاه إيران ستكون مغايرة ومعاكسة لسياسة سلفه الرئيس باراك أوباما الذي وضع الأولوية الإيرانية فوق كل اعتبار وانتهج سياسة جفاء مع السعودية ومصر لصيانة اندفاعه الى تحقيق النقلة النوعية في العلاقات الأميركية ـ الإيرانية وتوقيع الاتفاق النووي مع طهران. فمنذ أن وطأت قدما ترامب البيت الأبيض تعهد بإصلاح العطب والخطأ في سياسات أوباما، وتحديدا لناحية ما يعتبره ـ تجاوزات إيران في الجغرافيا العربية مستفيدة من الاتفاق النووي الذي هو أسوأ اتفاق خارجي توقعه الولايات المتحدة في تاريخها.

الضغط الأميركي على إيران يترافق مع الضغط على حزب لله الذي تعده واشنطن رأس حربة المشروع الإيراني في المنطقة وذراعه الأمنية والعسكرية الأساسية.  وهذه الضغوط بدأت تسلك منحى تصاعديا ومتسارعا من خلال:

1ـ إعداد الصيغة النهائية لقانون العقوبات الجديدة المشددة، حيث تضع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب التفاصيل النهائية لتشريعين يفرضان مزيداً من العقوبات على حزب لله. يستهدف الأول تقييد قدرة حزب لله على جمع الأموال، ومنعه من التعامل مع المؤسسات المالية الأخرى. بينما يستهدف التشريع الثاني فرض عقوبات بسبب انتهاكات حزب لله لحقوق الإنسان واستخدام المدنيين دروعا بشرية.

2ـ الإعلان عن مكافآت مالية بملايين الدولارات لمن يساعد في اعتقال مسؤولين بارزين في حزب لله ، فقد أعلنت وزارة الخارجية مؤخراً عن رصد مبلغ 12 مليون دولار لانجاز هذا الهدف .

3ـ حض الدول الأوروبية على تصنيف حزب لله تنظيما إرهابيا والكف عن نظرية الفصل والتفريق بين الجناحين السياسي والعسكري. مصادر فرنسية مسؤولة قالت بعد انتهاء زيارة الرئيس ميشال عون لفرنسا مؤخراً، إن الرئيس إيمانويل ماكرون قال لضيفه اللبناني إنه تلقى رسائل عديدة عن تدخل حزب لله في سوريا وتعزيز سلاحه في جنوب لبنان، وإن فرنسا وحلفاء أميركا الآخرين يواجهون ضغطاً كبيراً من الأميركيين لوضع الحزب بكامله وليس فقط جناحه العسكري على لائحة الإرهاب الأوروبية ووقف قنوات تمويله.

هذه الضغوط الأميركية تكملها ضغوط إسرائيلية من نوع آخر وتأخذ شكل “تهديدات” عسكرية جاءت هذه المرة بطريقة فجة ومباشرة من وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان الذي خالف التوقعات الإسرائيلية بضعف احتمال نشوب حرب، وقال إنها تقديرات سابقة لم تعد ذات صلة بالواقع الهش، الذي يعني أن أي مواجهة يمكن أن تحدث في أي وقت. ليبرمان تحدث عن حرب إسرائيلية على جبهة واحدة تمتد من سوريا الى لبنان. تحدث عن حرب واحدة تستهدف حزب لله والجيش اللبناني ولا تميّز بينهما. فالجيش اللبناني بنظره صار جزءا من منظومة حزب لله.

وتقول التقديرات الإسرائيلية:  يفترض حزب لله اللبناني أن تفوّقه النسبي ومصلحته العسكرية كامنان في إطالة أمد المعركة المقبلة إلى الحد الأقصى. لقد ارتكزت هذه النظرية على الافتراض القائل بأن مخزون الصواريخ الهائل لدى الحزب، سيتسبب في خسائر موجعة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وسيؤدي إلى تحطيم معنويات المجتمع الإسرائيلي. وإلى جانب ذلك، فإن الخبرة العسكرية الكبيرة التي حازها التنظيم أثناء مشاركته في الحرب الدائرة في سوريا، ستتيح له تركيع الجيش الإسرائيلي، والتسبب في ضحايا كثيرين في صفوفه على أرض لبنان.

في المقابل، كان تركيز السيد حسن نصرالله على ثلاثة ملفات أساسية تشكل مصدر تهديد وقلق وهي:

1ـ المعركة المستمرة مع “داعش” ومواصلتها في كل مكان للقضاء على “داعش” وللانتهاء من خطرها وفسادها وظلمها وتشويهها للإسلام، مع دعوة “الأمة” لاتخاذ موقف حاسم ضد “الفكر الوهابي التكفيري السعودي” الذي أنتج “داعش” ويمكن أن ينتج شبيها لها في كل زمان وفي كل بلد.

2ـ مسألة تقسيم المنطقة انطلاقا من العراق وعلى أساس عرقي وطائفي ومذهبي لتكون “إسرائيل” هي الأقوى ولتصبح ملاذ كل الطوائف. ولأن التقسيم أمر خطير ، يجب أن يواجه بقوة ويجب على الأكراد أن يعودوا الى الحوار بعد إلغاء نتائج الاستفتاء.

3ـ التهديدات الإسرائيلية للبنان بتدميره في أي حرب مقبلة. ومن الملاحظ أن السيد نصرلله يأخذ هذه التهديدات على محمل الجد متهما نتنياهو بالعمل مع ترامب لتخريب الاتفاق النووي مع إيران ودفع المنطقة الى حرب جديدة. لذلك، يرفع درجة تهديداته المضادة من باب “توازن الرعب”، محذرا من  سياسة حمقاء وناصحا اليهود بمغادرة فلسطين المحتلة حتى لا يكونوا وقودا في أي حرب لا يعرف نتنياهو وحكومته وقيادته العسكرية إذا بدأت كيف ستنتهي، وليس عندهم تقدير دقيق ولا صورة صحيحة عن  أي مساحات سوف تشمل وما هي ميادينها ومن سوف يدخل في هذه الحرب.

أما ما يخص الموقف الروسي وهل تتدخل موسكو في الوقت المناسب لقطع الطريق على إقحام لبنان في حرب جديدة مع” إسرائيل”؟

مصادر لبنانية وثيقة الصلة بالقيادة الروسية تقول إن المخاوف من شن” إسرائيل” الحرب طرحت على موسكو من جانب مسؤولين لبنانيين، وإن تقويم الديبلوماسية الروسية كان أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يحتاج في هذه المرحلة إلى الإبقاء على أجواء الحرب لأن تظهير أخطار المواجهة مع إيران وحزب لله وتعظيم ارتفاع مستوى تسلحه، يساعدان زعيم “الليكود” على استمرار حكومته التي تعصف بها الخلافات، لحفظ الحد الأدنى من التماسك في صفوفها، من دون خوض الحرب.

ويُعتقد أن روسيا تمارس حالياً سياسة اللعب على التوازنات ، وهي تراهن على التدخل في الوقت المناسب، من اجل لجم التصعيد  .

لكن، السؤال المطروح حاليا: الى متى يمكن للهدوء اللبناني أن يستمر تحت وطأة هذه الضغوط المتنامية على حزب الله؟ والمفارقة المطروحة: أن بعض المسؤولين في لبنان لاهون بتعيينات وسلسلة وضرائب، فيما لبنان بات في عين العاصفة الإقليمية وفي مهب التحولات التي تهب رياحها من عدة اتجاهات. لكن فائض قوة المقاومة بالمرصاد لكل الضغوط والتهديدات

سركيس ابو زيد/ العهد الاخباري