خلفية:
إن طبيعة العدو الإمبريالي العسكرية المحيطية البحرية - غير القارية - وتموضعاته وتنظيم قواته وتاريخه وتركيبته بما هو كذلك، تفرض عليه الأولوية الجيواستراتيجية الساحلية كساحة حاسمة للمواجهات مع القوة الوطنية المكشوفة أمام الطيران، وقد مثلت المعارك العدوانية الداخلية والجوية طوال الفترة الماضية، طوراً أولياً من أطوار التهيئة للمواجهة الساحلية الحاسمة التي يدفع فيها العدو بكل قواته وبأنواعها المشتركة في معارك (كسر عظم) يمكنه خلالها فقط، استخدام جميع أسلحته وقواته بأنواعها مجتمعة تحت قيادة واحدة في معركة كبرى أرادها أن تكون نهائية حاسمة، تضرب بها الامبريالية بكلتا قبضتيها.
ولذلك قامت خطة العدو من البداية على استنزاف قوات الجيش واللجان في الداخل، وجذبها إلى خارج مناطقها الدفاعية الحصينة وخارج عرينها الهضبي.
وكانت أولى مناورات العدو هي اختراق الجنوب، ومحاولة اجتذاب الجيش واللجان إليه لإغراقها في مستنقعاته، ثم الانقضاض عليها بعد سحب أكبر عدد من قواته نحو المناطق المكشوفة. وبعد أن تكشفت الخطة الغادرة وأدواتها في عدن، تم التراجع إلى الجبال وأخذ مواضع استراتيجية جديدة، ومن يومها والعدو فاقد المبادرة التي كانت قد انتقلت إليه مؤقتاً في اختراق عدن يوليو 2015م، وهو يحاول استعادتها بنقل المعركة الكبرى إلى الساحل الغربي بكاملها.
مناورة العدو وتكتيكاته
بعد الخسارة الاستراتيجية للعدو في العمق المركزي الداخلي؛ صاغ العدوان الامبريالي خطة جديدة تقوم على التراجع واجتذاب الجيش واللجان جنوباً وشرقاً وغرباً، ثم الهجوم عليها بعد الالتفافات الداخلية وقطع المؤخرات والطرقات، وكانت الاستراتيجية تشمل التهيئة العسكرية والسياسية والأرضية الجيواستراتيجية المناسبة، وعدم التورط في حرب طويلة في الشمال الهضبي الجبلي؛ لخطورة نتائجها النهائية وخسارتها، وكان لابد من توفير وتحضير عاصمة جديدة وعواصم بديلة ترضي جميع أطراف المرتزقة ونزعات كل منهم، وتوحد جهودهم وراياتهم الجهادية، وتشبع حماسة (المتهورين)، فتختلط الأموال بالمبادئ والوقائع بالأوهام والمظلوميات بالأكاذيب.
وبداية فقد قام العدو بالتراجع الصوري عن المواقع الحاكمة جنوباً، وتسهيل وصول القوات إلى الجنوب، فلم يستمت في الدفاع عن المواقع على الطرق، ولم يخض معارك كثيرة لها قيمة، فقد كانت عبارة عن مناورات ومناوشات وتراجعات؛ لأن خطته كانت تقوم على كيفية إنزال الجيش واللجان من صنعاء ومن الهضبة إلى السواحل الجنوبية والغربية -وقطعها هناك- ووضعها بين السهل والبحر والجبل. ثم الالتفافات من خلف الجيش واللجان والتموضع خلفها وفي مؤخراتها، والاستعداد لضرب الحصار حولها، وقطع طرقها وإبقائها تحت الطيران والبوارج والمدافع والصواريخ العدوانية، وتحت رحمة قوى التخريب والإرهاب.
لم يكتفِ العدوان بأن يستهدف قوات الجيش واللجان الموجودة فقط، فلم يقنعه ذلك، فقد كان يريد المقاتل اليمني كله أن يدخل المصيدة الساحلية.
وإلى الآن تهدف خطة العدو على اجتذاب قوات الجيش واللجان خارج محيطها الدفاعي والجيواستراتيجي.
كان (المشروع البحري الصديق) الذي أدارته القوى الإمبريالية والرجعية ما قبل العدوان، أواخر 2014م ومطلع 2015م، هو المرحلة الأولى من العدوان الإمبريالي على الوطن، العامل على التهيئة للمعركة التي أعدت لأن تكون في السواحل اليمنية بالاتكاء على الأساطيل البحرية الغربية. وجاء المشروع في ظاهره عبارة عن مناورات بحرية وتدريبات، بينما كانت فعلياً تتدرب على الجغرافية اليمنية، وتتهيأ في السواحل، وتدرس بيئتها ومحيطها.

المخطط الأمريكي الخاص والعام 
تخضع الحرب الحالية للكثير من المحددات العامة والخاصة. فأمريكا همها الكبير الحصول على المنطقة المركزية النفطية والجيواستراتيجية الممتدة من سقطرى إلى البحر الأحمر والمهرة وحضرموت وشبوة الجوف ومأرب، ثم تقوم بإحالتها إلى الكيانات التابعة الوكيلة لها لتديرها بالمشاركة في الربح والسطوة والنفوذ.
الاستعمار الأمريكي - كقرصان بحري محيطي - لا يستطيع إدارة القارات البرية المفتتة في العالم الثالث مباشرة وبنفسه؛ لكنه يوكل إلى الكيانات التابعة له القيام بمهام الإدارة الإقليمية المحلية، وهو يصطاد الحيتان ويسلمها للكيانات الأقرب لتغليها وتطبخها وتبيعها وتعود بالفائدة لها وله، وهو هدف مشترك يجمع الأمريكي والخليجي والسعودي والإسرائيلي.

أهداف خاصة أمريكية مسكوت عنها
ولكن أمريكا لها أهداف خاصة ملحة الآن، وهي حلب المزيد من مليارات الدولارات الفائضة لدى السعوديين والخليجيين، ولذلك تطيل أمد الحرب، والحرص دون الوصول إلى أفق حاسم، لأن ذلك يوقف أنبوب الدولارات السائلة التي تنعش صناعاتها واقتصادها المتهالك.
وفي الوقت ذاته، تريد تمكين الاحتلال للجنوب أطول فترة ممكنة، قبل أن تنتقل المعارك إلى الجنوب مرة أخرى في حال تعثرت حملات الساحل الغربي.

الحرب الساحلية والاستراتيجية 
الحاسمة للعدو
الهدف الاستراتيجي للعدوان الأمريكي الصهيوني الغربي الخليجي، هو البحار المركزية والصحارى النفطية والممرات والجزر، ومنطقة الجنوب الشرقي والساحل الغربي لليمن.
أما الباقي فهي أدوات جيوسياسية قابلة للتغيير والتبديل والتعديل حسب ظروف المعركة الكبرى، وتعطى للوكلاء والعملاء المشاركين في حراسة الفريسة له.
ونتيجة ذلك تصبح المناطق البحرية والساحلية والصحراوية النفطية ساحة الحرب الاستراتيجية الموجهة ضد اليمن؛ لأنها صراع على الهدف فوق الهدف نفسه، وهو غرض الاستراتيجية العليا للعدو، وهذا هو سبب أساسي لتجنب العدو مباشرة خوض الحرب البرية، وتركها لعملائه في المناطق الهضبية الداخلية؛ لأنه لا يستطيع ولا يريد في نفس الوقت؛ لأن مطالبه وأغراضه منذ البداية محددة في الأراضي الساحلية الصحراوية النفطية السهلية والحاكمة على خطوط التجارة العالمية، علاوة على ما تمثله من تمركزات حيوية استراتيجية في حماية الأمن القومي الصهيوني والمصالح الإمبريالية في المنطقة، وما تمثله من تضييق الخناق على محور المقاومة والتحرر العربي في حال سقطت بأيديهم.

الاستراتيجية الراهنة للإمبريالية 
في المرحلة الراهنة ينحصر هم الإمبريالية الأمريكية السعودية وكياناتها الصهيونية التابعة في حماية الجنوب والشرق المحتلين، والساحل الشرقي للمندب، والبحر الأحمر، والسيطرة على الحديدة وميدي والمخا.

أطوار الحرب
المشروع العدواني مشروع كبير، فيه أطراف عديدة بقيادة الولايات المتحدة صاحبة الدور والمخطط والمصلحة الكبرى، وتأتي الأطراف الشريكة التابعة الإقليمية؛ ليؤدي كل منها دوراً محدداً -يهمها في المخطط العدواني الكبير وأنيط بها- ولتغطي على (المعلم الكبير) الذي يتستر خلفها، ويظهر بمظهر المعاون والموجه، وخبير ومورد الأسلحة، ومصدر التخطيط والتوجيهات، وبائع الطاقات العسكرية الفائضة -أي بيت الخبرة الدولية- كما يقدم نفسه مقاولاً للمشروع الكبير الذي يظهر فيه السعودي هو صاحب الملف الرئيسي في الواجهة وطرف الحرب المباشر، بينما لا يظهر الدور الأمريكي الكبير إلا في الحالات الصعبة والدقيقة والحاسمة، مع تطور المعارك وتوسعها، وكأنه المنقذ للأمن والسلم الدوليين، والمكافح (للإرهاب) الذي لا يشق له غبار.

الدور السعودي
كان الهدف الاستراتيجي للهجوم السعودي المباشر من الشمال بداية العدوان هو:
1. السيطرة على الإقليم المركزي الشمالي الشرقي (مأرب الجوف صنعاء)، والدفع بالجيش واللجان جنوباً ووسطاً وغرباً.
2. إفساح المجال أمام عمل القوى الاستراتيجية البحرية والجوية الأمريكية الدولية للسيطرة على الأهداف الجيواستراتيجية والاقتصادية المحددة، وفي المقدمة منها: عدن وباب المندب إلى الحديدة وميدي غرباً، إضافة إلى حضرموت وسقطرى، وتلقي الجيش واللجان (المدحورة) من الشمال للإجهاز عليها في المناطق المكشوفة كقوة مارقة عن الشرعية، متمردة على القانون الدولي، مهددة للملاحة والأمن والسلم الدوليين، خارجة عن الإجماع (العبري) المشترك. وسلخ الأقاليم المحددة الجنوبية الشرقية الغربية خارج النظام السياسي اليمني وفقاً لمشروع (الأقلمة) الإمبريالي الذي فرض مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
3. إقامة بنية سياسية عسكرية جديدة ترسخ المحتل وتواصل سلخ الأقاليم المتمردة والخارجة عن القانون الدولي.
في هذه المرحلة لا تتم الإثارة المعلنة للمشروعات الخاصة بالانفصال والانسلاخ والانضمام؛ بل تبقي الجميع داخل بساط الشرعية فقط، وتحت جناحيها ومكافحة الإرهاب و(النفوذ الفارسي) و(حماية الأمن القومي العروبي)، ومواصلة إنضاجها داخلياً ضمن اتفاقات داخلية والتزامات متبادلة.

الأهداف الصغيرة
تأتي الأهداف الجانبية للأطراف و(الأدوات) حسب الدور المؤدى والاحتياج في سياق الحرب الامبريالية -ككل- وسياق خدمة تنفيذ أهدافها وأطوارها وحمايتها، والقتال من أجلها، وتبريرها، وتكوين الحاضن الشعبي والديني لها، وتغطيتها أمام الرأي العام والشرعنة لها، وتوفير المهندسين والحرفيين والعمال، وكل الكوادر المطلوبة لإدارة المهام الميدانية من الحرب إلى إقامة النظام الجديد إلى إدارة العملية السياسية وتشكيل الحكومة القادمة وفقاً لمواصفات ومقاييس (العم سام US).
إن الأهداف الصغيرة تأتي في سياق التكتيك الجيوسياسي للإمبريالية السعودية الأمريكية؛ لكي تغطي المشروع في أطواره المتعددة والمختلفة، وتمنحه الشرعية التي يحتاجها أمام الرأي العام والعالم والقانون الدولي، وتكون له إطاراً يلتف حوله ويبرره ويفتي بشرعية تصرفاته وقانونية مجيئه.
مثل هذا مشروع الانفصال الوهمي، و(حق تقرير المصير) و(الأقلمة) و(الفيدرالية) و(التوازن الطائفي)، و(الأمن القومي العروبي)، وغيرها من المشاريع الوهمية، والهدف هو توظيف هذه القوى في التجنيد والترويج لحيثيات العدوان، واستغلالها في تمزيق النسيج الاجتماعي وضرب السلم الأهلي والوطني، وتفتيت الكيان الوطني إلى كيانات صغيرة متناحرة تُسهل سيطرة العدو على البلاد.
ما زالت السعودية في المنظومة الإمبريالية الإقليمية هي المعنية والمسؤولة عن إدارة الملف اليمني في الاستراتيجية الأمريكية الدولية، وخاصة بعد المصالحة الأمريكية السعودية الأخيرة في عهد ترامب؛ فقد مكنت المائتا مليار دولار المدفوعة مقابل الحماية السنوية -ومئات المليارات الأخرى من صفقات وغيرها- مكنت من نسيان كافة الملاحظات السابقة، والعودة بالعلاقات إلى سابق عهدها، لتعود السعودية هي المسؤول الإقليمي عن الملف اليمني.
ورغم الدور الإماراتي المتميز؛ إلا أنه دورٌ تابعٌ وثانويٌّ مهما علا واتسع؛ لأن السعودية هي القوة الأقدر والأغنى والأكثر قدرة على تقديم ما تريده أمريكا والغرب أكبر من أي طرف صغير، مهما كان نشاطه الراهن، فهو لا يمكنه تعويض الدور السعودي بقواه وقدراته.

الدور الإماراتي في الجنوب وتعز
لا تقوم الإمارات بدور في الجنوب بعيداً عن السيناريو المتفق عليه أمريكياً وسعودياً، والكلمة الأخيرة للسعودية عند أي صراع يحتدم، وفي الرياض جرت إعادة الأمور إلى نصابها، وتمت إزالة العناصر التي فجرت العلاقات.

حقيقة الدور الإماراتي ومدى استقلاله عن المنظومة السعودية الأمريكية 
الإمارات تؤدي الدور المحدد لها سعودياً وأمريكياً، أحياناً يخرج الممثلون عن السيناريوهات الحقيقية؛ لأنهم لا يعرفونها كاملة، فتشتط الأطراف وتحدث صدامات ما تلبث أن تهدأ مؤقتاً.

التكتيك الإماراتي السعودي المشترك 
حين عجزت السعودية عن التجنيد المباشر للانفصاليين و(الحراك الجنوبي) -الخجول- والقاعدة الشعبية وليس للقيادات، اتفقت مع الإمارات لتقوم باحتواء هذه الشريحة الكبيرة من الشعب منذ 94م وليس من اليوم، وهناك من الحلفاء السعوديين المتعصبين من لا يرضيهم هذا التميز السياسي؛ ولذلك يحاولون الضغط وتفكيك هذه السياسات بوسائل عديدة، منها (الإرهاب)؛ لكنهم جميعاً يقفون في خنادق عدوانية مشتركة وواحدة.
يمكن العودة إلى تصريحات (الزبيدي) و(شائع) بهذا الخصوص، خاصة تلك المدلاة في الرياض، أو العطاس والبيض وياسين وغيرهم، كلها عبرت بوضوح لا لبس فيه عن تأييدهم للعدوان والتحالف العدواني، واعتبروا أمن السعودية جزءاً لا يتجزأ من أمن الجنوب.
كما أن تلك المبالغات في تقدير الصراعات السعودية الإماراتية ونتائجها، هدفت بلا شك أن تنتج المزيد من الأوهام -بين الشرائح الشعبية- حول الأهداف الاستقلالية التي تستخدمها المخططات الإماراتية والسعودية، وذلك لإقامة حاجز فاصل بينها وبين الإخوة في الشمال اليمني. نعم قد تكون خلافات؛ لكنها في الشكل لا في الجوهر، في الأدوار لا في النتائج الأخيرة والعامة للعدوان.
الاختلاف في الشكل والأسلوب وتصور المستقبل الاحتلالي القادم بين طرفي مرتزقة الاحتلال والعدوان؛ فالإماراتيون يتصورونه ويصورونه ليبرالياً مفتوحاً على الآخر، لإغراء الانفصاليين واليساريين والليبراليين الشعبيين؛ بينما السعوديون يتصورونه ويصورونه سوداوياً صارماً، تنفذ فيه الأحكام المذهبية الوهابية السلفية في ظل دولتهم الموعودة بقيادتهم، والسعودية لا تريد أن تظهر في العلن في هذا الدور؛ لأنه يضر بعلاقتها مع حلفائها الشماليين الاتحاديين الارستقراطيين الذين تعدهم بالهيمنة على البلاد كلها وعدم السماح بالانسلاخ؛ بينما في السر تعد الانفصاليين بالانفصال والدولة المستقلة؛ لكن بهدوء وتدريجياً كما يقول هادي لهم عبر الأقاليم.
وبطبيعة الحال، فهي بكلا الحالين تكذب على الجميع، والقيادات المالية للإمبريالية تعرف أنها تكذب، وتعلم أن هذا ضروريٌّ؛ لأنها كقيادات عميلة لن تنجو من الحساب أمام جماهيرها وعناصرها إذا لم تظهر كضحية للأكاذيب في النهاية؛ ولذلك يلعبون لعبة أشبه بلعبة الأطفال. ويؤجلون مفاجأة المعرفة إلى النهاية، جهل الجميع بالجميع، والكل دهاة والكل سذجٌ مخدوعون. إنها واحدة من أصول لعبة (الاستزلام) والاستتباع وبيع الأوطان.

ملاحظة: هذه المادة كتبت قبل نحو عام، وننشرها الآن مع إضافة تعديلات طفيفة عليها في البناء لا المضمون.