مصيرنا مرتبط بمصير ثورة أيلول والأخدام يعيشون انقساماً وطنياً
في هذا الحوار نسلط الضوء على واقع شريحة (الأخدام) في ضوء التحولات التي أحدثتها ثورة الـ21 من أيلول والعدوان على اليمن.. وكعادته في الطرح المكاشف والعميق تحدث معنا عضو اللجنة الثورية العليا محمد القيرعي، الأب الروحي وزعيم الأخدام الثوري. . يقول القيرعي إن من أهم التحولات الحاصلة في المجتمع اليمني، تحويل هذه الشريحة من مهمشة ومعزولة وخارج كل المعادلات الثورية، إلى شريحة فاعلة في العملية الثورية. ويضيف أن الثورة بعثت قيم مشروع التحرر المدني والسياسي والطبقي في إطار المهمشين. 
ومن جهة أخرى يوضح القيرعي أن قضية المهمشين هي عرقية، وتحل في الإطار الوطني العام، وبأن مصيرهم مرتبط بمصر الثورة.. فإلى الحوار...
ـ بداية نهنئكم بأن الله اصطفى منكم شهيداً ولدكم البطل عدنان القيرعي، كما نرحب باستضافتكم مجدداً في صحيفة (لا).. إذن، ونحن نقترب من إكمال العام الثالث على بدء العدوان والثورة الوطنية التحررية.. ما التحولات الحاصلة على المجتمع وبالمقدمة شريحة (الأخدام)؟!
من أهم التحولات في ظل الثورة ومواجهة العدوان، أنه كما تحولت القبيلة من كونها أدوات استبداد في ظل هيمنة آل الأحمر، وصارت ثورية ومدافعة عن الوطن، فقد تحول (الأخدام) من شريحة مهمشة ومعزولة ومنبوذة ومأجورة، إلى شريحة فاعلة في سياق العملية الثورية، بدليل وجودي أنا مثلاً في أعلى هيئة ثورية في البلاد، وبدليل المشاركة اللافتة للمهمشين في الجبهات المختلفة، وبمقدمتها العسكرية.. المهمشون كانوا خارج أية عملية ثورية في البلاد، وخارج المعادلات الثورية، واليوم تغير ذلك، وصرنا موجودين بقوة في المعادلة الثورية، وهذا بالطبع يعكس عمق التحولات الثورية في المجتمع.
والعدوان خلق الظروف القوية لالتحام المهمشين وطنياً، ويتضح من حجم استهدافه لهم، وكنت أنا بينهم في الغارات على مدينة سعوان أثناء لقاء معهم هناك، مدى خوفه من هذه الشريحة كقوة طبقية منبعثة في سياق ثورة 21 سبتمبر.

ـ عاشت هذه الشريحة في حالة عزلة عن المجتمع لفترات طويلة، لكنها انخرطت في أهم محطة تعيشها البلاد.. كيف جرى ذلك؟
نعم، لكن لم تكن العزلة التاريخية في حالة عزلة كاملة، ولو عدنا لتاريخ الحركة الوطنية اليمنية الاشتراكية خلال فترة السبعينيات حتى التسعينيات، سنجد كثيراً من القيادات كانت من هذه الشريحة، مثلاً لديك الشهيد محمد حريبو كان نائب الشهيد عبد الرقيب عبد الوهاب رئيس هيئة الأركان العامة، وأيضاً الشهيد محمد العفريت من قيادات الجبهة الوطنية، وغيرهما.
لكن كان هناك سلطة ذات عقلية ماضوية، وحدثت حالة ردة، واليوم هناك إعادة بعث للفئات والشرائح الواقعة خارج الفعل الثوري، ولقيم التحرر، ولمشروع التحرر المدني والسياسي والطبقي في إطار المهمشين.

ـ بالنسبة لمشاركة شريحة (المهمشين) أو (الأخدام) في مواجهة العدوان.. هل هي متركزة مناطقياً أم على مستوى وطني عام؟!
هي على المستوى الوطني العام، فالعدوان أسهم بشكل كبير اليوم بتلاحم (الأخدام) بالقوى الوطنية الثورية.. وبالطبع في المناطق الواقعة تحت سيطرة المرتزقة يستحيل ذلك، لكن من الأساس فقد نزح المهمشون بشكل كبير جداً إلى خارج هذه المناطق, لكن من حيث المناطق التي ينتمون لها فهم من كل البلاد.

ـ وبالتالي، يكون الانقسام السياسي وسط هذه الشريحة هو انقساماً وطنياً ضمن الانقسام الوطني العام، أليس كذلك؟!
نعم بالضبط، وهذا ينطبق كذلك على حال حركتنا (أحفاد بلال)، والانقسام الذي جرى فيها، وانشقاق جزء كبير منها بقيادة عبد الحكيم الشرعبي، وهو إمام جامع مرتبط بالإخوان، ويقود حالياً فصيلاً مع المرتزقة في تعز.

ـ من وجهة نظركم، ما الذي يفترض أن تعود به المشاركة في الجبهات بالنسبة لشريحة الأخدام أو المهمشين؟! وبالتأكيد الدافع هو دافع وطني عام، لكن فعلياً المشاركة ينبني عليها استحقاق اجتماعي لكم؟!
طبعاً، طبعاً، ولا أعتقد أن بالإمكان لأي وضع سياسي يعقبنا أن يتجاوز قضايانا أو يقصينا مطلقاً.. نحن اليوم قدمنا التضحيات والرؤوس والدماء، وشاركنا في القرار السياسي للعملية الثورية.
وبالتأكيد هناك استحقاقات مستقبلية، ونحن جزء من التحولات الثورية والعملية السياسية، ولا شك أن ذلك سيكون صعباً جداً، فأنت تقوم بتغيير ثقافة مجتمع، والتغييرات ستطول.
والمهم الآن، أن جزءاً من هذا الاستحقاق هو الاعتراف الاجتماعي والسياسي بمشاركة المهمشين الفعلية وأحقيتهم الوطنية.

ـ وما الإجراءات التي يفترض أن تتخذ لذلك؟!
هناك جملة إشكاليات اجتماعية، ومعالجة قضايا اجتماعية شائكة بهذا الشكل لن تتم من خلال مرحلة ثورية واحدة، بل تتطلب عقوداً طويلة.. هذا يتطلب، بعد الاعتراف بالمشكلة والمظلومية، وبأن هناك قضية فصل وتمييز عنصري استفحلت في المجتمع، أن يتم الشروع بإعداد مصفوفة وطنية واسعة من القوانين التي تُحترم أولاً وتنفذ من أجل إعادة التوازن الاجتماعي وخلق شروط وفرص العدالة الاجتماعية والحقوق الكاملة، من التعليم والصحة والوظيفة والسكن والرعاية... أو ما يمكن تسميته بقوانين تمييز إيجابية.
أن نقر مصفوفة تشريعات تقر بالإنصاف التاريخي والتعويض والعدالة التاريخية وبحق حصص معينة في التوظيف، في الثروة، في التعليم...، وكل ما من شأنه تقزيم الهوة الاجتماعية. وبالتالي سيأتي الدمج كنتيجة طبيعية للتطور الاجتماعي للمجتمع اليمني. يجب أولاً أن تصير هذه الأمور ثقافة تغرس في التعليم... والدمج سيأتي كنتيجة حتمية وموضوعية لكل تلك الإجراءات.

ـ هل ترون في قضية المهمشين كقضية عرقية أو وطنية؟ أي تحل كقضية عرقية أو تحل في الإطار الوطني؟
هي حالياً ضمن الإطار الوطني العام، وتحل في هذا الإطار، لكنها حتى وهي في هذا الإطار، تظل قضية عرقية باميتاز.. لأن هذه الشريحة عانت على مدى 1500 عام مضت، وهي تستحق كل بوادر الإنصاف. والإطار الوطني العام هذا لا يعفي المجتمع اليمني من دين تاريخي ثقيل لهذه الشريحة.

ـ من جانب آخر، لو تحدثنا عن الأيديولوجيا والثقافة التي يتحرك بها المشاركون في الجبهات..
التحرك الحالي محكوم في سياق التصورات الثورية لثورة 21 سبتمبر، لكن عندما ينتهي العدوان سيكون لنا إطار أيديولوجي في ما يتعلق بالجانب المطلبي.. نحن نرى الآن أن مصيرنا مرتبط بمصير ثورة 21 سبتمبر.
وعني أنا، فأنا عقائدي ماركسي بامتياز، ومبشر ثوري بعلم الاجتماع الاقتصادي والسياسي. وفي رسائلي للسيد عبد الملك الحوثي، كنت أخبرهم أن ما جمعني بهم هو المعتقدات الثورية والوطنية فقط.
وهناك من تحرك من المهمشين انطلاقاً من جانب عقائدي أيديولوجي، وآخرون مدفوعين بالحماس الثوري، والذي عملنا نحن أيضاً بتعبئته للشارع.. والجانبان لا ينفصلان، المفهوم اليساري والثوري الشيعي متشابهان، ويقعان في نفس المسار.

ـ بقراءتكم، ما الذي تغير الآن ودفع إلى مشاركة المهمشين في المواجهة الراهنة؟!
ثورة 21 سبتمبر، كانت من أولى خطواتها الاستراتيجية الهامة، الاعتراف المباشر بقضية المهمشين وحقهم في التعويض والحقوق الكاملة، وذلك باعتبارها ثورة شاملة تنتصر لكل الشعب اليمني بلا استثناء. كان لذلك دور رئيسي.

ـ على الرغم من ظهور تسمية (المهمشين) إلا أن تسمية (الأخدام) لا تزال حاضرة.. لماذا؟!
نحن متمسكون بذلك. فقد كان هناك استبداد لـ1500 سنة, استبداد يلغي ويصادر شخصية المهمش وذاته وتعريفه. الأخدام مُنِعوا تاريخياً من امتلاك الأرض وأدوات الإنتاج ومقومات التطور الحضاري، ليس هناك خادم طبيب أو دكتور أو محامٍ أو قاضٍ أو ضابط أو سياسي، وأصبح تهميشنا جزءاً من وعي اجتماعي جمعي سائد، وبالتالي إصراري على لفظ (الأخدام) هو تمسكنا بحقنا في مقاضاة المجتمع، وفي حقنا في الإنصاف التاريخي والتعويض التاريخي.

ـ كما تعرف، فقد رافقت حياة العبودية في أمريكا مثلاً، عمليات صدام شرسة وقمع جنوني، بينما في اليمن لم نشهد هذا الحال.. ما تفسيرك لذلك؟
بالتأكيد، الحال مختلف، وأظن المسألة متعلقة بالبنية القبلية والقيمية التي تعيشها، وبعاداتها في التكافل والتراحم...، على عكس أمريكا، حيث كانت تجمعاً للمجرمين واللصوص والمتوحشين في أوروبا... أيضاً كان للإسلام دور من خلال القيم الإنسانية التي ينشرها، وهي أكثر من المسيحية.

ـ أيضاً، لم نجد مثلاً ذلك الكفاح والصدام من قبل المهمشين.. أقصد هناك ما يبدو أنه حالة تقبل واعتيادية! هل للأمر علاقة بالفترة الزمنية الطويلة مثلاً؟!
نعم، الفترة الطويلة جعلت من هذه الأوضاع اعتيادية. إضافة إلى أن ظروف التخلف العام والخاص، الاجتماعي والثقافي والسياسي، يلعب دوراً كبيراً في ذلك. وبالتالي يجب أن يعترف المجتمع بذلك، وبأن يضمن للمهمشين نسباً خاصة في التعليم العادي والعالي كضرورة.

ـ طيلة سنوات، كان هناك منظمات دولية ومحلية وكيلة تنشط من أجل (حقوق المهمشين) وقضايا (الدمج) وما إلى ذلك من العناوين.. ما تقييمكم لهذا النشاط؟ وما الذي أنجز؟!
أنا دوماً ما كنت ضد نشاط هذه المنظمات، لأن نشاطها يصب ضمن خدمة أجندات الدول الراعية لها. تختصر هذه المنظمات نشاطها في مسائل آنية، وليس معالجات جذرية أو معالجات حقيقية من الأساس, وأصبح الأمر مجرد تربح لا أكثر، وهناك استثناءات بالطبع. هناك خدمات تقدم منهم، لكنها خدمات آنية، وليست إجراءات ذات بعد ونتائج على المستوى الطويل.

ـ ما هي رؤيتكم أنتم كمهمشين عن الثورة ومسارها اليوم؟!
نحن مصيرنا مرتبط بمصير الثورة.. لكن، كانت الثورة بديعة في البداية، وأنا أؤكد على كلمة كانت.. نحن أخفقنا من ناحية أننا لو كنا اعتمدنا مبدأً ثورياً، وهو خلق نوع من أدوات الردع الثوري لتقليص عدد الذين يقدمون اليوم صورة مشوهة عن الثورة اليوم، كنا سنتجنب الكثير من التشويه الذي تواجهه الثورة. وأعتقد أن على الثورة أن تخوض إجراءات تصحيحية لمسارها، وإلا أعتقد أن النتائج ستكون كارثية.