هوةٌ لزم تجسيرها
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لعله من اللازم على كل ذي وعي وصاحب قلم التذكير الدائم للأحرار: بأن الحركات التحررية لا يمكن هزيمتها من قبل المستكبر العالمي، إلا بعد إلحاق الهزيمة بها من الداخل، وعلى يد مثقفيها. ولا يخفى على الملم بالشأن العربي والإسلامي أن معظم الحركات التي بادت واندثرت كانت ضحية مثقفيها وعلمائها ومفكريها وأدبائها، الذين باعوا حركاتهم الوهم، وجعلوها تعتقد أن ما تحقق لها من تقدم ونجاح جزئي في البداية العملية؛ عائدٌ إلى كونها تقوم على أساس وجود مشروع متكامل، يحتوي العناصر اللازمة لاستمرارية النجاح والتقدم والنصر حتى النهاية، ولم يلتفتوا إلى طبيعة المؤامرات التي تحيكها قوى الاستكبار وموظفوها من الأنظمة والسلطات والأحزاب على المستويين المحلي والإقليمي، والتي عادةً ما تكرس جهودها لتضخيم حجم ما تم إنجازه على يد تلك الحركات، حتى لا تلتفت لسلبياتها، وتراجع خطواتها، كي تعي أين نجحت؟ وأين أخفقت؟ وما هو الذي ينقصها هنا، ويعيق تقدمها هناك؟
وهكذا استمر النفخ في تلك الحركات، التي استعظمت نفسها حدَ الجنون، وظل العدو يعبئها بالوهم، حتى غدت أشبه بأكياس محشوة بالتراب، فيتمترس خلفها لمواجهة تيارات وحركات أخرى، وما صراع الإخونجية مع السلفية، وبقية التيارات والحركات متطرفها ومتصوفها إلا خير شاهد على ذلك، والذين لم يكونوا سوى أداة لإحراق مطامح الشعوب، وقتل آمال الجماهير بغد أفضل، وتأبيد سلطة الأمر الواقع، التي كانت ما تلبث أن تنتهي إلا لتعود أكثر قوة وهيمنة من ذي قبل.
وعليه فإن المفكر أو المثقف أو العالم أو الأديب أو الإعلامي الذي نحتاجه اليوم هو: ذلك الذي يعي أنه إنسان مسؤول، يجب عليه أداء دوره ووظيفته على أساس الشعور والإحساس بالمسؤولية التي يحملها كأمانة من الله، ولا يجوز له التنصل من هذا الواجب، الذي يحتم عليه النهوض في اتجاهين هما: النفس، والآخرون من أبناء جنسه، ولكلٍ من الاتجاهين مهام ووظائف قررها الشارع الحكيم، وبين له كيفيتها، والأساليب والطرق التي يتبعها لكي ينجح في نهاية المطاف بالوصول لتحقيق ما يضمن به حفظ نفسه والآخرين من أبناء جلدته، ولا يوجد أحدٌ يمكن له أن يضع نفسه خارج دائرة هذا القانون الإلهي والأخلاقي والطبيعي، وعليه أن يكون سباقا للقيام بوظيفته، حريصاً على مطالبة وتذكير الآخرين بأداء وظائفهم، والوفاء بالتزاماتهم وعهودهم، لاسيما ما كان داخلا منها في الجانب الاجتماعي والسياسي، التي يكون واجبه فيها أكبر من غيره، باعتبار ما لديه من قدرات فكرية، وإمكانات علمية ومعرفية، تحتم عليه جميعها أن يسخرها في سبيل القيام بكل التكاليف الدينية والإنسانية التي يعيها العقل السليم، ويدفع باتجاهها، وتستوعبها الفطرة الإنسانية النقية، وتعزز في الوجدان التعلق بها، حتى يصير صاحبها على استعداد للتضحية بنفسه من أجل القيام بها على أكمل وجه.
وليس في قاموس الإسلام شيء اسمه الحياد، في كل المواقع الحياتية، فالكل مطالب بأن يكون له موقف فيها، ومَن يبتعد عن ساحة الحياة، بحجة التنزه والتطهر من كل النقائص والشبهات، فليس سوى شخص واهم، دفعه عجزه وفشله في الحياة الاجتماعية إليه، وأصبح مفهوم الفشل والعجز لديه عقدة يجب تغطيتها بمبررات ومفاهيم يفلسف من خلالهما تعاليه وعزلته.

أترك تعليقاً

التعليقات