ليسوا سواء
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
قدم الإمام علي نموذجا للرجل الرسالي، بل ربى محيطه القريب في الدائرة الصغيرة من أصحابه على السلوك الرسالي في علاقتهم به وعلاقتهم في ما بينهم، وهو تأسيس لبناء أمة رسالية تبتعد عن كل العصبيات في تعاطيها مع أهداف الإسلام العليا، وتبتعد عن الجزئيات التي تعوق مسيرتها في تحقيق أهدافها وأسماها على الإطلاق إزاحة كل أنواع الاستبداد والعبودية لغير الله، وربط الإنسان بمحور هو الله، وهو الهدف الذي يحقق الحقيقة الإنسانية وجوهرها في العدالة والكرامة.
ولكن علينا النظر إلى مَن يعلن توليه للإمام اليوم نظرةَ العارفين بأن ليس كل المدعين سواء، إذ يوجد صنفان من الناس في المنتمين لخط الولاية هما: المرتبطون بالإمام ارتباطا واعيا، والمرتبطون به عليه السلام ارتباطا عاطفيا حراريا لا غير. ولا يختلف اثنان بأن الارتباط بالأمير إذا كان ارتباطاً عنوانه الطاقة الحرارية فإنه سيرتبط بالشخص لا بالنهج، وهو ما سيتضح عند هبوب الفتن العاتية إذ سيسقط هذا الارتباط وستتحول الأهداف الرسالية إلى أهداف مذهبية ذاتية ضيقة.
نعم هناك فرق بين الارتباط الواعي بالإمام عليه السلام، وبين ارتباط الطاقة العاطفية الحرارية. فالوعي عبارة عن الفهم الفعال الإيجابي المحقق للإسلام في نفس الأمة الذي يتأصل ويستأصل جذور المفاهيم الجاهلية السابقة استئصالاً كاملاً. ويحول تمام مواقف الإنسان من مرافق الفكر الجاهلي إلى مرافق الفكر الإسلامي والذوق الإسلامي.
أما الطاقة العاطفية الحرارية؛ فهي عبارة عن توهج عاطفي حار، واندفاع مسعور قد يبلغ في مظاهره نفس ما يبلغه الوعي في ظواهره بحيث يختلف الأمر، فلا يميز بين الأمة التي تحمل مثل هذه الطاقة الحرارية وبين أمة تتمتع بذلك الوعي إلا بعد التبصر.
ومن أبرز مظاهر الارتباط العاطفي الحراري بشخصية الإمام هو كم المتناقضات الذي يمكن أن يظهر على ممثليه في منهجهم العام وسلوكهم في مستواهم الذاتي الفردي أو الأسري أو الاجتماعي، وإن كانوا ضمن السلطة سيظهر على مستواهم السلوكي سياسيا واجتماعيا في المجتمع والدولة ومع الأمة وقضاياها المصيرية.
إن الأمة التي تقوم حركتها على الوعي تكون مساراتها تصاعدية، وهي كذلك تراكم رؤاها بثوابت لا تنفعل بالحدث ولا تتهاوى أمام الانفعالات، خارجة من العصبيات كافة وداخلة في معيار الحق والحقيقة، وهي تتفاعل مع الأحداث وتقرأ الراهن بدقة وعقل منفتح موضوعي وتملك قدرة في صناعة الحدث.
إن خط الوعي يحمل عمقا منهجيا ضاربا في جذور التاريخ وأفقا رحبا يستجلب من التاريخ ما يُمَكِّنه الاستفادة من التجارب والمراكمة عليها، بقراءة واقعية تصنع الحدث وتؤثر فيه وليس تنفعل بالحدث وتتأثر به.
فالإمام علي عليه السلام، الذي يؤسس لمنهج اتباع الحق لا اتباع الشخص، فهو يؤسس لمنهج شامل يطور وعي الأمة كون الحق له تمظهرات ثابتة وأخرى متحركة وفق الزمان والمكان، فعلي قدم نموذجا للسلم الواعي الإيجابي وقدم نموذجا للردع لإرهاب العدو والباطل أمام جبهة الحق دون محاباة ولا تنازل.
واستيعاب هذه النماذج يتطلب ارتباطا بعلي بالوعي لا بالطاقة الحرارية.
فعبر التاريخ كثر ارتبطوا بعلي لكن قلة ثبتوا على حقه بعد الانقلاب الأول عليه في تحييده عن الحكم.
والانقلاب الثاني عليه من قبل معاوية بن أبي سفيان في تحييده عن عقول الناس وصناعتها من خلال شيطنة شخصيته وإسقاطها اعتباريا في المجتمع بسبه على المنابر لمدة 80 عاما، حتى وصل الأمر أن يتساءل أهل الشام: أوعلي يصلي؟
وكلا الانقلابين على الحق كان منطلقهما التعصب، فهو الذي حيد عليا عن الحكم في بداية الأمر وهو ذاته الذي قتل عليا في محرابه ومن ثم أقصاه إسلاميا ومذهبه وحجم حدود نفوذه العالمي.
إن  الارتباط الواعي هو الذي يمكن الشخص من خلال ارتباطه بعلي الذي يجسد الحق، يمكنه من قول الحق في كل الظروف.
الارتباط الواعي يحمل في أعماقه النموذج بكليته ويتمظهر في الأزمات تفاعلا واعيا ثابتا لا متناقضا، أما الارتباط الحراري فهو ارتباط انفعالي يفجر كل ما هو مستتر في الداخل بطريقة تحمل في طياتها العصبية الجاهلية.

أترك تعليقاً

التعليقات