سيادة الظلم في واقع الجهل
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
في القرآن الكريم الذي جعله الله مشتملاً على كل شيء وبياناً لكل شيء، دعوةٌ لدراسة الواقع التاريخي لكل الأمم السابقة دراسةً توجب الفهم وتحقق العظة والعبرة، لا دراسةَ تسليةٍ ولهوٍ وعبثٍ، فقد أهلك الله الأمم والقرون من قبلنا الذين كانت لهم آفاقهم وساحاتهم المنفتحة على كل آمالهم ومطامحهم وشهواتهم ولذائذهم، فقد أقبلت عليهم الدنيا وذلل لهم الله سبل الوصول إلى كل النعم، ولكنهم ضلوا طريقَ شكر الذي أنعم عليهم، وجعلوا من الظلم قانوناً تسير عليه خطواتهم وتقوم بموجبه حياتهم، إذ ظلموا أنفسهم عندما اختاروا طريق الكفر بالله واجتناب الإيمان، وظلموا الناس والحياة من حولهم عندما عملوا خلاف ما أراد الله لهذه الحياة أن تسير عليه، مع أن الله قد بين لهم من خلال كتبه المنزلة على رسله الحقائق كلها سواء تلك المتعلقة بالفكر والعقيدة أم تلك المتعلقة بشؤون الحياة والحركة، ولكنهم أغلقوا قلوبهم وتمادوا في غيهم حتى عم الظلم الذي هو العامل الأساسي والوحيد لاستحقاقهم الهلاك، لأنه حين يمتد إلى كل الواقع وتنطبع الأوضاع المجتمعية والسياسية والاقتصادية بطابعه يتهاوى المجتمع نتيجة الضعف الذي يقوض بنيانه ويهدم جميع قواعده، لأن الظلم يعمل على تفكيك الروابط الروحية بين القيادة والقاعدة، فتصبح القاعدة لا تثق بقيادتها، وتصبح القيادة بعيدة عن القاعدة، لكونها فقدت حس القيام بالمسؤولية تجاه القاعدة المجتمعية، ولا يتوقف الأمر عند عزل القيادة عن القاعدة والقاعدة عن القيادة فحسب، بل تصل الخطورة إلى أبعد من ذلك بحيث تتفكك البنية المجتمعية وتتمزق دون أن تقوى على اللقاء عند أي شيء، لأن الظلم يمنعها عن أن تلتقي ببعضها البعض ويعمل على نصب الحواجز في ما بينها بحيث تصبح كل فئة أو قبيلة معزولة عن الفئات والقبائل والطوائف والأطياف المجتمعية الأخرى، لينفتح الباب بعد ذلك أمام الجريمة على مصراعيه فتتحرك في مسارين يتم لها من خلالهما بالنهاية أن تجعل الكل موسومين بسماتها ومعبرين عنها ومجسدين لها كمجرمين، وهذان المساران هما: مسار التحريف للحقائق الفكرية وتغذية الانحراف فكراً وثقافة وسلوكاً، مع محاربة كل مساعي التصحيح وكشف الحقائق، ومسار التقصير في الجانب العملي الذي يتصل بالجوانب الحياتية للناس على مستوى حجاتهم وقضاياهم وأوضاعهم، فيحل الظلم في كل شيء ويغيب العدل عن كل شيء، وقد يسود الظلم بالتدريج في واقع الناس عندما يصبح التساهل وتصبح اللامبالاة إطاراً لفكر وفعل أي أمة.

أترك تعليقاً

التعليقات