أبرهة؛ قمرٌ في فلك محمد
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لم يكن مقدم شيبة الحمد (عبدالمطلب) جد خاتم أنبياء الله ورسله محمد (صلى الله عليه وآله) بالحدث العابر، الذي لا يحمل سوى معنى واحد كبقية الوفود، الذين لم يكن وجودهم في اليمن يتعدى مسألة التهنئة والتبريك للملك، بمناسبة دحر المحتل، وإعلان الاستقلال، وبالتالي فنظرة اليمانيين لتلك الوفود لا تعبر عن أي رابطة روحية وعقائدية، ولا يجدون بينهم من عوامل الوحدة شيئاً، فليسوا أكثر من ضيوف يجب القيام بواجبهم كما يقال شعبياً، بخلاف عبدالمطلب، الذي كان الملك أبرهة الحميري وشعبه يرونه بعين عقيدة، ويجلونه إجلالاً لدين ونبوة، فهم جميعاً كرحمانيين يتلهفون لسماع الخبر الذي لطالما انتظروا سماعه، ويتوقون للحظة زف شيبة الحمد إليهم تحقق البشارة التي توارثوها، وكان زمن نهوضهم بقيادة أبرهة لدحر المنوفيزية من اليمن والحجاز مبنياً على الوعي بضرورة تهيئة المناخ لمولد خير البرية، الذي يجعلهم ملزمين بالقضاء على كل مصادر التهديد لحياة النبي (ص) على امتداد الجزيرة العربية.
من هنا يمكن لنا فهم علاقة اليمن بعبدالمطلب، العلاقة التي تفوق كل العلاقات، فهم وإياه إخوة فوق معنى أخوة الدم، ومتحدون تحت مبدأ الوحدانية، ومجتمعون على اسم الرحمن، ليعملوا من أجل إقامة القسط، ومحاربة الظلم، لذلك يحذره أبرهة من غدر يهود، وربما حذره من كيد أتباع المنوفيزية، ولكن تم التخلص من ذلك، ويشيع البشرى في نفوس الرحمانيين حين يقول لهم بمعنى كلامه: هذا الشيخ الجليل من رائحة حبيبكم محمد الذي أنتم أنصاره.
وعليه فإن التدقيق بالحدث وطبيعة الكلمات من حيث دلالاتها يمكن الجزم من خلالها مجتمعة بأن الشيخ الموحد الجليل قد نقل إلى الملك خبراً مثل ثمرة النصر، وشهد بداية التحول بل بداية الزمن المحمدي، ومن الطبيعي أن يظل الأمر سرا لا يعلمه إلا قليل، وإذن يمكن احتمال أن وفد التهنئة بزعامة عبدالمطلب، قد كان أيضاً هو حامل البشارة، للملك فقط، وهي أن محمد النور قد ولد.
هذا ما يستخلصه كتاب (الرحمن اللغز الأكبر) لنشوان دماج، الذي يطرح كل هذه القضايا والتساؤلات بين يدي المؤمنين بالرحمن، والمصدقين ببشارات الله على لسان أنبيائه، بأنها قطعية الحدوث، وقتاً ومكاناً لا يتغيران، فبشارة عيسى كانت معروفة كيف ومتى ستأتي، ولذلك من الطبيعي أن يتم التكتم على الأمر، وتداوله بسرية تامة في أضيق دوائر قادة الرحمانيين.

أترك تعليقاً

التعليقات