مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
نحتاج كعاملين في سبيل الله إلى التعرف على مفهوم الإيمان، وآثاره الحركية التي تبدأ أولاً من وجدان الفرد المؤمن، فتطبعه بطابعه، وتصوغ جميع نوازعه وأفكاره وتصوراته بناءً عليه، وهي بذلك تؤسس لانطلاقته في حركة الحياة ثانياً، من هنا يتضح: أن الإيمان ليس مجرد فكرة معلقة بالهواء، أو عنوان للدخول في عالم الخيال، والتحليق في فضاء الأحلام البعيدة عن الواقع الفردي والاجتماعي، وإنما هو كونٌ قائمٌ بذاته، له خصائصه الكثيرة، وآفاقه الواسعة الممتدة، وأبعاده المتنوعة بتنوع ميادين الحياة، ومجالات العمل، لأنه في حقيقته: انعكاس لمعرفة الله، التي لا بد لها أن تتجلى في أقوال المؤمن وأفعاله ومواقفه وسلوكياته، ومدى ثباته واستقامته في كل شيء، ومع اختلاف الظروف، وتغير المواقع، وتبدل الأحوال والمواقف من حوله، فلا يهتز، ولا يبدل، ولا يتراجع، لأن القضية هي: القيام لله، والتأكيد على مبدأ العبودية والخضوع والتسليم له وحده.
إننا هنا نتحدث عن الإيمان الحقيقي، لا الشكلي، ولكي يتسنى لنا إدراك الفرق بينهما، فسننطلق مع الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فقد وضع لنا في ذلك القول الفصل، الذي يشتمل على بيان نوعين من الإيمان، وذلك ما عناه بقوله: فمن الإيمان ما يكون ثابتاً مستقراً في القلوب، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور إلى أجلٍ معلوم، فإذا كانت لكم براءةٌ من أحدٍ فقفوه عليه، حتى يحضره الموت، فعند ذلك يقع حدُّ البراءة. أما ما تؤكد عليه هذه الكلمة الصادرة عن سيد الوصيين عليه السلام، فهو التالي:
* يؤكد الإمام علي عليه السلام، أن الإيمان الحقيقي هو الذي إذا ما استطاع النفاذ إلى عمق صاحبه، عمل على ترسيخ جذوره في كل نواحي كيانه، وهيأ له كل العوامل والمقومات التي تعزز من ممكنات بقائه، وتدعم استقراره في تلك الذات، التي لا يصير جزءًا منها فحسب، بل أصلاً في بنيتها وتركيبها، وأساساً حاكماً عليها، ومحركاً لها، وهو بالتالي العقل والعاطفة، والمرآة التي يصير الواقع الحركي انعكاسا لها لا غير، ومادام هذا حاله، فهو: الإيمان المستقر.
* وهناك الإيمان المستودع والمعار، وهو الذي يظل حائراً متذبذباً، فلا يتمكن من البلوغ إلى قلب صاحبه، ولا يستطيع السيطرة على حركته، ولا تنفتح له مغاليق عقله، وإذا ما استطاع الدخول إلى العقل أحياناً فإنه يبقى هناك في مستودع الذهن، كمعلومة لا أكثر، فلا تجد له أثرا في وعي، ولا انعكاسا في عاطفة أو حركة أو سلوك، لأنه كان نتيجة تقليد لشخص ما، أو شيئا من الموروث عن الآباء، أو معطى من معطيات قراءة خاطفة، وتأثرا آنيا، أو زيا يتطلبه الظهور للناس كعنوان لانتماء شكلي، يقف على السطح من كل شيء، فهو ليس أصلاً في الذات، بل شيء فرضته الضرورة من خارجها، تماماً كأي طارئ قد يطرأ عليها، ولكنها لا تتقبله، ولا تستريح له، ولا تحبذ بقاءه فيها أبداً.
أما خلاصة الفكرة فهي: ألا نستعجل بالحكم على هذا أو ذاك بالإيمان، ولنتريث حتى يحل بساحته الموت، فإذا جاءه وهو لايزال مؤمناً، كان من أصحاب الإيمان المستقر، وإذا فارق الحياة بعد مفارقة إيمانه، كان من أصحاب الإيمان المستودع، فهل يتنبه لمثل هكذا توجه كل مَن يرهقون نفوسهم مدحاً وتطبيلاً لهذا وذاك دون حساب؟

أترك تعليقاً

التعليقات