صرخة احتجاج، لا زفرة يأس
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يا لوعورة المسلك، وشدة التعب والإرهاق، في ظل إسدال الحزن على القلب والعقل والروح أستاره التي غطت جميع المساحات، وحجبت كل ضوء يمكن له أن ينفذ إلى عالمي، فأستضيء به في حركة سيري، وأستأنس بإشعاعاته في ليالي الوحشة والغربة والوحدة والألم والضياع!
لقد سئمتُ البقاء برفقة هذا الحزن، الذي أحال كل شيء في وجودي إلى زنزانات مبنية بداخل سجن كبير، هو: العمر، الذي صار مكوناً من قطعة واحدة، ومبنياً على نسق واحد لا يتبدل، على الرغم من تبدل الأحوال والظروف والمناخ في واقع الناس والطبيعة، فقد أصر على لزوم حالة واحدة لا ينفك عنها، فإذا تبدلت واختلفت وتنوعت فصول العام، بين شتاء وربيع وصيف وخريف من حولي، أجبرني على التجمد في فصل الشتاء، بكل ما فيه من ذبول وانزواء وبرودة وانكفاء وتراجع وموت، وإذا ما عاش الناس اختلاف الزمن وانقسامه إلى ليل ونهار، أبقاني أسيراً لليل الحالك السواد، الذي لا يكاد يذوي حتى يولد وينمو ويترعرع ويقوى وينتشر ويعم ويسود مجدداً، وبشراهة أعظم من ذي قبل، وهكذا انقضى عام، وجاء آخر، ومر عيد، وتلته أعياد، دون أن تشهد سمائي ظهور هلال، أو بروز نجم، أو طلة بدر، أو طلوع شمس. عقارب ساعتي متوقفة على تلك الساعة التي حدث فيها ما لم يكن بالحسبان من فاجعة، وأوراق التقويم، المعبرة عن تناقص العمر نفدَتْ عند وصولها إلى تاريخ الحادي والثلاثين من مايو الفائت، فلا هي التي تراجعت إلى ما قبله، ولا هي التي تجاوزته إلى ما بعده. فأيُ حياةٍ هذه؟
حياةٌ رتيبة جامدة مملّة قاسية ناقصة تعيسة مضنية، لا أقول ذلك عنها: باعتباري آيساً من رحمة الله، أو فاقداً الثقة بعدله وتدبيره، أو معبراً عن عجزي ونفاد صبري وانعدام طاقتي على الثبات والاحتمال للمشاق والمتاعب، وغياب القدرة والإرادة على مواصلة السير في رحاب الحياة جهاداً واجتهادا، ومواجهة كل التحديات، والصمود بوجه النوائب، وتقبل الهزيمة والنصر، والنجاح والفشل بمنطق العارف أن الأيام دول بين الناس، ولكني أقول ذلك من موقع المحتج على الناس الذين يفرحون بالنوازل التي تصيب بعضهم، ويعملون على تعميق الجراح البسيطة التي حدثت لحظة جهل، ويوسعون من نطاق الخلاف مهما كان عادياً، ويتمادون في التشجيع على التباغض والتقاطع والتجافي والتدابر.
نعم هي صرخة احتجاج على كل مَن يخربون البيوت، ويمزقون الأسر، ويباعدون بين المحبين، ويشتغلون بمهنة بني إسرائيل والشياطين، في التفريق بين المرء وزوجه، فلا يهتمون بصلاح ما فسد، بقدر ما يهتمون بإفساد ما لايزال صالحاً.
فلماذا يتظالم الناس في ما بينهم؟
لماذا يصر الإنسان على تدمير وتحطيم أخيه الإنسان؟
لماذا ندوس على كل ما تحمله القلوب من طهر ونقاء وقداسة ومحبة وإخلاص؟
لماذا نعمد للتفريق بين الجسد وروحه، والمرء وزوجه وقلبه وكل عالمه؟
هل من العدل أن نقتل سعادة إنسان؟
وهل ستكون بيوتنا عامرة وقد أسهمنا في تخريب بيت لأحد الناس يوماً ما؟

أترك تعليقاً

التعليقات