أزمة الفهم الديني
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يعيش المسلم اليوم أزمةً وجودية، فلا هو بالمسلم الواجد في انتمائه للدين شواهد تؤكد له أن هذا هو الدين الذي ارتضاه له الله، ولا هو بالقادر على الاستقراء والبحث عن السبل التي تعود به إلى منابع الدين الصافية التي ستمنحه فهماً حقيقياً لإسلامه، بعيداً عن الفهم الذي رسخه في ذهنه أولئك الذين قطعوا مسار حركته إلى الله، وقدموا له أنفسهم كوكلاء للرحمن، وذوات إلهية تقرر بالنيابة عن الخالق الكيفيات التي تحدد البناء للصورة المعبرة عن هذا الدين.
وعليه فنحن اليوم أمام أزمة فهم ديني لا أزمة دين، هذا الفهم مرجعه إلى موارد المعرفة وأدواتها وكيفية الإدراك وهو ما يتطلب معالجة على عدة أصعدة مختلفة، كما أننا معنيون  بدراسة وتفكيك المعرفة الغربية أو معالجة موضوع المعارف، فنحن أمام ممارسات عديدة:
الاستعمار وفكرته حول الهيمنة والإقصاء من الخارج  والمؤسسات الدينية وفكرتها عن الهيمنة الفكرية وإقصاء كل ما هو غير مألوف ولا مشهور ولا معتمد على نص من الداخل.
إذن نحن أمام نوعين من الإقصاء مختلفي الجذور أحدهما من الخارج المعرفي والآخر من الداخل المعرفي، فلا نحن قادرون على تحرير العقول من أغلال الداخل وأثقاله المعرفية البشرية، حتى نستطيع المواجهة مع الخارج المعرفي وتفكيكه، ولا نحن قادرون نتيجة هذه الأغلال على مواجهة الخارج المعرفي وتفكيكه والدفع بالبديل المعرفي الأصيل بعد تطويره وتنضيجه وغربلته.
فأي مواجهة مع الخارج المعرفي لا بد لها أن تكون قوية الجذور ورصينة المتون وعصية على الكسر والتقويض من متطلبات الراهن والعصر لقدرتها على المواكبة والتقدم من جهة وقدرتها على الاستفادة والتلاقح مع الآخر المعرفي دون استلاب أو ذوبان، وهو ما يحتاج إلى عملية نقد منهجية للذات دائمية، تتطلع للحقيقة وليس لمن قال، وتتطلع لرسم مناهج رصينة في فهم التراث ضمن رؤى مقاصدية غير مذهبية في العودة إلى التاريخ، أي ضمن منهج رصين في قراءة التراث والتاريخ يتطلع لفهم المناهج الثابتة والقيم والمعايير الثابتة كقواعد وأسس كلية لتشكل مرجعية معيارية يمكنه من خلالها فهم الواقع ومعالجة الإشكاليات المعاصرة بعقل الحاضر ومعيارية معرفية رصينة ذات أصالة في أبعادها السماوية والأرضية.
وبالرغم من أننا نؤمن بوجود هيمنة غربية من موقع المستكبر ترى لذاتها محورية كمرجعية معرفية في كل شيء، ونرفض هذه الهيمنة ونحاول تفنيدها وتفكيكها ومواجهتها، إلا أننا في ذات الوقت لا ننكر وهننا الداخلي وأيضا نحاول تفكيك بنى التخلف وصيرورتها ونحاول تقويض بناه، ومواجهة إقصاء الداخل سواء على مستوى المؤسسات الدينية أو الأنظمة السياسية، فنحن بذلك أمام مواجهات متعددة، داخلية متمثلة في المؤسسات الدينية والأنظمة السياسية وما يتصل بهما من نخب، وخارجية مغلفة بشراسة الهيمنة الغربية معرفيا وسياسيا وماليا.
إن مواجهة المشاريع الاستعمارية خاصة المعرفية تتطلب التالي:
1. تغيير المنظومة الفكرية التي تعيد ترتيب أولويات الاهتمام الثقافي والفكري، وتحاول الخروج من محورية الهوية المذهبية معرفيا والالتصاق فقط بهذا الأفق وبناء المعارف عليه، في مواجهات مذهبية تزيد من تخلفنا وانكفاء على الذات، لتخرج إلى أولوية الرسالة العالمية وضرورات وضع المناهج والآليات السليمة لهذه الأولية، وجعل الهوية المذهبية من فرعياتها المعرفية كهوية خاصة غير إقصائية.
2. تغيير مقاصد قراءة التاريخ وزاوية النظر له، من قراءة لأجل استجلاب الإشكاليات المذهبية والعيش فقط في الماضي  في اصطفاف إثني ترغب فيه الأطراف المصطفة لتحوير الأدلة، في صراع حول من يملك الحقيقة وأي حقيقة يملكون، ليصبح المنهج كالتالي:
* دراسة الإشكاليات المعاصرة ومن ثم العودة إلى التراث وتجارب الماضين والنصوص الدينية الموثوقة، ومحاولة استخلاص منهج في معالجة هذه الإشكاليات من خلال الثوابت القيمية والمعيارية والمنهجية الثابتة ومواءمة ذلك مع متطلبات الراهن من خلال المفكرين القادرين على استخلاص نظريات تجمع بين النص والعقل والتاريخ والتجارب السابقة والحاضرة من التجارب البشرية والدينية، فتصبح قراءة التاريخ ليس لامتلاك الحقيقة، واستجلاب المشاكل المذهبية، بل لمحاولة المواءمة بين الأصول الثابتة والمناهج الكلية واستخلاصها وبين متطلبات الراهن وآلية حل الإشكاليات المعاصرة بطريقة تجمع بين العقل والنص والتراث والحاضر.

أترك تعليقاً

التعليقات