مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لن يتم لكل مَن خان أمانة الله والشهداء ما أراده لنفسه من دوام السلطان، والتمتع بكل مباهجه، حتى وإن استطاع لجم وإسكات الأحرار، وتمكن من شراء ضعاف النفوس، وجلب كل المهرجين والغوغائيين والسفهاء إلى صفه، مستعيناً بهم على عزل الأحرار والشرفاء، وتشويههم عند الناس، وسعى جاهداً لضرب كل شخصية خالدة، حملت المشروع، وعاشت هم مجتمعها، وختمت مشوارها ببذل الروح على مذبح الاستشهاد، وضرب الصورة المشرقة لهؤلاء الخالدين في عيون الناس قد بدأ وبشكل مكثف منذ زمن ليس بالقصير، وذلك لأن المزرين يودون ترسيخ قناعة في نفوس الجماهير تقول: إنهم هم النموذج المعبر عن الثورة والمشروع، وما عداهم فهو وهم وزيف وادعاء، وقد قال أحدهم بحضور ثلة من علية الصف المزري: مَن هو الصماد الذي شغلتمونا بذكر مناقبه، وعد فضائله؟ لم يكن سوى مبزغ في بني معاذ! وإذن فهم القطب والمحور، والراد عليهم كالراد على الله.
كل هذا بغية إماتة الثورة في نفوس المخاطبين والجماهير، قبل إماتتها في واقعهم. ولكنها لا ولن تموت، وإنما ستبقى حيةً وفاعلة، تمتلك روحية المبادرة، في اقتحام كل ساحات الخطوب، من موقع القدرة على التأثير والعطاء، لأنها مُهرت بدماء ودموع ومعاناة عامة الناس، الذين سيظلون مخلصين لها، من خلال الحضور الدائم في مختلف ساحاتها، منعاً للاستغلال والعبثية.
إن مواجهة مثل هؤلاء الخوالف الخدج لن ينهض بها إلا الواعون المستعدون للتضحية بكل شيء في سبيل الناس الذي هو سبيل الله، القائل عنهم في كتابه: «ومن الناس مَن يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوفٌ بالعباد».
وكأن هذه الآية توحي في ما تعطيه من مفاهيم وأبعاد حركية، أنه لا سبيل لمواجهة الفساد والإفساد، الذي يسعى له أولئك الذين يغرقون في ذواتهم، ويبتعدون عن ربهم، ويتمادون في مخالفة هداه وشريعته، ويتخذون من التضليل بمختلف أنواعه، سبيلاً للوصول إلى غايتهم التي عبر عنها قول الله تعالى: «وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل»؛ إلا بوجود هذه الفئة التي بلغت قمة الصلاح في نفسها، المتمثل باستعدادها للبيع من الله، ولأنها قد باعت النفس منه فإن هذا الأمر يفرض عليها التحرك لمواجهة المفسدين، الذين يهددون حياة الناس بكل مظاهرها، وهذا هو الإصلاح الحقيقي، لأنه قائمٌ على بيع النفوس من الله، وصدق التوجه إليه، والالتزام التام بهداه، والغاية والقصد من كل ذلك هو نيل رضاه وحده سبحانه، إذن هؤلاء هم الوطنيون حقاً، لأن بوجودهم وحركتهم تبنى الأوطان، وتصان الحقوق والأعراض، وتتحقق السلامة للناس وللحياة من حولهم من كل الشرور، بالإضافة إلى أنهم بجهادهم يقدمون الخدمة الأهم للناس، إذ يقونهم ممن يعملون على إهلاك حرثهم ونسلهم، وجميع مظاهر وجودهم، وهم مع ذلك لا يتحدثون عن أنفسهم، ولا يسوقون لذواتهم، حتى وإن كان ما سيتحدثون به حقيقة، كما يشير إلى ذلك الشهيد القائد رضوان الله عليه، باعتبار توجههم العملي الذي يتمثل ببيعهم للنفوس من الله، وهذا هو الشيء الإيجابي الذي يميز جميع أعمالهم.

أترك تعليقاً

التعليقات