موانع المعرفــة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لقد وقع الإسلام كدين إلهي عبر العصور بأيدي أتباع أخذوا منه ظاهره، والتزموا بطقوسه الشكلية، وأفرغوه من محتواه الشامل، الكفيل بتحقيق العزة والسمو والكمال للأمة، وذلك لأن هؤلاء الأتباع وقعوا أسرى لكثير من العوامل التي جعلتهم يرون أنفسهم فوق الدين، الأمر الذي حرمهم من معرفة دينهم، وأضاع دنياهم، ولعل من أبرز هذه العوامل ما يلي؛
1. اتِّباع الظنّ. ينصُّ القرآن الكريم على أنَّ من يعمل بظنّه سيقع لا محالة في الخطأ. فعلى الإنسان أن يعمل بيقينه دوماً. ولو كان اليقين هو الملاك في العمل لما أُصيبت البشرية بكلِّ هذه المِحَن والبلايا. فكلّ ما يُلاحظ من صِدَامات بين المذاهب والنِحَل إنَّما هو نتيجة لاتِّباع الناس ظنونهم في إصدار الأحكام. فغالباً ما يتمُّ التعرّف إلى الغير والعالم وإدراك الأمور من دون يقين، وهذه هي المشكلة التي يَقع فيها الناس؛ حيث يسلِّمون ببعض الأشياء دون العلم بها فيعدّونها قضايا يقينيّة.
يقدِّم القرآن لنا منطقاً خاصاً حين نهى -وبطريقة لافتة- عن اتبـاع الظن: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)، وقال تعالى: (إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ). فهو يريد أن يقول هنا إنَّ لهؤلاء منطقاً لكنّه (الظنّ)، وليس (العلم واليقين)، ولو استندوا إلى يقينهم لما كان كلامهم هذا. وقد صرَّح القرآن أيضاً: بأنَّ خطأ الغالبيَّة من الناس هو (اتِّباعهم الظنّ)، قال تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله) أي لا تتَّبع الناس، وإلا فاعلم أنَّ أغلبيَّة الناس يُضلُّون المرء عن سبيل الحق. لماذا؟ وما سبب الضلالة؟ (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ).
2. تقليد الأسلاف. ذكر القرآن مانعاً آخر للمعرفة هو التقليد الأعمى للأسلاف،  لقد واجه جميع الأنبياء المشكلة ذاتها، فالناس غير مستعدّة للتخلّي عن معتقدات الآباء والأجداد، الأمر الذي أدَّى إلى تراجع الإنسان عن التفكير في مصير معتقداته، أو دفاعه بالباطل عن تقاليد أسلافه، فجزم بصحَّتها المحتومة.
إن ذمَّ التقليد مذكورٌ في قصص جميع الأنبياء. وحين يروي لنا القرآن احتجاجات الرسل التي تدور بين النبيّ وقومه نجدها ذات قواسم مشتركة... وهناك عنصرٌ مشتركٌ آخر بينهم وهو أنَّ جميع الأنبياء المذكورين في القرآن كانوا قد ذمَّوا التقليد أيضاً.
3. التسرّع في إصدار الحكم. وهو بمعنى أنَّ الإنسان يفقد أناه في متابعة المسألة فيرغب في الاستنتاج وإصدار الحكم. وقد دلَّت النصوص القرآنيَّة أيضاً على أنَّ من جملة العوامل الأساسيّة في ضلالة الإنسان تسرّعه في الحكم دون إحراز العلم الكامل به. لقد شدَّد القرآن على هذا الموضوع فنبّه الإنسان إلى أنَّ مداركه قاصرة عن استيعاب ما يريد الخوض فيه والاستنتاج منه. قال تعالى: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً).
4. الأهواء النفسيّة. يُعدّ القرآن الهوى النفسيّ من جملة أسباب الوقوع في الخطأ الفكريِّ، فهو يحجب الفكر عن رؤية الواقع. إنَّ من الأمور الأخرى التي يَنتج عنها الفكر الخاطئ، ولا بدَّ من التنبّه إليها في القاعدة الأوليَّة، هو الهوى النفسيّ والذَّاتيّ وهو مذكور في القرآن كثيراً.

أترك تعليقاً

التعليقات